الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أردوغان مجرم هذا العصر.. يستغل الأقليات التركية في مخطط الخلافة المشبوه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

توظيف شعارات الإسلام السياسى للترويج لكونفيدرالية إسلامية عاصمتها إسطنبول

أصبحت الشهية التوسعية العثمانية لتركيا، مفتوحة، فأحلام استعادة أملاك الدولة العثمانية، تدفع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إلى العدوان على دول الجوار.. بدأت الاعتداءات التركية فى العراق وسوريا، ومن الواضح أنها لن تنتهى فى ليبيا، نظام أردوغان يسخر كل طاقاته لإلغاء معاهدة سيفر 1920، وتسمى أيضا معاهدة الصلح التى قبلت بها الدولة العثمانية فى 10 أغسطس 1920 عقب الحرب العالمية، وهى واحدة من المعاهدات التى وقعتها بعد هزيمتها على يد دول الحلفاء، وكانت بمثابة انتهاء الهيمنة العثمانية على الأراضى التى كانت قد احتلتها سابقا، حيث وقعت أسطنبول على بنود هذه المعاهدة مجبرة دون خيار المناقشة، وبموجبها استولت روسيا على القسطنطينية وتركيا الأوروبية وجزر بحر إيجة وجزر بحر مرمرة والساحل الآسيوى من البوسفور، ووضعت بريطانيا عينيها على العراق وساحل فلسطين مدينة حيفا وعكا وتطلعت فرنسا إلى لبنان، أما إيطاليا فقد كانت تطمع فى الاستيلاء على جزر الدوديكانيز فى بحر إيجة، ومساحة من جنوب غربى آسيا الصغرى من أضاليا إلى أزمير، وقد رأى الحلفاء إنهاء المناقشة بعقد المعاهدة، والتى لم تترك للدولة العثمانية سوى منطقة جبلية صغيرة فى الأناضول حول أنقرة وركن صغير من الأرض الأوروبية خلف القسطنطينية.


عقب ثورات الربيع العربى بدأت الأحلام الدموية، تداعب مخيلة الرئيس التركى بقيام الخلافة العثمانية من جديد، مرتكزا فى ذلك على تواجد جماعة الإخوان وميليشياتها الإرهابية المنتشرة فى الدول العربية، والدليل على ذلك تحركات أردوغان الأخيرة والمثيرة للريبة لدعم الجماعات الإرهابية فى دول المنطقة، وترميمه للمتحف العثمانى بمدينة سواكن السودانية، وإنشاء قاعدة بحرية بأموال قطرية، ثم زيارته تونس، ومحاولة التدخل العسكرى فى ليبيا، ما هى إلا محاولات من أجل التمكين لجماعة الإخوان فى هذه الدول أملاً فى مبايعته خليفة للمسلمين.

ويسعى أردوغان من خلال هذا المخطط المشبوه إلى محاصرة مصر بالجماعات الإرهابية من كل الاتجاهات، والقواعد العسكرية التركية التى يحاول إنشاءها فى المنطقة.


الخلافة ومعاهدة لوزان

الرئيس التركى مسكون بفكرة استعادة أملاك الدولة العثمانية، وإلغاء معاهدة لوزان التى أنهت ما كان يطلق عليه رجل أوروبا المريض، وهذا ما كشفه عدنان تانوردي، المستشار العسكرى الأول للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ومالك شركة «سادات» للقوات شبه العسكرية، خلال مقابلة أجراها معه «تليفزيون العقيدة AKIT» التركى الحكومى أن منظمته الممولة والمدعومة بالكامل من الحكومة التركية، تعمل على تمهيد الطريق أمام ظهور المهدى المنتظر من أجل إعلان خلافة الرئيس التركي، بحلول عام ٢٠٢٣، مطالبا الدول الإسلامية بأن تنتج أسلحتها الدفاعية فيما بينها، وأن الصناعة العسكرية التركية يمكنها توفير ما هو مطلوب.

وتنفيذا لهذا المخطط أعد معهد البحوث الاستراتيجية لأنصار العدالة أسّام، الذى يُعتبر العقل التنظيمى لمشروع أردوغان فى توظيف شعارات الإسلام السياسى وتشكيلات الإخوان للترويج لكونفيدرالية إسلامية يرأسها خليفة مقره إسطنبول، دستور لدولة كونفيدرالية إسلامية عاصمتها إسطنبول ولغتها الرسمية هى العربية، ويحتوى على بند خاص عن رئيس الدولة الكونفيدرالية الذى هو الحقيقة الخليفة المزعوم.

وتُظهر قائمة الدول التى تحلم القيادة التركية بأن تكون كونيفدرالية الخلافة التى يؤمها أردوغان، ٦١ دولة بينها ١٢ دولة من الشرق الأوسط هى (كما جاءت فى متن الدستور) البحرين والإمارات وفلسطين والعراق وقطر والكويت ولبنان وسوريا والسعودية وعُمان والأردن واليمن، ومن دول شمال أفريقيا تضم القائمة الجزائر وتشاد والمغرب وليبيا ومصر وتونس.

وسعيًا لتحقيق الحلم اتخذ أردوغان عددًا من الخطوات، من خلالها كشف عن مخططه لإحياء الدولة العثمانية، البداية عندما شيد قصره الأبيض، والذى أطلق عليه قصر السلطان، بتكلفة بلغت أكثر من ٦٠٠ مليون دولار، وبلغت مساحة هذا القصر نحو ٢٠٠ ألف متر، على طراز قصور الملوك العثمانيين فى تلك الفترة، كما قرر تدريس اللغة العثمانية فى المدارس، وفى المراحل الثانوية، حيث قال، إن تلك اللغة يجب تدريسها، كما أعاد عزف النشيد العثماني، فى القصر الجمهورى بدلًا من النشيد التركي، وذلك لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية، خلال استقبال رئيس أذربيجان.

كما وافقت لجنة الشئون الدستورية بالبرلمان التركى على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية هو ذاته شعار الدولة العثمانية المعروف.

وينص مشروع القانون الجديد الذى اقترحه نواب من حزب العدالة والتنمية على عودة شعار الدولة العثمانية مرة أخرى بعد أن ألغى عام ١٩٢٢ بسقوط الخلافة العثمانية فى ذلك الوقت.

الواهم باستعادة أملاك رجل أوروبا المريض، يعتقد أن المجتمع الدولى سيسمح له بعودة الأراضى التى كانت مملوكة للدولة العثمانية من قبل، والتى تحررت وفقًا لاتفاقية لوزان ١٩٢٢، بعد مرور ١٠٠ عام على هذا الأمر، ناسيا أن هناك الآن حدودًا معترفًا بها بين الدول ومسجلة بالفعل فى الأمم المتحدة.


التدخل فى ليبيا

استغل أردوغان الأصول التركية لحكومة الوفاق التى يرأسها فايز السراج، فى عقد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، إذ تمثل حصان طراودة لتمكين المحتل التركى من الأراضى الليبية، وذلك يرجع إلى هيمنة المجموعة الإثنية التى تعرف بـ«أتراك ليبيا»، على الحياة السياسية فى البلاد، فالكثير من عناصر «حكومة الوفاق» وقادة الميليشيات المتحالفة معها ينتمون إلى هذه المجموعة الإثنية، ومن أبرزهم رئيس هذه الحكومة المزعومة فائز السراج، ووزير داخليتها فتحى باشا أغا، وصلاح بادى قائد ما يسمى «لواء الصمود»، الجناح الأكبر والأقوى ضمن كتائب مصراته، ومختار الجحاوى قائد ما يسمى بـ«طقوة مكافحة الإرهاب»، وهى إحدى ميليشيات مصراتة، والسلفى عبد الرءوف كاره، قائد قوة الردع ذات التوجهات السلفية الجهادية والتابعة لوزارة داخلية الوفاق، والإخوانى محمد صوان قائد حزب العدالة والبناء الذراع السياسى للإخوان المسلمين فى ليبيا؛ لذا ليس من الغريب أن توقع حكومة الوفاق مع تركيا مذكرتى تفاهم إحداهما للتعاون العسكرى والأخرى لترسيم الحدود البحرية فى شرق البحر المتوسط، قبل أن تطلب صراحة من تركيا التدخل العسكرى فى الأراضى الليبية.

«أتراك ليبيا» الذين يبلغ عددهم نحو ٥٪ من إجمالى سكان البلاد، ويعود أصلهم إلى العهد العثمانى الذى دام ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف بين عامى ١٥٥١ و١٩١٢، وفى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين تدفق نحو ١٢٠ ألف عامل تركى إلى ليبيا.،

منحا أردوغان مخلب قط ليكرر سياسته التى فعلها فى سوريا والعراق بحجة حماية الأقليات ذات الأصول التركية، وهذا ما عبر عنه صراحة مدعيًّا أن مليون ليبى من أصول تركية يستحقون دعمه والتدخل لنجدتهم، إذ تسعى تركيا من خلال تدخلها فى ليبيا إلى الاستفادة من عدة امتيازات، بداية من النفط والغاز، وصفقات إعادة الإعمار التى تقدر بنحو ١٨ مليار دولار، والتى كانت ضمن صفقة بين القذافى وأردوغان، وكانت أحد الأسباب الرئيسية لتأخر تأييد تركيا للثورة الليبية.


النهضة حصان طروادة فى تونس

منذ الإطاحة بالرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على، وأردوغان يسعى للتوغل فى تونس مستغلا صعود حزب النهضة الإخواني، برئاسة راشد الغنوشي، أمست حركة النهضة التى حكمت البلاد فى الفترة من نوفمبر ٢٠١١ حتى ديسمبر ٢٠١٤، بمنزلة مسمار جحا، استطاع من خلاله الأتراك غزو تونس من باب الاقتصاد، بذريعة مساعدتها اقتصاديا، بل استطاع الأتراك تحويل إخوان تونس لحفنة من المرتزقة، يحرسون الاستثمارات التركية فى الدولة العربية الصغيرة، ويقفون ضد أى قانون أو مشروع يقلل من مكاسب الأتراك داخل البرلمان، ويدافعون ويؤيدون أى قرار يسهم فى زيادة نفوذ الأتراك.

كما حاول أردوغان التغلغل عسكريًا فى تونس، خلال المرحلة الانتقالية التى أعقبت الثورة، وتحديدًا فى أبريل ٢٠١٢، بعد التصديق على اتفاقية للتعاون الأمنى فى أنقرة، وفى يونيو ٢٠١٣ صادقت تونس على بروتوكول تعاون فى مجال التدريب الشرطي، وفى أكتوبر من نفس العام وقعت الدولتان اتفاقية للتعاون الأمني، تلاه فى أبريل ٢٠١٤ إبرام بروتوكول اتفاق فى المجال الأمني، جرى توقيعه فى أنقرة.

كما كان يستقطب مجموعات كبيرة من الشبان التونسيين، لتجنيدهم فى تنظيم «داعش»، ومن ثم إرسالهم إلى أتون الحرب الأهلية فى سورية، فى محاولة لإزاحة النظام السوري، وسحق الوجود الكردى فى شمال البلد العربي.

وصل التغلغل العسكرى التركى فى تونس إلى ذروته، عام ٢٠١٥ بصفقة لبيع ١٠٠ عربة مصفحة من طراز «كيربي»، المضادة للألغام، إلى القوات المسلحة التونسية، وبذلك أصبح الجيش التونسى أول زبائن العربة المصفحة، خارج حدود تركيا.

وفى ديسمبر ٢٠١٧ زار الرئيس أردوغان تونس، ووقع وزير دفاعه وقتها، نور الدين جانيكلي، اتفاقية للتعاون العسكرى مع نظيره التونسي، عبدالكريم الزبيدي، فى قصر الرئاسة بقرطاج، وشملت بروتوكولًا فى ميدان التدريب العسكري.

هذه السياسات الخبيثة صاحبها رفض شعبى ضد محاولات التغلغل التركي، وأكبر دليل على ذلك رفض رئاسة الجمهورية التونسية بشكل قاطع، السماح للجيش التركى بإجراء عمليات إنزال عبر الحدود التونسية الليبية.

ويؤكد التدخل التركى السافر فى شمال أفريقيا، أن أردوغان لا يتعلم من أخطائه، فقد سبق أن اتفقت تركيا مع الرئيس السودانى السابق عمر البشير، على إنشاء قاعدة عسكرية تركية فى جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر، ودعمت الخرطوم موقف قطر وتركيا فى الحرب الأهلية الليبية، ولكن باعتقال البشير، الذى جرت الإطاحة به من منصبه فى رئاسة البلاد فى أعقاب مظاهرات حاشدة اجتاحت الشوارع السودانية، فإن كل تلك الاتفاقيات صارت معلقة، وكأنها لم تكن من الأساس.

الأمر ذاته تكرر فى سوريا؛ إذ إن عدوان أردوغان على الأراضى السورية عاد عليه بالعديد من المشكلات والإخفاقات، فلم ينجح فى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وحكمه، وتنصيب أحد حلفائه مكانه فى قصر الرئاسة فى دمشق، رغم الدور المشبوه الذى لعبته تركيا سواء سياسيًّا وعسكريًّا واستخباراتيًا فى تدمير سوريا وقتل الشعب السوري، إذا حاولت هى وحلفاؤها تقسيم البلاد على أساس طائفى وإضعاف جيشها، من خلال دعم الجماعات الإرهابية، ومرتزقة الجيش السورى الحر، ولكن انقلب السحر على الساحر بانهيار الاقتصاد التركي، وتراجعت الليرة بشكل كبير، فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم.


محاصرة القاهرة

تحركات الرئيس التركي، من خلال الاستيلاء على مناطق نفوذ فى شتى الدول العربية، تهدف فى أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها، سواء من جهة السودان وفلسطين، أو من دول شمال أفريقيا وذلك فى محاولة بائسة لحصار مصر، من خلال الاقتراب من حدودها، انتقاما منها على تصديها لخطط جماعة الإخوان الخبيثة، وخاصةً أن التاريخ شاهد على صراع الدولة العثمانية مع الجيش المصري، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وقف حجر عثرة أمام مخطط تركيا لبسط نفوذها فى الشرق الأوسط، ومشروعها الإقليمى للاستحواذ على المناطق الاقتصادية شرق البحر المتوسط، خاصة بعد أن أظهرت أعمال التنقيب فى منطقة شرق المتوسط، خلال السنوات الماضية، العثور على احتياطات ضخمة للغاز، بينها حقل ظهر المصري.

يشار إلى أن تركيا حاولت عقد اتفاقية تحفظ لها التوازن فى شرق المتوسط مع الرئيس المعزول محمد مرسى المحسوب على جماعة «الإخوان»، لكن إزاحته من كرسى رئاسة مصر، وإنهاء حكم «الإخوان» ذهب بآمال تركيا أدراج الرياح؛ ما دفعها لتصعيد إجراءاتها العدائية؛ بهدف إسقاط النظام المصري، أو على الأقل إيقاف مشاريعه، إضافةً إلى إفشال مخطط إعادة الخلافة العثمانية الذى يلهث وراءه أردوغان.


تمويل الخلافة المزعومة

ولتمويل مخطط الخلافة المزعومة فى الشمال الأفريقى برزت على السطح طموحات العثمانية الجديدة فى السيطرة على النفط الليبى والرهان على دور أكبر للشركات التركية، والأهم السياسة الهجومية لتثبيت وضعٍ متقدمٍ لتركيا فى المياه الإقليمية لليبيا، فاحتلالها شمال قبرص، لم يمنحها ما تريده من ثروات المتوسط، الذى يعد مطمعا كبيرا لدول المنطقة برمتها لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعى يقدر بأكثر من ١٠٠ تريليون متر مكعب، أنقرة تريد إذا أن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات.

ثروات الطاقة والدور، شكلا المحرك الخطير لتركيا فى المنطقة فبدأت أنقرة استخدام القوة العاتية وجندت مرتزقة سوريين لزجهم فى الحرب على الشعب الليبي، وكانت البداية إرسال مئات من المرتزقة التركمان، ويتتابع وصول فصائل من المجموعات الإرهابية المتطرفة التى تحمل أسماء مثل «السلطان مراد» و«سليمان باشا» و«المعتصم»، وهى تابعة كلها للمخابرات التركية، فتركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويا، وليس لديها موارد كافية، وتستورد ما قيمته ٥٠ مليار دولار فى العام الواحد، ورغم عمليات التنقيب التى تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط.

وهو ما دفعها فى وقت سابق من هذا العام خلال شهر يوليو الماضى إلى إرسال سفن للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، وهو ما اعتبرته نيقوسيا استفزازًا وتحركًا غير قانوني.