السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

ملامح السياسة التركية في 2021.. وجود قوي للأحزاب المعارضة يعزز الحراك المجتمعي ضد أردوغان.. بايدن يقوض مساحة نفوذ أنقرة.. تفاقم ملحوظ للأزمة الاقتصادية.. وحزب العدالة والتنمية يشهد هروب أعضائه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت تركيا خلال الأعوام السابقة مجموعة من التحديات على المستويين الداخلى والإقليمى والدولى والتى من شأنها أن تتسبب في تغيير مآلات الأوضاع ذات الصلة بها، ويمكن استعراض هذه التحديات من خلال مستويين الأول يتعلق بتطورات الوضع الداخلى وما شهدته تركيا من أزمات على مستوى الحزب الحاكم من خلال انقسام الحزب وخروج كثير من قياداته وصعود المعارضة والأحزاب الوليدة المنشقة عن الحزب الحاكم بالإضافة إلى التراجع الاقتصادى وتراجع سعر الليرة.. 

وعلى الجانب الخارجى فقد شهدت السياسة التركية انحسارًا في تمددها الإقليمى في كثير من مناطق الصراع في المنطقة العربية، بالإضافة إلى استمرار فرض العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وبجانب ذلك اتجاه هذه الدول لمواجهة السياسة التركية من خلال مسارين، أولهما يتمثل في رفض التطورات الداخلية الخاصة بمصادرة الحقوق والحريات والأمر الثانى يتمثل في مواجهة السياسة الخارجية التركية التى تسببت في تهديد أمن الدول الأوروبية والولايات المتحدة والأحلاف المشتركة بينهم مثل حلف الناتو من خلال اعتمادها على منظومة تسليح روسيا متطورة مثل «إس- ٤٠٠»، وتهديد أمن الدول الأوروبية من خلال ملف اللاجئين أو من خلال التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط أو من خلال تعذية الصراعات في المناطق ذات الصلة بالأمن الإقليمى الأوروبى.


سيناريوهات داخلية
١) من المحتمل أن تتسبب هذه الملفات تجاه تعزيز الزخم للحراك الداخلى من جانب الأحزاب التركية المعارضة أو تلك الوليدة في التأثير على شعبية حزب العدالة والتنمية خاصة وأن كافة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في النسب التى حصل عليها الحزب بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في ١٦ أبريل ٢٠١٧، مرورًا بالانتخابات البلدية في مارس ٢٠١٩، ومن ثم فإن توجهات الأحزاب الجديدة تتجه نحو تغيير المعادلة السياسية الداخلية؛ حيث فقد حزب العدالة والتنمية السيطرة على رئاسة بلديات عدة مدن كبرى، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، حيث تولى مرشحون من حزب الشعب الجمهورى المعارض الرئيسى مسئولية المناطق الحضرية التى تمثل نحو ثلثى الناتج الاقتصادى للبلاد.
ويبدو أن ثمة منافسة ناشئة بين أردوغان ورئيس بلدية إسطنبول الجديد، إكرام إمام أوغلو المنتمى لحزب الشعب الجمهوري، فقد تنازعا علنيًا بشأن المشاريع الضخمة في المدينة وكذلك الاستجابة لفيروس كورونا، من بين قضايا أخرى. وقد فاز إمام أوغلو على أردوغان وآلة حزب العدالة والتنمية مرتين في العام الماضى، الأولى في الانتخابات المحلية في مارس ٢٠١٩، ثم مرة أخرى في إعادة الانتخابات في يونيو، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى مساعدة حزب الشعوب الديمقراطى المؤيد للأكراد.
٢) تُشير التحليلات التى تناولت رسالة داود أوغلو وعلى باباجان الأخيرة إلى صعوبة المستقبل الذى يُمكن أن ينتظر حزب العدالة والتنمية في حال عدم الاكتراث بالرسائل السياسية التى أرسلها الأتراك له عبر الانتخابات البلدية، وتذهب بعض التحليلات إلى احتمالية أن يشهد حزب العدالة والتنمية خروج العديد من أعضائه وذلك على شاكلة خروج حزب العدالة والتنمية نفسه من رحم حزب الرفاه.
٣) شهدت تركيا خلال المرحلة الماضية الكثير من التفاعلات الداخلية على مستوى الأحزاب السياسية، خاصة مع إعلان كل من أحمد داود أوغلو وعلى باباجان اعتزامهما تأسيس حزبين جديدين لمواجهة حزب العدالة والتنمية اللذان كانا من المؤسسين له، ويمثل هذه التحولات بداية للتأثير في الساحة السياسية التركية في الانتخابات المقبلة بسبب التحركات المعلنة وغير المعلنة بين أطراف سياسية فاعلة تسعى للدخول إلى مسار المنافسة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وقياداته.
٤) من خلال توظيف الضغوط الاقتصادية التى تواجهها تركيا بسبب سياستها الإقليمية والدولية، والتى أثرت على سياسة حزب العدالة والتنمية الداخلية والخارجية فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية من خلال الولايات المتحدة والدول الأوروبية أو من خلال تراجع نمو الاقتصاد التركى وزيادة مستوى البطالة وارتفاع نسبة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، يمكن للأحزاب الجديدة أو المعارضة مواجهة السياسات التى ينتهجها حزب العدالة والتنمية خاصة أنها تمثل العامل المهم في زيادة هذه الضغوط.

سناريوهات خارجية 
١) يُعد ملف الأمن من أهم الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة بشكل خاص والدول الغربية بصورة عامة خاصة بعد اقتناء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخية الروسية «إس ٤٠٠»، وهو الأمر الذى تسبب في تهديد المصالح الأمنية داخل حلف شمال الأطلسى، وبسبب ذلك أفرزت التوجهات التركية نحو تعزيز علاقاتها الأمنية مع روسيا ظهرت اتجاهات داخل الحلف حول مدى إمكانية بقاء تركيا داخل الحلف أو استبعادها. 
٢) من جانب آخر فإن الرئيس بايدن يهدف إلى استعادة تحالفات الولايات المتحدة التقليدية وأن يعيد تكريس بلاده للتعاون متعدد الأطراف من خلال العودة إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية التى انسحبت منها واشنطن خلال إدارة ترامب، بالإضافة إلى ذلك فقد وصف بايدن الدول الأوروبية بأنها شريك لا غنى عنه للولايات المتحدة، وأن هذه الفكرة تمثل مبدأً إرشاديًا لإدارة بايدن الجديدة في تعاملها مع هذا الملف من خلال إعادة الاستثمار في التحالفات المتعددة الأطراف. 
وبناء على ذلك فسوف يتجه بايدن نحو تنسيق الجهود الإقليمية والدولية، أو ما يمكن أن نطلق عليه عودة الإطار الجماعى لإدارة الأزمات دون تفرد الولايات المتحدة بتسوية هذه الأزمات بصورة أحادية من خلال التعاون مع الجانب الأوروبى الذى غاب في كثير من الملفات التى تولتها الإدارة الأمريكية الخارجية في فترة ترامب الذى كان شعاره «أمريكا أولًا دونما النظر إلى المصالح الأوروبية أو غيرها من الدول. وضمن السياق ذاته ومع حدوث تقارب بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية فإن هذا الأمر سيقوض مساحة تحرك تركيا التى استغلت التناقضات بين السياستين الأمريكية والأوروبية تجاه الكثير من أزمات المنطقة وهو ما استثمرته تركيا في تعزيز نفوذها، كما يجب على دول الاتحاد الأوروبى العمل بشكل أكثر تماسكًا عبر مجالات السياسة على الساحة الدولية دون أن يعطى الاتحاد الأوروبى الأولوية لاستقلاله عن الولايات المتحدة في الوقت الذى ستكون فيه مساعى إيجاد إستراتيجية موحدة عبر الأطلسى تشمل التجارة والتكنولوجيا والأمن التى تمثل أفضل الاتجاهات لمواجهة التصعيد التركى ضد مصالحهم.
٣) هناك اتجاه مستمر من جانب دول الاتحاد الأوروبى إلى فرض عقوبات على تركيا؛ حيث إن سلوك تركيا في شرق البحر المتوسط وانتهاكات حقوق الإنسان يثير قلق الاتحاد الأوروبى الذى يلوح باللجوء لخيارات ترغم أنقرة على التقيد بالتزاماته. بيد أن تلويح تركيا بورقة المهاجرين يمنعه من اتخاذ أى تدابير، خاصة وأن دول الاتحاد قد أقرت من قبل بعد عملية تركيا العسكرية نبع السلام مجموعة من الأطر القانونية والسياسية لمواجهة السياسة التركية والتى شملت إيقاف كافة صفقات الأسلحة بين الجانبين، وهو ما ساهم في الدفع بدول الاتحاد إلى صياغة دور جديد وآليات مستحدثة لمواجهة استثمار تركيا لملف اللاجئين الذى يمثل ورقة الضغط الكبرى التى تستخدمها أنقرة في تهديد الأمن الإقليمى الأوروبى، ويجب الإشارة هنا إلى وجود خلاف كبير بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبى، فتركيا تقدم دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطنى في ليبيا، ومتهمة بانتهاك حظر الأمم المتحدة على تسليم أسلحة لهذا البلد يمثل امتدادًا لمجموعة من الخلافات الداخلية والإقليمية والدولية.

أولًا: النفوذ الإقليمى التركى
يستند هذا المسار إلى افتراض أن الدور التركى سيشهد صعودًا في المرحلة القادمة في حال تمكنها من الحفاظ على استقرارها الداخلى بمختلف مستوياته، ومن ثم تعزيز توجهاتها الإقليمية، كما يفترض تعزيز تأثير النفوذ الإقليمى لكل من تركيا وإيران؛ بسبب تراجع نفوذ الدول العربية الإقليمى، وتوجيه سياستها لمواجهة التهديدات الداخلية. ويجب الإشارة إلى أن هذا الوضع يمثل امتدادًا للأوضاع العربية قبل اندلاع الثورات العربية؛ حيث تراجع نفوذ الدول العربية، وهو ما أدى إلى زيادة النفوذ التركى.
ولتحقيق هذا السيناريو لا بد من توافر عدة عوامل، من أهمها التنسيق والتعاون بين كل من تركيا والولايات المتحدة في ما يتعلق بركائز سياسة تركيا الإقليمية؛ حيث إن تركيا تُعد من الدول الحليفة للولايات المتحدة وتعتمد عليها في تنفيذ أهدافها في المنطقة، ومن ثمَّ فإن التعاون بينهما يمكن أن يُسهم في تعزيز أنقرة لنفوذها الإقليمى، فضلًا عن استمرار تراجع النفوذ الإقليمى للدول العربية، وضعف النظام الإقليمى العربي.

ثانيًا: تراجع الدور التركي 
يفترض هذا المسار تراجع الدور التركى الإقليمى وفشل استراتيجيتها الإقليمية القائمة على الدمج بين قضايا الداخل والخارج، وتراجع قدرتها على انتهاج سياسة متكاملة، ومن ثمَّ توجيه سياستها إلى التركيز على إصلاح الأزمات الداخلية، وبناء عليه يمكن أن يشهد النفوذ الإقليمى التركى تراجعًا بسبب العديد من المؤشرات؛ من أهمها زيادة مستوى الصراع الداخلى بين حزب العدالة والتنمية ذى التوجه الإسلامي، والأحزاب العلمانية، بالإضافة إلى تصاعد الخلافات الداخلية مع الأكراد، وتفاقم التهديدات الاقتصادية التى ستؤثر على النفوذ الإقليمى التركى.
من بين هذه المؤشرات أيضًا عدم قدرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على إحكام سيطرته على مجريات الأوضاع السياسية الداخلية، وكذلك عدم قدرته على الفوز في الانتخابات؛ وهو ما يمكن أن يؤدى إلى تعزيز الأحزاب المعارضة لمواجهته. وبناءً عليه تراجع قدرة الحزب على تحقيق نفوذه الإقليمي، فضلًا عن تراجع أهمية تركيا بالنسبة إلى الدول الكبرى؛ وبخاصة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على تقديم نفسها كدولة مهمة في إستراتيجية الدول الغربية.
وضمن هذا السياق، فإن هناك الكثير من العوامل الداعمة لهذا السيناريو؛ من أهمها توجهات تركيا الإقليمية تجاه المنطقة العربية، بعد أحداث الثورات العربية في عام ٢٠١١، حيث إن اختلاف السياسة التركية تجاه التعامل مع دول المنطقة أسهم في تراجع صورتها كدولة تؤسس توجهاتها على مبادئ الحرية والمساواة، وذلك بعدما أظهرت ارتباطًا وثيقًا بالجماعات الإسلامية في الدول العربية التى تعتبرها الدول العربية عاملًا لتهديد مصالحها، كما أظهرت عدم حياديتها تجاه قضايا المنطقة، ودعَّمت هذه الجماعات في ليبيا ومصر وسوريا وتونس. بالإضافة إلى العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
ووفق هذا المسار الذى ظهرت بوادره في العديد من أزمات المنطقة ذات الصلة فقد اتجهت الدول الأوروبية إلى محاولة الانخراط بصورة مباشرة في تسوية الأزمات مثل الأزمتين الليبية والسورية اللتان يمثلان مصادر للتهديد ففى الحال السورية فإن الأزمة أفرزت مجموعة من التحديات أبرزهم مشكلة اللاجئين والتى تم الاعتماد فيها على تركيا واتجهت نحو تقديم المساعدات لها للحيلولة دون انتقالهم إلى الجانب الأوروبى ولكن اتجهت أنقرة نحو استثمار هذه الملف للضغط على دول الاتحاد في إطار تحقيق مصالحها، وبالنسبة للأزمة الليبية فهناك تخوفات أوروبية متصاعدة من إمكانية انتقال المرتزقة والجماعات المتطرفة التى ترسلها تركيا إلى الساحة الليبية مما يهدد الأمن الأوروبى من جهة الجنوب، ولعل انخراط الدول الأوروبية في القيام بدور أكثر نشاطًا من ذى قبل ساهم في التأثير على تعاظم هذه المخاطر وإن كانت الدول الأوروبية مستمرة بصورة مرحلية في محاولة التقارب مع تركيا في هذه الملفات.

ثالثًا: محدودية الدور التركي
يرتكز هذا المسار على افتراض أن النفوذ الإقليمى التركى سيكون هامشيًا أو محدودًا؛ بسبب عجز تركيا عن القيام بدور مؤثر في القضايا الإقليمية، ومن ثمَّ القضايا الدولية، وذلك وَفق عدة مؤشرات؛ منها عدم قدرة أنقرة على تحقيق التوازن في علاقاتها الإقليمية والدولية، بسبب ارتباط سياساتها بالجماعات الإسلامية، ومن ثمَّ تصاعد الرفض الإقليمى للنفوذ التركى بصورة تؤثر على نفوذها الإقليمي، وفشل المفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبى في ما يتعلق بفرص انضمام تركيا، ومن ثمَّ سيقف هذا في وجه تعزيز نفوذها الإقليمى في المنطقة العربية.
كما يستند هذا المسار إلى تراجع النفوذ الإقليمى التركى في التأثير على مجريات الأحداث في العراق الذى يعد من أهم الدول في الإستراتيجية الإقليمية التركية، ومن ثمَّ فمن المرجح أن يمثل ذلك انعكاسًا سلبيًا على المصالح التركية، وتراجعًا لنفوذها، فضلًا عن قيام الولايات المتحدة بمواجهة النفوذ الإقليمى لتركيا بعدما كانت تعتمد عليه بصورة كبيرة في حماية مصالحها داخل المنطقة العربية؛ خصوصًا بعدما شهدت علاقاتهما خلافات متصاعدة.