رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

محمود الحضري يكتب: «شعب واحد».. أمى وخالتى كاميليا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ وعيت على الدنيا في بيتنا في قريتي ميت غراب بمركز السنبلاوين بمحافظ الدقهلية، وجدت خالتي كاميليا مع أمي تساعدها في كل شيء، ليل نهار، في العجين والخبيز، والطهي، ومراعاة مختلف أمور البيت، حيث كنا صغارًا، وعددنا أكبر من طاقة والدتي، وجدتي الحاجة تفيدة، وجدتي الحاجة فاطمة، كبار في السن، بينما جدتي فريدة، أم أبي لم أراها فقد توفيت ونحن صغار.
وظلت خالتي كاميليا هي ظل أمي في البيت، لم تفارقنا، وظلت العون والسند، وأولادها "فايز وفايق، وشكري، وسماسم" هم رفقاؤها في البيت، وتربينا سويًا، لم يقل أحد منا للآخر، أنت مسلم، أو أنت مسيحي، لم يخطر في بالنا هذا التفريق الشيطاني يوما ما، ولم يخلد لذهن أي منا أن نتعامل مختلفين، بل نحن أبناء شارع وبلد واحد.
ونظرًا لقرب سني من شكري، ابن خالتي كاميليا توطدت علاقتنا، لأننا نعيش في بيت واحد، فقد كان يكبرني بثلاث سنوات، وكان من أوائل المدرسة، وأتذكر أن مجموع درجاته كان يمكن أن يلحقه بالثانوي العام، إلا أن الظروف الاجتماعية حالت دون ذلك، فاضطر إلى أن يلتحق بالثانوي الصناعي، قسم كهرباء أو ميكانيكا، على ما أعتقد، لينهي دراسته سريعا ليخفف العبء عن والدته، والتي كانت ترعاه هو وإخوته وأخته الصغيرة في ذلك الوقت، حيث توفى والدهم وهم أطفال.
ربما كان هذا سببًا لهذه الرعاية التي وجدتها من والدتي الحاجة فاطمة لخالتي كاميليا، لكن الأهم هو تلك الحالة الخاصة التي كنا نعيشها جميعا في بيت يكاد يكون واحدًا، فأنا وبعد انتهاء اليوم الدراسي، كنت أتوجه إلى شكري، لنذاكر معا، وكثيرًا ما كان يشرح لي بعض الدروس، فهو أكبر مني سنًا كما قلت.
وأتذكر جلساتنا على الطبلية، وبيننا "لمبة الجاز" رقم ١٠، حيث لم تكن هناك كهرباء بعد، ونواصل المذاكرة، حتى ساعات متأخرة، بعدها يرافقني شكري في العودة لمنزلنا، الذي لا يبعد عن منزل شكري "الصغير" جدا، "عبارة عن غرفة واحدة"، سوى أمتار محدودة.
وطوال الساعات الطويلة أتذكر أننا لم نتحدث يوما ما في الشأن الديني، بل كانت همومًا مشتركة، وقضايانا واحدة، ولم يتحدث معي فائز أو فائق، أو خالتي كاميليا في قضية تفرق بيننا، بل كان البعض يقول أمنا كاميليا، وليست خالتي، في تأكيد على المحبة.
ولم يكن شكري هو آخر المطاف، بل تواصلت الصداقة في مراحلها، مع صديقي ورفيق دربي عزيز فوزي قدس الله روحه، إنها صداقة من نوع خاص، مع صداقات متواصلة، مع عزيز لطفي، ووجيه إسكندر، وغيرهم وغيرهم، صداقات في الحب والحياة والمودة.
وظلت خالتي كاميليا وأمي نموذجين لحالة إنسانية خاصة جدا، لم يفارقهما إلا الرحيل إلى المولي عز وجل، فتواصلت العلاقات والمحبة بينهما في بيتنا إلى آخر مدى، أسمعهما يتكلمان كأختين، الملابس واحدة، الطرحة السوداء غطاء الرأس.
تأتي خالتي كاميليا مساء لتستعير من أمي الطرحة، أو ما شابه ذلك، لأن عندها مناسبة، وعندما تمرض أمي تأتيها وقد تقدم بهما السن لتخدمها في مرضها، إنها المحبة والمودة، التي حاول البعض في حالة من الفوضى والانحراف الديني أن يأخذها إلى موضع آخر، ولكن هيهات... وسلام ورحمة على تلك النفوس الصافية.