السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

بيرات البيراق.. ظل الرئيس

 بيرات البيراق
بيرات البيراق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت استقالة بيرات البيراق؛ صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من وزارة الخزانة والمالية قبل أيام، جدلاً في أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم المتحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتشدّد، وما إذا كانت ستعكس التراجع في أصوات التحالف الحاكم، أو ستكون فعالة في حل المشكلات الاقتصادية.
فمن هو بيرات البيراق..؟
نشأ بيرات صادق البيراق، الشاب التركي، في عائلة يغلُب عليها الطابع الديني المحافظ ذات ثقل في عالم السياسة؛ فالأب هو صادق البيراق الذي تسلل لعالم السياسة من بوابة الصحافة بعد امتهانها لفترة طويلة من الوقت، قبل أن ينتقل منها ليصير كادرًا سياسيًا فى حزب الرفاه التركي، وعضوًا في البرلمان بين عامي 1991 و1995.
أتاح هذا الحضور للوالد في دهاليز السياسة نسج صداقات مع شباب الحزب آنذاك، وتوطيد علاقته مع شاب يُدعى رجب طيب أردوغان؛ وقد ساعد تشابه ظروفهما السياسية والمادية آنذاك في توطيد الصداقة بينهما؛ لتستمر هذه العلاقة حتى الآن.
لم تكن الصداقة التى جمعت الأب مع الرئيس التركي بمعزل عن نشأة الابن التي تزامنت مع ترقّي صديق والده في سُلّم السلطة حتى أصبح رئيسًا للبلاد. درس بيرات إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، ثم انضم لشركة "تشاليك" القابضة التي تعمل في مجالات الطاقة والبناء وغيرها عام 1999، وبعد ثلاثة أعوام عُين مديرًا ماليًّا في فرع الشركة بالولايات المتحدة، وما لبث أن أصبح مديرًا للفرع.
وحسب تقرير منشور بمجلة «دير شبيجل» الألمانية فقد عمل البيراق خلال منصبه داخل الشركة على تمرير قانون ضرائب صاغه زملاؤه في شركة "تشاليك" القابضة، وساعد الشركة على إدخال أموال كانت قد جنتها من أعمال خارج البلاد دون أن تدفع عليها أي ضرائب تقريبًا، حسب الصحيفة الألمانية.
خلال فترة عمل بيرات في الولايات المتحدة الأمريكية مديرًا تنفيذيًّا لشركة "تشاليك" القابضة، اقترب بيرات أكثر من إسراء أردوغان التى كانت تدرس في جامعة بيركلي في كاليفورنيا، بعد أخذ إذن من والدها للتعرف على بيرات بشكل أكثر؛ ليتوّج هذا التعارف بزواج أسطوري، ويصبح محطة الصعود السياسي الجديد له داخل أروقة السلطة.
بعد زواجهما بدأ بيرات سُلم الصعود للسُلطة سياسيًا عبر شراء صحيفة "صباح" وقناة «A- Habe» المعروفتين حاليًا بتغطيتهما الإيجابية لأخبار الرئيس التركي، لاحقًا انتقل بيرات من أمريكا إلى إسطنبول؛ ليبدأ العمل كادرًا سياسيًّا داخل حزب العدالة والتنمية، ويترشح على قوائمه فى إسطنبول، ويُمارس أدوارًا ومهام دون منصب تنفيذي؛ حتى عينه أردوغان وزيرًا للطاقة عام 2015 في خطوة اعتبرها البعض "محسوبية سياسية"، ولاقت الكثير من الانتقادات.
وسرعان ما تجاوز بيرات صلاحيات منصبه الرسميّة، فانتقل من مُجرد كونه وزيرًا للطاقة إلى الرجل الثاني عمليًّا داخل القصر الرئاسي بعد أردوغان؛ فتجده مُشاركًا في كُل الاجتماعات مع أردوغان، خصوصًا التي تجمعه بالرؤساء الأجانب، ويتحدث مع الرئيس التركي في الأمور العائلية أمام الوزراء، وينتقد سياسين آخرين داخل الحزب، ويعطي تعليمات للوزراء، ويخبرهم كيف يديرون أعمالهم ومن يجب عليهم أن يوظفوا أو يطردوا.
ووفقًا لمعارضين، فإن النفوذ الواسع لبيرات جعل انتقاده من جانب وسائل الإعلام التركية أمرًا يعرّض صاحبه للسجن، كحال الصحافي الألماني دينيس يوسيل الذى يعمل مراسلًا لصحيفة "دي فيلت" الألمانية في تركيا، والذي اتهمته السلطات التركية بأن له صلات بتنظيم إرهابي؛ بعد أن نشر المراسل الألماني تقريرًا إخباريًّا عن زوج ابنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الشاب الذي أنذر أردوغان بالانقلاب
عزّزت علاقة الزواج بين بيرات ونجلة أردوغان – إسراء – التقاربَ بينه وبين الرئيس التركي؛ حتى بات – وفق توصيف البعض – ظِلّه السياسي، وأحد الأوراق التى يثق فيها ثقة مُطلقة من بين رجاله، مانحًا إياه صلاحيات وسلطات تتجاوز نطاق اختصاصه كوزير للطاقة، ليصير أشبه بالرجل الثاني داخل أروقة السلطة.
ليس أدل على هذا التلازم بينهما، والثقة المُطلقة التي نشأت من واقع العمل سويًّا في السنوات السابقة، سوى كون بيرات أوّل من أبلغ الرئيس التركي بمحاولة الانقلاب عليه من قبل ضباط في الجيش ليلة الجمعة 15 يوليو 2016.
لم يقف دور بيرات عند الإبلاغ فقط؛ بل كان الوحيد من بين كافة رجال أردوغان ممن رافقه في تلك الليلة عبر تصميم خطّة لإفشال الانقلاب أثناء وجوده مع أردوغان في أحد فنادق المنتجع التركي مرمرة الصيفي في جنوب غرب تركيا؛ إذ كان وزير الطاقة هو العقل المنفّذ لخطة الرئيس التركي، ومُرشدًا له في كثير من الخطوات، كالاتفاق المُشترك برفض توجه أردوغان لإحدى الجزر اليونانية، حسبما اقترح عليه أحد المسئولين.
ولعب بيرات دورًا فاعلًا في فتح قناة اتصال مع كُل من رئيس جهاز الاستخبارات ورئيس الأركان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، فضلًا عن الاقتراح عليه بإجراء اتصال متلفز مع محطة تلفزيونية؛ وهو الأمر الذى شكّل عاملًا مُساعدًا في محاصرة نفوذ العناصر الانقلابية.
ورسمت تصريحات بيرات بعد فشل المحاولة لعبه دورًا رئيسًا في إعداد قوائم بأسماء الضباط والعناصر الموالية لفتح الله كولن؛ ممن صدر بحقهم قرارات بإحالتهم للمحاكمة، فضلًا عن أدواره اللاحقة في اقتراح شخصيات بديلة لهذه الأسماء، فى دلالات عن حجم الصلاحيات الممنوحة له لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
وعمل بيرات على حث أردوغان على الإسراع في اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا بحق كُل مُشارك في الانقلاب، أو أي مؤيد ومعتنق لأفكار كولن بالحبس والعزل من وظيفته؛ فصهر أردوغان أحد المحسوبين على جناح الصقور داخل القصر الرئاسي، ممن يتبنون تشددًا أكثر نحو كُل مخالف لآراء وسياسات السلطة الحاكمة.
الحضور الواسع والنفوذ الكبير لبيرات ودوره فى تصميم خطّة مع أردوغان لمواجهة الانقلاب جعلته دومًا مثار اتهامات من جانب مُعارضي أردوغان في أي عنف يُمارس بحقهم أو تجاوز للدستور؛ كما حدث حين اتهمته زعيمة حزب "الخير" ميرال أكشينار بأنه اتصل مع المسؤولين في وكالة "الأناضول" الرسمية، وطلب منهم الإعلان عن فوز أردوغان بنسبة 52% عند الساعة التاسعة من ليلة الانتخابات الرئاسية.
وفقًا لتقرير صادر عن مجلة دير شبيجل الألمانية، فإن مَيْل أردوغان نحو السياسات الأكثر صرامة تجاه المعارضين في الداخل والخارج، يقف خلفها صهره بيرات البيراق الذي يعتقد أن اندفاع أردوغان نحو سياسات قمعية لن يجعل الاتحاد الأوروبى يأخذ مواقف تصعيدية تجاهه، وذلك حسب ما يذكر التقرير.
عززّت الوقائع السابقة – بحسب البعض – بالإضافة إلى دوره فى إفشال خطة الانقلاب من نفوذه داخل القصر الحاكم، ليصير الآمر الناهي، ويدفع نحو سياسات أكثر تشدّدًا مع كُل مسئول يخرج عن الخط الرسميّ الذي يحدده له، ويفرض رقابة واسعة على تحركاتهم، كما فعل بحق وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وهو منافس قويّ داخل الحزب لصهر الرئيس، حين أمر بالتنصت على هواتفه، كما ذكرت صحيفة "جمهورييت" التركية.