رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

أسرار أطماع جماعة الإخوان التي صنعت العداوة مع ثورة يوليو .. مكتب الإرشاد حاول السيطرة على قرارات عبد الناصر.. وحادثة المنشية أنهت علاقة الضباط الأحرار بالتنظيم الإخواني

الدكتور عبدالراضي
الدكتور عبدالراضي عبدالمحسن عميد دار علوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل الذكرى الـ69 لثورة يوليو المجيدة، هذا العام، وسط تغييرات كبيرة وجذرية في مصر على الأصعدة كافة، فإلى جانب الطفرة التنموية الهائلة، وغير المسبوقة في تاريخ مصر، هناك متغير مهم يسهم في تعزيز استقرار المجتمع، وحمايته من التوترات، والفوضى، وهو انتهاء وجود جماعة الإخوان في مصر.

فعلى مدار 69 سنة، هي عمر ثورة يوليو التي أطاحت بالحكم الملكي، وأنقذت مصر من الفساد السياسي، والاقتصادي، وسيطرة الطبقة الغنية الإقطاعية، على المجتمع، واستحواذها على مقدرات البلاد والعباد، عاشت الدولة المصرية صراعا عنيفا مع جماعة الإخوان، التي أرادت منذ تأسيسها بالتعاون مع الاحتلال البريطاني، عام 1928، أن تبسط هيمنتها على القرار السياسي للدولة. 

وهم المشاركة

ومع السنوات الأولى لثورة يوليو، حاولت جماعة الإخوان إيهام الرأي العام، المحلي والإقليمي والدولي، أنها شاركت في هذه الثورة، وأن دورها كان مؤثرا في نجاحها، إلا أنه سرعان ما انكشف زيف ادعائها، بمحاولتها اغتيال قائد هذه الثورة وزعيمها، جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير.

وفي أعقاب هذه المحاولة الآثمة، واجهت الدولة تنظيم الإخوان بكل قوة، حتى تمت محاكمة قادته، وإصدار أحكام بإعدامهم، بتهمة قلب نظام الحكم، ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية انذاك. 

وفي المقابل تغيرت نبرة الجماعة، من ادعاء المشاركة في الثورة، ومباركتها، إلى اتهامها بأنها انقلاب عسكري، أطاح بالحكم الشرعي للبلاد، وهي مزاعم كشفت عن خداع الجماعة، وتعمدها التضليل، على حسب ما تتجه إليه بوصلة مصالحها.

الأكثر إثارة للدهشة، بحسب ما أوضح الدكتور عبد الراضي عبد المحسن، عميد كلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، هو أن الجماعة حاولت اتهام الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، بأنه يعادي الإسلام، في سعي لتصوير تصديه للفكر المتطرف الذي انتهجته الجماعة، وروجت له، على أنه حرب على الدين، متناسية أن الزعيم جمال عبد الناصر، هو الذي أنشأ إذاعة القرآن الكريم، التي تعتبر منارة الإسلام الوسطي في العالم، حتى الآن. 

وأوضح عبد الراضي أن أكاذيب الجماعة انكشفت سريعا أمام الشعب، الذي لم يعرها اهتماما، والتف حول زعيم الثورة، وخاضا معا معارك ضارية، لترسيخ دعائم الإصلاح الداخلي، سواء من خلال تأميم قناة السويس، أو بناء السد العالي، أو الإصلاح الزراعي، الذي يحمل في طياته إصلاحا اجتماعيا واقتصاديا، لم يكن ليجرؤ عليه، زعيم لا يحظى بإجماع شعبي.

ولفت عبد الراضي، إلى أن جماعة الإخوان روجت لأكاذيب مضحكة، من أجل تشويه جمال عبد الناصر، وهي تفعل ذلك حتى الآن، بحسب قوله، مشيرا إلى أن من هذه الاتهامات، ادعاء أنه كان مواليا للولايات المتحدة، وهو حديث لا يرقى إلى أدنى مستويات العقل والمنطق، خاصة بعد واقعة رفض البنك الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، لتمويل مشروع بناء السد العالي.

 وأشار عبد الراضي، أن وقائع التاريخ تؤكد أن جماعة الإخوان، كانت تعادي ثورة يوليو منذ يومها الأول، لكن دون أن تجهر بذلك في البداية، بدليل أن عناصرها لم يشاركوا في ما جرى خلال الأيام الأولى للثورة، وفضلوا البقاء داخل جحورهم، حتى يتأكدوا من نجاحها، وخلع الملك من الحكم.

وأضاف: "لذلك لم يرتفع صوتهم إلا بعد خروج الملك من البلاد، وتنازله عن العرش، وفرض الوصاية على نجله الصغير حينها"، مشيرا إلى أن الجماعة حاولت الترويج إلى أنها شريك في الثورة، وبالتالي يحق لهم المشاركة في حكم البلاد، محاولين فرض وصايتهم على قرارات مجلس قيادة الثورة، وهو ما رفضه جمال عبد الناصر، الذي كان يرفض أية وصاية، من أي نوع، على استقلالية القرار الوطني.

وأشار إلى أن عبد الناصر، أدرك مبكرا أن جماعة الإخوان، لا تريد الخير له، ولا للشعب المصري، لذا واجههم بقوة، خاصة عقب حادث المنشية، الذي حاولوا فيه اغتياله، وتم تقديمهم إلى منصة القضاء، حيث تمت محاكمتهم والحكم بالإعدام على عدد من قياداتهم، وفي مقدمتهم سيد قطب، منظر الجماعة الأكبر. 

ولفت عبد الراضي، إلى أن جماعة الإخوان، جهرت بعدائها للثورة، عندما تأكدت من أنها لن يكون لها مستقبل في وجود الضباط الأحرار، بأنها أصبحت بلا نفوذ، خاصة بعد أن التف الشعب بأكمله خلف قيادة الثورة، وأهدافها. 

وحول ما إذا كان تصرف الثورة في عهدها الأول تجاه الإخوان، سليما أم كان بحاجة إلى تغيير، قال عبد الراضي: "موقف الجماعة من الرئيس السادات، ثاني زعماء ثورة يوليو، يثبت أن عبد الناصر كان محقا، لأنهم على الرغم مما قدمه لهم السادات، من فرصة للتصالح مع أنفسهم، ومع المجتمع، وممارسة العمل السياسي العلني، وفقا لقواعده الديمقراطية المعروفة، فإنهم انقلبوا على ذلك كله، ووجهوا أبشع الاتهامات للسادات، بل ورحبوا باغتياله، على أيدي رجال الجماعة الإسلامية، الذين خرجوا من رحم أفكار جماعة الإخوان. 

يكرهون الدولة

بدوره قال الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، بجامعة الزقازيق، إن جماعة الإخوان تكره الدولة، ولا تقيم وزنا للحدود الوطنية، لذا فإنها تعادي كل مشروع يعزز من قوة الدولة، ويعتمد على رفع شأن الوطن.

وأوضح أن كراهية الجماعة لفكرة الدولة، هي السبب في معاداتها لثورة 23 يوليو، خاصة أن هذه الثورة أنهت التبعية المصرية للدولة العثمانية، التي تحابي الإخوان، وتقف بجوارهم منذ زمن بعيد.

وأشار إلى أن ثورة يوليو، قادها وضبط أداءها الجيش المصري، لذا فإن جماعة الإخوان نظرته إليه باعتباره تهديد لمشروعها، ولوجودها، ومن هنا جاء هذا العداء المستحكم، الذي ظهر على الجماعة في ثورة 25 يناير، وما بعدها من أحداث ألمت بالأمة المصرية.

وأشار العفيفي إلى أن الصدام بين الجماعة، وثورة يوليو، كان حتميا، لأن الجماعة ترفض بكل قوة وعنف، أي تغيير سياسي أو اجتماعي، لا يعزز من نفوذها وقوتها،

ولفت إلى أول ما اصطدمت به الجماعة، كان رغبة مجلس قيادة الثورة في تدعيم سلطته، بالسيطرة على مواطن صناعة القرار، فيما اختارت الجماعة سريعا ارتداء ثوب المعارضة المغرضة التي لا تنظر إلى لإثارة القلاقل والتوترات.

ولفت إلى أن ما أطلق جنون الجماعة من عقاله، هو أنها شعرت بأن عبد الناصر أقوى مما كانت تظن، وأنه جريء إلى الحد الذي يمكنه من إحداث تغيير اجتماعي جذري، لا يقف عند حد، ولا يخضع لأي توقع، لذا شعرت أنه لن يكون بإمكانها أبدا أن تأمن جانبه، وقفزاته التي تذهب كلها لصالح الشعب، وبالتالي تعمل على دعم مكانته لدى المواطنين، بشكل يصنع منه حائط صد منيع، لا يمكنها اختراقه، أو فرض إرادتها عليه. 

وأضاف: "عبد الناصر تحرك وتصرف بمفرده، بعد أن انتظر دعم الجماعة في البداية، لكنها تنصلت، خاصة أن فوجئ بالجماعة بعد هذا التنصل، تحاول الهيمنة على قرار مجلس قيادة الثورة، بعد نجاح الإطاحة بالملك".

ولعل ما يؤيد ذلك، هو ما يذكره بعض المؤرخين، من أن عبد الناصر أعرب عن غضبه من محاولات فرض وصاية الجماعة على الضباط الأحرار، في أول لقاء عقده مع مرشد الجماعة وقتها حسن الهضيبي، وكان ذلك بعد أسبوع واحد فقط على اندلاع الثورة.

كما أن عبد الناصر، لاحظ نشاطا متزايدا للجماعة، من أجل إحياء الأسر الإخوانية، الأمر الذي أغضب ناصر، وجعله يدرك أن الجماعة تعمل لحسابها، وأن تحركاتها سيكون لها تأثير سلبي على أمن المجتمع، والأمن القومي للدولة المصرية. .