الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثنائية الحب والموت فى رواية «الحب فى زمن الكوليرا»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك فى شمال شرق القارة اللاتينية.. فى منطقة الكاريبى وبالقرب من نهر مجْدولينا.. فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين.. وقع فلورينتينو أريثا فى غرام فيرمينا داثا.. وقد شكَّلت قصة غرامهما تلك أحداث رواية "الحب فى زمن الكوليرا".. للكاتب الكولومبى الأشهر غابريال غارسيا ماركيز.
والفكرة الثابتة فى هذه الرواية هى أنها رواية للحب، ولكنها تتناوله من خلال ثنائية تقْرِن فيها بين الحب والموت، (ما يؤلمني فى الموت هو ألا أموت حبًّا).. وقديمًا قال المتنبى: (وعذلت أهل العشق حتى ذقتُه.. فعجبت كيف يموت من لا يعشقُ).
وبمجرد مطالعة عنوان الرواية (الحب في زمن الكوليرا) تبرز ثنائية الحب والموت، هذا الموت الذى يتمثل فى وباء الكوليرا القاتل، ولقد أكَّد المؤلف ذلك حينما وضّح الشبه بين أعراض الحب وأعراض الكوليرا، فعندما رأي فلورينتينو فيرمينا لأول مرة، اكتشفت أمه ذلك قبل أن يخبرها؛ لأنه لم يَعُد يتكلم، وفقد الشهية، وراح يقضى الليالى مسهدًا يتقلب فى الفراش.
ولكنه حينما بدأ ينتظر ردها على أُولى رسائله لها، تلك الرسالة التى عاهدها فيها على حبه الأبدى ووفائه تحت أى ظرف، تضاعف الجزع لديه، وأصيب بآلام فى البطن مصحوبة بقىء، وفقد القدرة على التوجه، وعانى من إغماءات مفاجئة، ففزعت أمه لأن حالته لا تنتمى إلى اضطرابات الحب وإنما إلى اختلاطات الكوليرا.
وعندما رآه الطبيب فزع لأول وهلة من حالته؛ فنبضه كان ضعيفًا وتنفسه رمليًّا وعرقه شاحبًا، وكأنه يحتضر، ولما تبين للطبيب بعد الفحص عدم وجود حمى ولا آلام في أي موضع، تأكد من أن أعراض الحب هى نفسها أعراض الكوليرا، واقترح الطبيب عليه تغيير الجو لعله يجد فى البعد عزاء، لكن فلورينتينو كان يريد عكس ذلك، كان يريد الاستمتاع بعذابه.
تحكى الرواية قصة حب شاب وفتاة منذ المراهقة وحتى بعد بلوغهما سن السبعين؛ فقد تعاهد عامل تلغراف وتلميذة رائعة الجمال على الزواج، وعلى تبادل الحب مدى الحياة، وظلا طيلة ثلاث سنوات على هذا الوضع، لم تكن حياتهما إلا الواحد من أجل الآخر.
ولأن فلورينتينو كان شابًّا فقيرًا فقد رفض والد فيرمينا زواجها منه، ولكنها تمسكت به، فأخذها أبوها إلى بلدة أخرى حيث أقاربها وأقام بها هناك فترة طويلة، وحينما عادت ورأت فلورينتينو ثانية لم تشعر بهيجان الحب، وأدركت فجأة أنه ليس الإنسان الذى يستحق حبها، وقالت له: أرجوك انسَ كل شىء.. 
ثم تزوجت فيرمينا من الطبيب خوفينال أوربينيو، الذى كان يفيض شبابًا وشهرة، أما العاشق المهزوم فلورينتينو فلم ينسَ حبيبته، بل عاش يكابد وخز ألمه المستمر، وظل يجاهد من أجل أن يكوِّن ثروة ويجعل له اسمًا ذائع الصِّيت، كي يكون جديرًا بها بعدما يموت غريمه، وهنا تبرز ثنائية الحب والموت من جديد، فلم يستطع فلورينتينو أن يغالب خفايا نفسه ورغبته فى أن يموت الرجل الذى سرق حب حياته.
عاش فلورينتينو على أمل أن يموت خوفينال فى أى وقت ولأى سبب، فربما يموت بسبب وباء الكوليرا الفاتك، فيتمكن حينئذ أن يتزوج من فيرمينا، ولكن يبدو أنه سينتظر كثيرًا، فقد كان غريمه يمتلك من الأسباب ما يؤهله للعيش طويلًا، يمتلك الشباب والثروة والصحة، فضلًا عن كونه أفضل أطباء عصره معرفة بمرض الكوليرا وطرق علاجه والوقاية منه، وهذا أمر يزيد صراع الموت والحب اشتعالًا.
وللمقال بقية فى العدد القادم..