السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

من المؤمنين رجال يقولون: إذا حانت ساعة موتنا فساحات القتال أولى بنا

الشهداء
الشهداء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيراً ما تعجز كل مفردات اللغة عن التعبير عما يخالج نفوسنا من مشاعر حزن عميقة تمتزج بفخر واعتزاز بنماذج مشرفة مثل أبطال القوات المسلحة المصرية .. أولئك الذين يؤسرون الاستشهاد على الموت ولا يبخلون ببذل دمائهم وأرواحهم فداء لكل حبة رمل من تراب هذا الوطن المفدى أرض الكنانة مصر .
فمنذ ساعات أعلن المتحدث العسكري استشهاد 10 من هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم في شهر الصوم المعظم .. اثر قيام عناصر الغدر والخيانة والإرهاب الخسيس بتفجير عبوة ناسفة في القوة بمدينة بئر العبد بشمال سيناء .
ووسط مشاعر الألم الرهيبة التي انتابت كل من عرف هذا النبأ الحزين .. تملكتني حالة من الدهشة حول الطبيعة الإنسانية لهؤلاء الفدائيين الذين يرفعون شعار : إذا حانت ساعة موتنا فساحات القتال أجدر بنا ، فمن العار أن تصعد أرواحهم وهم على فراش الترف والراحة .. وكيف لا وهم خير أجناد الأرض .
وكان السؤال الذي يلح على ذهني دوماً وأحاول البحث له عن إجابة .. ما سر هذه القوة الهائلة والطاقة غير المحدودة في نفوس هؤلاء الفدائيين الأبطال الذين غيروا بل قلبوا جميع نظريات علم النفس والاجتماع التي طالما كانت تجزم أن الحرص على الحياة هي أقوى محفزات السلوك الإنساني الذي يحكم جميع تصرفات البشر في كل المواقف .. فإذا بنا أمام نموذج فريد من الرجال الذين يسعون إلى الاستشهاد وتقديم الروح والدم فداء لتراب الوطن وزوداً عن أهاليهم الذين وضعوا في أعناقهم أمانة الدفاع عن كل شبر في مصر .
فبقراءة بسيطة عن ملاحم هؤلاء الأشراف الذين يستحبون الموت في سبيل الله ومصر على الحياة في رغد العيش .. ويتركون أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم وأخوانهم ويزهدون في كل متاع الحياة ويقدمون حياتهم فداءً وتضحية لهذا البلد الأمين .. نعم ، بقراءة عابرة لهذه القصص البطولية التي يعجز خيال أي كاتب عن تأليف مثلها ستجد أنك أمام طائفة مختلفة من البشر .

(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) .. طالما كنت أتمعن في التفسير العظيم لهذه الآية الكريمة .. لكن الحقيقة أن أكثر ما كان يثير شهيتي لتعميق التفكير كلمات المولى عز وجل : "ومنهم من ينتظر" .. إلى أن جمعني لقاء مع أحد كبار قادة القوات المسلحة المصرية الباسلة فحكى لي موقفاً لا بد أن نقف أمامه كثيراً .
فخلال إحدى جولاته في مهمة عمل بمعسكر في شمال سيناء دار حوار لا ينسى بين القائد وأحد الجنود .. حيث سأل القائد المجند عن أحواله وبلدته فعرف أنه من احدى محافظات الوجه البحري وتحديداً الغربية
فقال القائد للمجند : جاوبني بصراحة تحب تتنقل وترجع تقضي باقي مدة خدمت في محافظتك قرب أهلك وناسك .. وكان الرد البطولي عبارة عن سؤال أيضاً من الجندي وبدون تفكير أو تردد : "يا فندم أرجع لأهلي واسيب الكفار ييجوا ياكلونا هناك .. ولا أكمل رسالتي اللي ربنا أكرمني بيها وأحارب الإرهابيين لحماية أولادي وعيلتي اللي عايشين في بلدنا .. وأرف المقاتل البطل قائلاً : يا قائد انا شوفتهم بعيني ومش هسيب الكتيبة ولا هارجع لأهلي غير لما أطهر وأخلص البلد من الاشكال دي .
وهنا حبست أنفاسي وتوجهت كل حواسي لاستشعار الحالة المدهشة التي تتجسد في هؤلاء الجنود .. وأي روح فداء تلك التي تجعل أحد المقاتلين يتنازل عن ترك ساحة القتال بكل ما تحمله من خطر على حياته وهو يعلم تماماً أنه لو تمنى على قائده لأوفى بوعده ونقله لمحافظته مسقط رأسه .
فعلى عكس جميع نظريات علم النفس والاجتماع ودوافع السلوك .. يقدم هؤلاء الجنود نموذجاً فريداً من التضحية والإيثار والحرص على الاستشهاد في سبيل الله والدفاع عن كل حبة تراب مصرية .. فهناك على أرض المعركة لا مجال للإحباط الذي تحول بثه جماعات الظلام والتنظيمات الإرهابية .. ومعنويات المقاتلين مرتفعة إلى عنان السماء .
فكلمات المجند على بساطتها وتلقائيتها وخروجها بدون تكلف أنما تحمل طاقة إيجابية غير محدودة .. فهي تبث الأمل وتزرع البطولة وتدحض جميع دعاوى أنصار تصدير البؤس واليأس والطاقة السلبية في نفوس المصريين .. وهي تعطي أروع الدروس للمتخاذلين وهواة دفن الرؤوس في الرمال .. فلعله أجاب بكل حسم على مسألة جدلية مفادها : ما قيمة أن أعيش وسط أهلي في وطن يحيط به الخطر ولا أقوم بدور إيجابي لمواجهته .
ومن بين أروع المشاهد التي تستوجب الانحناء أمامها إجلالاً هؤلاء الجنود الأبطال الذين انتهت مدة خدمتهم في القوات المسلحة إلا أنهم رفضوا مغادرة أماكنهم أو مفارقة أقرانهم إلا بعد الثأر لأرواح الشهداء والعودة بالنصر .. وكان ذلك وعداً حقاً من الله جل وعلى .