الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبادرة السلام - 2

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالا لما بدأناه في المقال السابق احتفاء بالذكرى الثانية والأربعين لمبادرة السلام التى قام بها الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل في نوفمبر 1977 والذى أوضحنا فيه أن العرب قد اعترفوا ضمنيًا بدولة إسرائيل عند موافقتهم على قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في نوفمبر 67، ورغم ذلك فقد عارضوا بشدة زيارة الرئيس السادات إلى القدس في 77 ومبادرته التاريخية لإقرار السلام في المنطقة واعتبروه خائنًا وعميلًا ومجرمًا، برغم أن السادات أراد سلاما للمنطقة كلها، فلم يكن الرجل يطمح إلى سلام منفرد مع إسرائيل وقد تحدث في هذا أمام الكنيست الإسرائيلى وقال بالحرف الواحد «إننى ما جئت لأعقد اتفاقا منفردا بين مصر وإسرائيل، ليس هذا واردا في سياسة مصر، فليست المشكلة هى مصر وإسرائيل وأى سلام منفرد بين مصر وإسرائيل أو بين أية دولة من دول المواجهه وإسرائيل فإنه لن يقيم السلام الدائم العادل في المنطقة كلها، بل أكثر من ذلك فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق أبدا السلام الدائم العادل» وعاد السادات إلى مصر فاتحا ذراعيه للعرب وداعيا الجميع إلى مؤتمر في فندق مينا هاوس للاتفاق على تشكيل وفد عربى يدير مفاوضات السلام ولكنهم رفضوا المجىء وقرروا قطع جميع العلاقات مع مصر ونقل جامعة الدول العربية من مقرها الدائم بالقاهرة إلى تونس، ولكنهم وبعد وفاته بعقد من الزمان ذهبوا إلى مدريد للتفاوض على نصف ما كانوا سيتفاوضون عليه أيام السادات، وهم في هذا المؤتمر – مدريد – قد أقروا واعترفوا رسميًا بدولة إسرائيل بعدما ظلوا لأكثر من نصف قرن يحدثوننا عن تدمير هذا الكيان الصهيونى وعن نهايته الوشيكة، ولكنهم وبضغط من الاتحاد السوفيتى وأمريكا ذهبوا إلى مدريد، وكان المؤتمر قد عقد برعاية أمريكية سوفيتية وحضر جلسته الافتتاحية الرئيس جورج بوش الأب والرئيس ميخائيل جورباتشوف، وبالمناسبة فإن هذا هو المحفل الدولى الأخير الذى حضره الرئيس السوفيتى قبل تفكك الاتحاد والإعلان عن نهاية دولة عظمى، وتم التأكيد في هذا المؤتمر على مبدأ الأرض مقابل السلام وعلى قبول كافة الأطراف لقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 242، وجلس الوفد السورى برئاسة وزير خارجيتها آنذاك فاروق الشرع مع الوفد الإسرائيلى برئاسة إسحاق شامير وتحدث بوش الأب عن إمكانية تحقيق السلام في المنطقة وطوى صفحة الماضى بينما تحدث جورباتشوف عن مرحلة ما بعد السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب وانتهى المؤتمر دون الوصول إلى اتفاق واضح المعالم، فالجميع أعلنوا استعدادهم للتفاوض وإنهاء حالة الحرب، أما آليات تحقيق ذلك فقد غابت عن المؤتمر، وفى عام 1992 صعد بيل كلينتون إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة وخسر شامير الانتخابات في إسرائيل لصالح إسحاق رابين وأقام الإسرائيليون اتصالات سرية مع الفلسطينيين توجت باتفاق أوسلو والذى وقع في سبتمبر 93 وتصافح لأول مرة ياسر عرفات وإسحاق رابين وقد سمى هذا الاتفاق باوسلو نسبة إلى العاصمة النرويجية التى احتضنت المباحثات السرية بين الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى، ونص الاتفاق على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل في مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطينى، وإقرارها بحق الفلسطينيين في إقامة سلطة حكم ذاتى في الضفة الغربية وقطاع غزة مع إقامة مجلس تشريعى منتخب وقوة شرطة لحفظ الأمن وذلك كمرحلة أولى في سبيل التسوية النهائية والدائمة والتى ستشمل قضايا القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وتفكيك المستوطنات وأيضًا الترتيبات الأمنية، وعرضت الحكومة الإسرائلية الاتفاق على أعضاء الكنيست وتم مناقشته وإقراره بنسبة ضئيلة، بينما اعترضت حركة حماس وغيرها من المنظمات الجهادية والتى رفضت الاتفاق شكلا ومضمونا، بل وقامت بعدة هجمات انتحارية ضد الإسرائيليين كرد فعل منهم على هذا الاتفاق، بينما عاد عرفات إلى غزة في 94 ومنها إلى الضفة لينتخب كأول رئيس رسمى للسلطة الفلسطينية وتتهمه حماس بالخيانة والتآمر وبيع القضية ليكرروا من جديد نفس ما فعله العرب مع السادات، وكأنهم لا يريدون أن يتعلموا من أخطاء الماضى، فهم يتمتعون بقدرة عجيبة على إضاعة الفرص وبقدرة أكبر على حشو عقول البسطاء بهتافات «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» ثم وبوساطة محمد مرسى في 2012 يوافقون على بنود اتفاق وقف إطلاق النار وفيها إن حماس مسئولة عن ملاحقة أى فصيل يخترق الهدنة من إسرائيل، ووقتها هلل التيار الاسلامى للاتفاق واعتبروه إنجازا حققه مرسى ووصفوه بأنه كصلح الحديبية (!)،بينما قالوا عن السادات حين عقد اتفاقا مع إسرائيل وأعاد أرض مصر المحتلة إنه خائن وعميل، وأطلق أحدهم فتوى تكفيره لأنه جالس اليهود، فأى سيرك هذا الذى نعيش فيه؟.. وللحديث بقية.