السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

جرائم السلطان التركي 5.. أردوغان وإذلال رجال الجيش التركي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الاحتواء والصدام والفصل من المؤسسة العسكرية وشراء الذمم

سياسة الديكتاتور للسيطرة على الجنرالات

6 حروب فى 99 عامًا.. نصفها لصالح أردوغان

عقدة «الانقلاب الأبيض»

تفتيت وتشتيت قدرات الجيش بالحروب.. خوفًا من تكرار سيناريو نجم الدين أربكان

«لا أسرى.. قاتل أو تذبح حيًا».... شعار الأتراك


منذ وصول رجب طيب أردوغان للحكم عام 2003، وهو يتخذ من الجيش التركى عدوا له، ويضع نصب عينيه كيفية السيطرة عليه، متخذا الحكم الديمقراطي، والتسويق لفكرة أن ضبط العلاقات المدنية العسكرية هو سبيل تركيا الوحيد لدخول الاتحاد الأوروبي، ذريعة لذلك. تمكن أردوغان على مدى 16 عاما منذ توليه شئون الأمر فى البلاد من تغيير عقيدة الجيش العسكرية من حام للعلمانية والوطن إلى مدافع عن النظام، بعد أن نجح فى إذلال رجال الجيش التركى وإظهارهم بالملابس الداخلية غداة مسرحية الانقلاب، بل وإطلاق ميليشياته المسلحة التابعة للعدالة والتنمية لضربهم على الملأ، كجزء من خطة كبرى يعد لها منذ سنوات. فعلاقة الرئيس التركى بالجيش بدأت بمحاولة الاحتواء، ثم الصدام والفصل من المؤسسة العسكرية، وصولا لمرحلة شراء الذمم، فمنذ اللحظة الأولى عمل أردوغان على إضعاف دور وحضور الجيش فى الهياكل والمؤسسات العمومية، مثل الجامعات والعدل، وفى الوقت ذاته رفع سقف ميزانية الدفاع وأجور الضباط، وبدأ يخترق الجيش فى 2010 عندما ظهر فى سابقة تاريخية فى صور إلى جانب قيادات الجيش، وهذا سمح له باستبدال بعض القيادات برجال نالوا ثقته الكاملة. وانتهى الأمر فى النهاية عقب مسرحية انقلاب يوليو 2016 ببسط رجب طيب أردوغان سيطرته على جميع أجهزة الدولة وكافة المؤسسات وعلى رأسها الجيش.


6 حروب فى 99 عامًا.. نصفها لصالح أردوغان

شارك الجيش التركي، فى العصر الحديث بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية وإسقاط الخلافة الإسلامية، فى الحرب العالمية الثانية، رغم أنها ظلت محايدة حتى المراحل النهائية من الحرب العالمية الثانية، لكن بعد تأكدها من حسم المعركة لصالح الحلفاء فى ٢٣ فبراير ١٩٤٥، وأعلنت الحرب ضد ألمانيا واليابان، للفوز بمقعد فى الأمم المتحدة.

وفى ٢٠ يوليو ١٩٧٤ شارك الجيش التركى فى حرب قبرص إذ شنت القوات الجوية التركية عملية هجوم برمائية وجوية على قبرص ردا على الانقلاب القبرصى فى عام ١٩٧٤ الذى قامت به القوات الجوية الكرواتية والحرس الوطنى القبرصى ضد الرئيس مكاريوس الثالث بقصد ضم الجزيرة إلى اليونان؛ ولكن التدخل العسكرى انتهى مع احتلال تركيا لمنطقة كبيرة فى الجزء الشمالى من قبرص والمساعدة فى إنشاء حكومة محلية للقبارصة الأتراك هناك، والتى لم تعترف بها حتى الآن سوى تركيا.

هذا إلى جانب معاركه الطويلة مع حزب العمال الكردستاني، فمنذ عام ١٩٨٤ دخل الجيش التركى فى حرب مفتوحة مع عناصر الحزب، وكانت سنوات الثمانينيات والتسعينيات الأكثر دموية بين الطرفين إذ سقط خلالها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

وبعد مفاوضات مكثفة بين الاستخبارات التركية وزعيم الحزب عبدالله أوجلان، وصل الطرفان فى مارس ٢٠١٣ إلى اتفاق أعلن على إثره حزب العمال الكردستانى وقف إطلاق النار عقب دعوة وجهها إليه أوجلان.

كما خاض الجيش التركى معركة درع الفرات التى اندلعت بعد شهر من مسرحية الانقلاب الفاشل فى ٢٤ أغسطس ٢٠١٦، ودخلت تركيا الشمال السورى بمباركة أمريكية روسية لتحقيق أهداف متعلقة بتقليل التمدد الكردي، وفى يناير ٢٠١٨ وبعد عام من استفتاء التعديلات الدستورية أطلقت تركيا عملية عسكرية فى عفرين أطلقت عليها اسم غصن الزيتون أسفرت عن تهجير مئات الآلاف من الأكراد وسيطرة أنقرة على مزيد من الأراضى السورية بمساعدة الجماعات المسلحة التى يطلق عليها بالجيش السورى الحر، حيث عجل أردوغان بمعركة عفرين بعد أن شعر بتراجع شعبية العدالة والتنمية وازدياد الحنق الشعبى فى الداخل التى واشتداد قوة التيار العلمانى والكمالى تحديدا.

جاءت عملية نبع السلام فى أكتوبر الماضى برغبة تركيا فقط وبدون دعم إقليمى أو دولى وبرفض واسع من العواصم الدولية خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى حتى روسيا الاتحادية رفضت الحرب ضد الأكراد فى رأس العين وتل أبيض على عكس الدعم الذى حصلت عليه أنقرة فى عمليتى درع الفرات وغصن الزيتون.

يشار إلى أن تعداد الجيش التركى يصل إلى ٧٣٥ ألف جندي، يمتلك ١٠٦٧ طائرة، بينها ٢٠٧ مقاتلات حربية، و٢٠٧ طائرات هجومية، و٨٧ طائرة نقل عسكري، إضافة إلى ٢٨٩ طائرة تدريب، يصل عدد مروحيات الجيش التركى العسكرية إلى ٤٩٢ مروحية، بينها ٩٤ مروحية عسكرية، كما يمتلك ٣٢٠٠ دبابة، و٩٥٠٠ مدرعة، ١١٢٠ مدفعا ذاتى الحركة و١٢٧٢ مدفعا مقطورا، و٣٥٠ راجمة صواريخ.

ويتكون الأسطول الحربى التركى من ١٩٤ سفينة حربية، بينها ١٦ فرقاطة، و١٠ كورفيتات، و١٢ غواصة، و٣٤ قارب دورية، و١١ كاسحة ألغام بحرية، و٩ موانئ كبرى، و٩٨ مطارا، وله حدود مشتركة مع دول أخرى تصل مسافتها إلى ٢٨١٦ كم، بينما تتجاوز مساحة تركيا ٧٨٣ كم مربع، وتصل ميزانية الدفاع التركية إلى ٨.٦ مليار دولار أمريكي.

 

كما أن المتابع للشأن التركي، يتأكد أن رجب طيب أردوغان، يرتعد من تحركات الجيش خوفا من تكرار سيناريو نجم الدين أربكان معه، الذى انتهى بعزله وتهميش حزبه والاستيلاء على حكم تركيا، ففى ٨ يونيو ١٩٩٧، حدث ما يعرف بـ«الانقلاب الأبيض»، على نجم الدين أربكان بعد أن أصبح يهدد استقرار الدولة والتقاليد التى أسست عليها على يد مصطفى كمال أتاتورك وأجبر على الاستقالة تحت ضغوط من الجيش وقطاعات الأعمال والقضاء وسياسيين آخرين.

منذ عام ٢٠٠٢ إلى عام ٢٠٠٧ كانت هناك حالة بين الاحتواء والصدام بين العدالة والتنمية والجيش وصولا لفترة الاتهامات الجاهزة من قبل العدالة والتنمية ضد أى معارض لحكمهم، وبدأت من ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٤.

ففى يونيو ٢٠٠٧ بدأت مخططات العدالة والتنمية لابتلاع الدولة شيئا فشيء، وظهر اسم مجموعة إرغينيكون للمرة الأولى حين اكتشفت كمية من المتفجرات فى عملية مداهمة نفذتها الشرطة لمنزل فى إسطنبول، وحوكم إثر ذلك مئات الأشخاص بزعم القيام بمحاولة انقلاب ضد أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك وأدين ٢٧٥ ضابطا وصحفيا ومحاميا وغيرهم، وثبت براءتهم بعد ذلك بعد أن خلصت محكمة الاستئناف لعدم وجود ما يسمى بشبكة إرغينيكون، مما يشير إلى لعبة النظام التركى وقتها لتقليص نفوذ الجيش التركي، الذى يحرص على إرضائه لعدم الانتفاض ضده أو الانقضاض على حكومته، رغم تزامن وصوله إلى السلطة بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت فى حاجة إلى حليف إسلامى وسطى بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فى إطار مشروعها للشرق الأوسط الكبير، بالإضافة لرغبة الأتراك التاريخية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لن يحدث إلا بتقليص النفوذ السياسى للجيش، وبالطبع لم تستطع القوات المسلحة التركية معارضة «الحلم الأوروبي» الذى يعد مطلبا قوميا أتاتوركيا فى الأساس، ثم هو مطلب النُخب العلمانية بمختلف أطيافها، وهو أيضا مطلب شعبى من أجل حياة اقتصادية أكثر رفاهية.

وفى سبيل ذلك اتخذ أردوعان عددا من الخطوات فى مقدمتها تقليص عدد العسكر داخل مجلس الأمن القومى إلى خمسة مقابل تسعة مدنيين، وجعل قرارات مجلس الأمن القومى غير ملزمة، كما أصبح الأمين العام للمجلس مدنيا ويتبع لرئيس الوزراء، وأخضع تصرفات الجيش لمراقبة البرلمان.

المسرحية الكبرى كانت بتمثيلية انقلاب ١٥ يوليو ٢٠١٦، من خلال مجموعة انقلابية فى الجيش أطلقت على نفسها حركة السلام أعلنت أنها استولت على السلطة، مما أدى إلى مواجهات أوقعت قتلى وجرحى فى أنقرة وإسطنبول.

وتمكنت السلطات بعد خمس ساعات تقريبا من استعادة السيطرة على الأوضاع، وألقى الأمن التركى القبض على قادة كبار فى الجيش وقتل أحدهم فى تمثيلية مفضوحة كشفتها وثيقة عسكرية تركية سرية تؤكد احتجاز أكثر من ٧٠٠٠ شخص كمجموعة أولى خلال ٧٢ ساعة فى غضون الانقلاب الفاشل فى تركيا.

يعزز حجم الاعتقالات فور وقوع الحادث نقد واسع النطاق خاصة بعد استخدام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان محاولة الانقلاب ذريعة لقمع المعارضة وسجن مئات الآلاف من المنتقدين بتهمة الإرهاب المزعوم، فى حين أن عشرات الآلاف من المدنيين تم طردهم من وظائفهم.

وفقا للوثيقة المسربة والتى نشرها موقع «نورديك مونيتور» السويدي، فإن عددا كبيرا من جنرالات الجيش التركى وخاصة القوات البرية والضباط الرئيسيين كانوا فى إجازة رسمية أو تم تكليفهم بمهام عمل أخرى فى وقت محاولة الانقلاب المزعومة.

فكيف تكون هناك محاولة انقلاب فى تركيا، بينما يقضى الجنرالات عطلاتهم أو يعملون فى مكان آخر، وهذا ما أكده جنرلات الجيش المعتقلون.

وبمراجعة الوثائق وسجلات المحكمة، يتضح أن معظم الجنرالات المذكورة أسماؤهم إما معتقلين و إما تم إجبارهم على التقاعد فى إطار حملة شنها النظام التركى على خلفية محاولة الانقلاب، خاصة أن ٢٢ جنرالا على الأقل من المدرجين فى القائمة تم إقالتهم ثم اعتقالهم.

وتبين أن عددا كبيرا من جنرالات الجيش المتهمين من قبل سلطات أردوغان بتنفيذ محاولة الانقلاب أكدوا خلال شهادتهم أنهم كانوا فى إجازة مع عائلاتهم وبعضهم كان فى مراكز عملهم خلال تلك الفترة.

وسلطت الوثيقة الضوء على وثائق سابقة تؤكد إعداد ملف للإطاحة بهؤلاء الجنرالات قبل وقوع محاولة الانقلاب المزعومة، حيث استهدف أردوغان على وجه التحديد الجنرالات والضباط الذين خدموا فى الخارج فى مهمات تابعة لحلف الناتو، فضلا عن ضباط الاتصال والملحقين العسكريين فى البعثات الدبلوماسية فى الدول الحليفة، مما يعزز فرضية وجود خطة لتحويل الجيش التركى لثكنة موالية لأردوغان وحزبه وحكومته المتأسلمة.

مسرحية الانقلاب الفاشل كانت هدية لحكومته كى يطيل فترة حكمه لأبعد مدى واستغل ذلك ليعدل الدستور للنظام الرئاسى بدلا من البرلمانى وأيضا قمع حركة الخدمة وسحقها بزعم أنه يحافظ على قيم العلمانية أمام حركة إسلامية اجتماعية كانت حليفة له منذ وقت قريب، ولكن ما فعله كان بتحريض من الدولة العميقة لكسب القوى العلمانية وكانت صكا له للانفراد بالجيش وتحجيم نفوذه، فهاجس أردوغان منذ وصوله للحكم الجيش والدولة العميقة، لذا ليس غريبا أن يعترف وزير الدفاع التركي، خلوصى أكار، بفصل ١٧ ألفا و٤٩٨ من عناصر القوات المسلحة، فى إطار مكافحة حركة «الخدمة»، التى يتزعمها الداعية المعارض فتح الله جولن، المتهم بتدبير مسرحية انقلاب يوليو ٢٠١٦.

كما تفنن أردوغان أيضا بعد هذه المسرحية الهزلية فى التخلص من خصومه السياسيين بالقضاء والجيش والشرطة وأصبحت تركيا بعد الانقلاب الفاشل دولة الرجل الواحد خاصة بعد التعديلات الدستورية التى جعلت أردوغان هو الرئيس ورئيس الوزراء فى نفس الوقت وقلص من سلطات القضاء والجيش والمخابرات والبرلمان واختصر الدولة التركية فى نفسه مما رسخ لحكم ديتكاتوري، فضلا عن تكميم أفواه المعارضة واستخدمه كورقة أمام الغرب ليزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.

كشف الانقلاب المخابراتى المفبرك كم حقد وكراهية العدالة والتنمية ضد العسكريين فى تركيا، خاصة ما حدث من مشاهد إذلال وتعرية وضرب وعنف للجنود الأتراك أثناء إفشال الانقلاب وقانون تحصين المشاركين فى أعمال عنف أثناء الانقلاب الذى سن من قبل الرئيس التركى فى ظل رغبة من العدالة والتنمية فى حشر منتسبيه لدخول الجيش التركى بعدما كان محظورا عليهم الانتساب للمؤسسة العسكرية.

بدأت سياسات الإلهاء منذ عام ٢٠١٥ حتى وقتنا هذا ضد الجيش، بهدف إلهائه فى الحروب عن ممارسات العدالة والتنمية المناهضة لقيم الجمهورية التى دافع عنها طويلا وتجلى ذلك فى توريط الجيش فى أكثر من حرب وفتح جبهات عسكرية عدة بهدف إشغاله.

وذكرت صحيفة كوريير الروسية للصناعات العسكرية، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يهدف من توريط الجيش فى الحروب بسوريا وليبيا وغيرها إلى الهائه خشية أن ينقلب عليه.

مثلت معركة درع الفرات غطاء جيدا لأسلمة الدولة وتقليل نفوذ العسكريين فى الحياة السياسية مثل السماح بالحجاب للعاملين المدنيين فى المستشفيات داخل المؤسسات العسكرية وترقية الكثير من العسكريين من الرتب القليلة، والتى يمكن شراء ذمتهم، مستغلا اهتمام الجيش بحرب سوريا عن اهتمامه بحماية المبادئ الكمالية وعلمانية الدولة خاصة بعد الحملة واسعة النطاق فى مؤسسة الجيش والشرطة واعتقال قياداته.

نفس الأمر استغله أردوغان فى معركة غصن الزيتون التى كانت ورقة انتخابية لحصول العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية حتى لا تتكرر مجددا خسارة الأغلبية كما حدث فى انتخابات يونيو ٢٠١٥ وكان الهدف الحقيقى تحييد المؤسسة العسكرية قبيل الانتخابات لمنع إبداء أى ملاحظات على ممارسات الحزب الحاكم، التى تهدر كل القيم العلمانية والكمالية فى الجمهورية التركية، خاصة فى ظل تحريض صقور العلمانيين والكماليين الرافضين لحكم العدالة والتنمية على الانقلاب على الحزب الحاكم.

وحاول أردوغان من عملية نبع السلام، تفتيت الجيش التركى وتشتيت قدراته بالحروب الخارجية، والتى قرر قبلها الرئيس التركى التخلص من الضباط المعارضين، ولاسيما بعد الهزيمة القاسية التى نالها العدالة والتنمية فى انتخابات المحليات الصيف الماضى والتى خسر العدالة والتنمية المدن الكبرى على رأسها إسطنبول وأزمير وأنقرة وهاتاى وكانت ضربة موجعة من المعارضة للحزب الحاكم.

وبالرغم من ذلك تعد مسألة الصدام بين الجيش وأردوغان رهن المتغيرات الدولية ورهن إفلاسه السياسى إما باستبداله بإسلامى آخر أكثر حصافة وأقل تهورا أو هدم تجربة الإسلام السياسى بصدام الجيش التركى معها مجددا.


«لا أسرى.. قاتل أو تذبح حيًا».... شعار الأتراك

كما أن للأتراك تاريخ طويل من الإبادة، والوحشية فى الخصومة، بدأ من الدولة العثمانية التى كانت متعطشة للدماء والرغبة فى الانتقام والتشفى على مر تاريخها، فقبل ما يقرب من ٥٠٠ عام، وبالتحديد فى ٢٩ أغسطس ١٥٢٦م، وقعت معركة موهاكس أو كما يطلق عليها البعض «موهاج»، بين الدولة العثمانية وأكبر حلف عسكرى الإمبراطورية الرومانية المقدسة بقيادة المجر فى جيش تجاوز الـ٢٠٠ ألف، واستمرت الحرب ساعة ونصف الساعة وأقصى تقدير ساعتين، فى نهايتها أصبح الجيش المجرى فى ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده فى مستنقعات وادى موهاكس، ومعهم الملك فيلاد يسلاف الثانى جاجليو وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار.

هجم المجريون الجيش العثمانى الذى اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان سليمان القانونى ومعه مدافعه الجبارة، وجنوده من الانكشاريين فى الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر القانونى صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون بشراسة مرة واحدة نحو قلب القوات العثمانية، حتى وجدوا أنفسهم وجهًا لوجه أمام المدافع العثمانية والقناصة، وقد فتحت نيرانها عليهم من كل النواحي، ولمدة زمنية قدرت نحو ساعة، قضت على كامل الجيش الأوروبي، دون مقدرة على الهرب.

وأراد من تبقى من الجيش الأوروبى الاستسلام ؛ فكان قرار السلطان سليمان الذى لن تنساه البشرية لوحشيته وبربريته: لا أسرى! وأخذ الجنود العثمانيون يناولون من يريد الأسر من الأوروبيين سلاحه ليقاتل أو يذبح حيا، لكنه كان قتال الميئوس، وانتهت المعركة بمقتل ملك المجر، ومجموعة من الأساقفة والقادة الكبار، وأبيد نصف سكان المجر تقريبا، وبالرغم من ذلك وقع فى الأسر خمسة وعشرون ألفا، فى حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين، وبضعة آلاف من الجرحى.

قال المؤرخ التركى يلماز أوزتونا فى كتابه «تاريخ الدولة العثماني»، معلقًا على نتائج موهاكس: «إن هذه المعركة لهى أكبر حروب الإبادة النموذجية والكلاسيكية فى التاريخ، استمرت الحرب ساعة ونصف ساعة فقط، وفى نهاية هذه المدة أصبح الجيش المجرى الذى عاش ٦٣٧ سنة فى ذِمة التاريخ».

وأصبحت هذه المعركة من أشهر الأمثال الشعبية المجرية «أسوأ من هزيمتنا فى موهاكس»، يضربونه كلما تعرضوا لحادثة أو موقف مروع، فتستحضر أذهانهم ما تعرض له جيشهم من إبادة.

ما فعله الانكشاريون فى موهاكس نفذه الجيش التركى بحذافيره فى شمال سوريا فى سواء فى درع الفرات أو غصن الزيتون أو نبع السلام، حيث ارتكب الانكشاريون الجدد مذابح التطهير العرقى داخل سوريا.

ويمتلك الجيش التركى سجلا حافلا من الجرائم والانتهاكات على مدى ٨ سنوات منذ تدخله السافر فى الأراضى السورية، إذ استخدم أسلحة محرمة دوليا وأسفرت هذه الحرب الغاشمة عن مقتل ١٧٢١ مدنيا، وإصابة آلاف، فيما وصل عدد النازحين ٣٠٠ ألف وحرمان ٨٦ ألف طفل من التعليم فى شمال سوريا.