السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

داعية بالأوقاف: أكثر وصايا النبي الصحية مركّزة حول الطب الوقائي

أسامة فخري الجندي
أسامة فخري الجندي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الدكتور أسامة فخري الجندي من علماء وزارة الأوقاف، إن من مقاصد ومبادئ الشرع الشريف: (حفظ النفس) والعمل على صيانتها من كل ما يؤذيها في الدنيا والآخرة، مضيفا أنه لا شك من أن حفظ النفس إنما يتحقق بجلب ما ينفعها ويُقيم توازنها ويُحقق استقرارَها ويضمن السلامةَ لها، وأما ما هو دون ذلك مما يُسَبّبُ أيَّ خللٍ أو عطبٍ أو إفسادٍ لها فهو منهيٌّ عنه، وقد قال الله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }، وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وتابع في تصريحات خاصة لـ البوابة نيوز: ثبت في النصوص المشرفة (القرآن والسنة) أن حِفظَ النفس أصلٌ أصيل في الشريعة، وحيث إن ما نعيشه الآن من انتشار فيروس كورونا، والذي أصبح وباءً عالميًّا، قد ثبتت أضرارُه من خلال جهة الاختصاص والتي تؤدي إلى موت الإنسان المُصاب به، فإن هذا سببٌ رئيس يُترخَصُ به في اتخاذ كل الأسباب الممكنة من أجل الحفاظ على النفس.
وأشار إلى أنه قد ثبت شرعًا أن المطرَ الشديدَ والوحلَ الذي قد يؤدي إلى إيذاء الإنسان في طريقِه هو رخصةٌ تمنع من حضور الجماعة في المساجد ؛ حيث جاء في الصحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم)، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: (أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة -أي: واجبة-، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدَّحض -أى: والزلل والزلق)، فإذا ثبت ذلك المنع لِعِلّةِ الوَحْل والطِّين والمَطَر؛ حفاظًا على الإنسان من عدم إيذائه في طريقه، فمن باب أولى يثبت اتخاذ الأسباب الإجرائية والوقائية التي يعلنها أهل الاختصاص للمحافظة على النفس مما ثبت أنه يؤدي إلى الهلاك والموت.
وأضاف: أن قد ثبت شرعًا أن المرضَ أو الخوفَ على النفسِ والأهلِ من أسباب ترك الجماعة في المساجد، قد جاء عن النبي: (مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْر)، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: (خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى). وحيث إنه قد تحقق تأثير هذا المرض (الكورونا) الواسع، وانتشاره القوي، والذي إذا أصيب به إنسان فإنه ينقله إلى سائر مَنْ يتعامل معهم، وعلى رأسهم أهلُه وأولادُه وجيرانُه وزملاؤه... الخ، وقد ثبت أيضًا الخوف الشديد من هذا المرض؛ حيث إنه ينتقل عن طريق الرذاذ وملامسة الأسطح المختلفة التي لامسها المُصاب، فإنه من باب أولى أن يلزم الإنسان بيته؛ حفظًا لحياتِه وحياةِ مَنْ يَعُول ومَنْ يتعاملُ معهم؛ حتى لا يكون أداةً ووسيلةً لنقل المرضِ إلى غيره إِنْ أُصيب به – لا قدّر الله -.
وشدد: أنه ما زال لم يصِل أهلُ الاختصاص حتى الآن إلى الدواء الطبي الناجح لهذا المرض، فيكون عدمُ توافر الدواء الطبي سببًا رئيسًا في الابتعاد عن مواطن انتشار الداء أو توقع حصوله، حيث الأماكن التي يكون فيها تجمعات قد تُسبب هذا المرضَ. 
وأوضح أن عناية الرسولِ (صلى الله عليه وسلم) بالصحة لم تكن أقلَّ من عنايته بالعلم، وإذا كانت أصولُ الطب التي وصل إليها الإنسان بتجاربه تدور حول حفظ القوة وعدم مضاعفة المرض، والحماية من المؤذيات وكلِّ ما يصيب الإنسان بالألم، فإنا نجد هذه الإشارات الدقيقة والعميقة للنبي في كثير من الجزئيات والأمثلة التي تمثل هذه الأصولَ الطبية. ومن هنا وجدنا من فقه النبوة هذا الإجراء الوقائي الذي يهتم بحفظِ صحة الإنسان وحمايته ووقايته من الوقوع في المرض ؛ وذلك لأن الأهم من علاج المرض نفسه هو الوقاية منه، وكأنه (صلى الله عليه وسلم) يعطينا درسًا عظيمًا في فقه الأولويات، الذي يقضي بتقديم الأهم على المهم، والمهم على غير المهم، وأن يُقَدِّمَ ما مِنْ حقه التقديم، وأن يؤخر ما من حقه أن يؤخر. 
وقد جاءت أحاديث ونماذج كثيرة مروية عن رسول الله في علم الصحة، ولا سيما فيما يتعلق بـ " الطب الوقائي " الذي يشكل جزءًا مهما من علم الطب، لذا فقد اهتم رسول الله به وجعل أكثر وصاياه الطبية مركّزة حول الطب الوقائي. 
وعلى سبيل المثال: فقد كان مرض الطاعون منتشرًا في عهد الرسول )صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن باستطاعة أحد أن يقف أمام هذا المرض القاتل. إلا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا على حذر من هذا المرض؛ لأن الرسول )صلى الله عليه وسلم) كان ينبههم إليه ويحذرهم منه، فجاءت الإرشادات النبوية الواضحة في العلاج والوقاية والأمر بالتداوي والتحذير من العدوى، وكان الأمر بعزل المرضى عن الأصحاء، فقد جاء أَنَّ النَّبِيَّ )صلى الله عليه وسلم) قَالَ فِي الطَّاعُونِ: "إِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا فَلا تَدْخُلُوهَا"، ويشير الحديث إلى وقت حضانة المرض المعروف في لسان الأطباء.
فكان الصحابة (رضي الله عنهم) يعيشون بحِرَفيَّةٍ عالية، يحفظون أنفسهم وحياتهم وفق أعلى معايير الوقاية التي جاءت على لسان رسول الله )صلى الله عليه وسلم)؛ بما يضمن لهم الحياة النظيفة الطاهرة. ومن النماذج على ذلك: مرض الجذام والحجر الصحي: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): "فِرّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ ". والفرار الوارد هنا ليس بمعناه الحَرفي، وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم) الوصاية لأمته بمكافحة هذا المرض، والبحث عن طرق الوقاية منه، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع سريانه وانتشاره، وهذا هو ما يسمى في عصرنا الحاضر بـ: "الحَجْر الصحي".
وأكد الداعية والأوقاف أن التدابير والإجراءت الوقائية والاحترازية يدخل تحت الأخذ بالأسباب وحسن التوكل على الله، وهو في ذاته عبادة وطاعة لله (عز وجل)، وهو غرض صحيح وحاجة مؤقتة لدرء المفاسد.
ودفع الأمراض، وقد قال تعالى: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ).
وبين: الابتلاء هو سنة من سنن الله في خلقه، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، إلا أن هناك من يضيق مفهوم الابتلاء فيجعله في جانب الشر وفقط، وهذا غير صحيح، فالابتلاء ما هو إلا اختبار، أي أنه حيادي، والمطلوب عند الاختبار أن يقوم الإنسان بتهيئة نفسه وإعدادها للاختبار، فإن فعل ذلك ترتب عليه النجاح، فكان الابتلاء بالنسبة له خيرًا، وأما إن لم يفعل ذلك فلم يعد نفسه ويهيئها للاختبار، ترتب على ذلك الرسوب، ومن ثم أصبح الابتلاء بالنسبة له شرًّا.
ومعنى هذا أن الإنسان هو الذي يجعل الابتلاء خيرا أو شرا ؛ لأن الابتلاء ليس خيرا في ذاته ولا شرا في ذاته، بل هو مقياس اختبار الخير والشر، وبناء على ذلك: فالابتلاء يكون في النعمة ويكون في النقمة.