الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا الجديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الدولة الفيدرالية العملاقة المكونة من خمسين ولاية إضافة إلى منطقة العاصمة الاتحادية. القوة السياسية والعسكرية الأولى في العالم، القطب الوحيد بعد غياب القطب المنافس لها (الاتحاد السوفيتي) مع نهاية عصر الحرب الباردة. هذه الدولة أطلقت في بداية ثلاثينيات القرن الماضى «الحلم الأمريكي» الذى أعرب عنه جيمس تراسلو آدامز عام 1931م بأنه «قدرة الأمريكيين على تحقيق حياة أفضل وأكثر ثراء وسعادة». رحل إليها الكثيرون لتزيد أمريكا من نفوذ الأغلبية ومعاناة الأقليات ومن التمييز العرقي. 
إن هذه الدولة التى تفرض شروطها على العالم بصوت مرتفع وتصرفات حادة جعلت الكثير من رجال السياسة والاستراتيجيات يرون أنها ترسم حدود الدول وتغير من مواطن القوى في العالم، إلا أن كل ذلك مرتبط أساسًا بوجود الدولة الأمريكية. 
إن وجود هذه الدولة يشبه وجود شركة استثمارية كبيرة. تحتاج للوقود ورأسمال باستمرار حتى يمكنها البقاء حية، وتحتاج لزيادة هذا الوقود وهذا الرأسمال حتى تزداد قوة وحياة، حاول الكثير من رؤساء هذا الكيان السياسى الضخم أن يحولوا من هذه الرؤية. راقب العالم جيمى كارتر وريتشارد نيكسون وهما ينشران رؤية الرجل المتدين للسلام في كلماتهما وتحركاتهما. ورأينا جورج بوش الابن وهو يتصرف كمأمور لتنفيذ مشيئة الرب. وكذلك مرت بنا مقولة هنرى كيسنجر «على أمريكا أن تصحح العدالة الإلهية التى وضعت النفط والغاز بعيدًا عن مواطن الصناعة» في حديثه مع صحيفة ديلى سكيب الذى تحدث فيه عن ضرورة احتلال سبع دول في الشرق الأوسط لم يسلمِ منها إلا إيران بينما اكتفى بإطلاق «الدول النفطية» على بقية تلك الدول السبع.
هل أمريكا حقًا هى الحلم؟ هل يعد هذا السعى المجنون بل والمسلح أخيرًا من قبل أمريكا هو واجبها الأول الآن؟ تدرك تلك الدولة أنها قوية بمصادر لا تقع داخل حدودها. لذا تعمل بكل قوتها على السيطرة على تلك المصادر، وهو أمر منطقى بالنسبة لها كى تستمر في التقدم في طرقها التى رسمتها لنفسها. لكن في المقابل تدعو نظرة لأحوالها الداخلية للقلق من استمرارها أحيانًا. 
إذا كان الاقتصاد الأمريكى يقوم على الاقتصاد الحر فهو بلا شك يعتمد على مصادر من الخارج كى ينتج كل أشكال الإنتاج التى تضمن له البقاء في مقدمة الدول المصدرة والمستوردة، إلا أن هذا النظام داخليًا يعتمد على منظومات ائتمانية عانت من أزمات عاصفة منذ نهاية عهد الرئيس كلينتون إذ إن خيارات السداد للبنوك والمؤسسات الاقتصادية تعانى من التهرب بأساليب مبتكرة على نطاق واسع تسبب في زيادة العجز فيها. لم يكن غريبًا، مع غياب المصادر وثغرات النظام التأمينى القائم على إعطاء قروض بأشكال وفوائد متنوعة، لم يكن غريبًا أن تجد هذه الدولة في مرتبة متقدمة من حيث ديونها. تعمل الولايات المتحدة أمام كل ذلك على زيادة نسبة التوظيف بشكل كبير، إذ إن القروض تحتاج لمن يسددها ويشترى من السوق لضمان تحرك العملة داخليًا، لذا فالبطالة شبح قاتل، إلا أن اقتصادها لا يزال معتمدًا على مصادر الخارج لذا وقعت في فترات كساد معقدة.
تقع الولايات المتحدة على رأس دول العالم من حيث عدد المسجونين إذ يقبع في سجونها 2.3 مليون سجين وفق تقارير منظمات متخصصة، بالإضافة لمشكلات الأقليات التى يعانى منها السود، والتى عانى منها المكسيكيون المقيمون بصفة شرعية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولن ينسى العالم ما قامت عليه تلك الدولة من قمع للسكان الأصليين للبلاد «الهنود الحمر» الذين قال في حالهم كونر: «نعم كانوا قبائل غير متحضرة تعانى من الوحشية في أسلوب حياتها، إلا أنهم أخرجوا أسوأ ما في الأوروبيين البيض المهاجرين إليهم، لقد كان الأوروبيون أكثر وحشية من الهنود الحمر، بل لقد كانوا الأكثر وحشية على الإطلاق في ذلك الوقت».
كل هذه الضغوط دفعت بالولايات المتحدة لاعتماد خيار الحرب، أو فلنقل وضعه كخيار أكثر احتمالًا مما سبق. التاريخ يخبرنا أن الدول كانت تلجأ للحرب أحيانًا علاجًا أو تفاديًا لمشكلات داخلية، لكن هذه المشكلات لو لم تجد حلًا كنتيجة لتوفر خير قادم من الحروب بشكل سريع تزيد، ومن ثم تؤثر على الدولة ذاتها إما في شكلها الإدارى أو مركزها الدولي، شاهدنا ذلك في فرنسا وألمانيا، مع الفارق في أن هذه الدول لم تكن قطبًا قويًا وحيدًا في العالم. لكن ديون أمريكا تزيد ولا تقل نتيجة لاعتداءاتها المسلحة وغير المسلحة وهو أمر غير مبشر بالنسبة لها، وربما ينذر بأمريكا جديدة لا يمكن التنبؤ بها، تبدأ بتغييرات في نبرات التصريحات.