الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

هل تؤدي الاحتجاجات اللبنانية إلى حل للأزمة الاقتصادية؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اندلعت الاحتجاجات اللبنانية في ١٧ أكتوبر الماضي، على خلفية الأزمة الاقتصادية الممتدة من شهور طويلة، ووجود نسب عالية من الفساد السياسى وارتفاع نسب البطالة، كما كانت الضرائب التى فرضتها الحكومة على وسيلة التواصل الاجتماعي «واتس آب» بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير بالنسبة للمواطن اللبناني. 
واتسمت هذه الاحتجاجات بغياب التحزب، أى عدم وجود حزب سياسى بعينه يساند المتظاهرين في الشوارع، ووجود مشاركة كبيرة من جميع فئات الشعب، وسيما الشباب والمرأة التى كان وما زال لها دور كبير داخل الاحتجاجات التى تمر بها المنطقة، فضلًا عن خروج التظاهرات في الأماكن التابعة لجماعة «حزب الله». كما قامت الحكومة بطرح مجموعة من الإصلاحات لتهدئة الشارع، تمثل أبرزها في خفض رواتب المسئولين «الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين». 
أولًا: سياسات الشارع في إطار اللاحركات الاجتماعية 
يرتكز جوهر سياسات الشارع على الإرادة النابعة من القوى الاجتماعية الداخلية، أى من الأفراد والجماعات التى تقوم والراغبة في إحداث عمليات التحول السياسى والاجتماعي؛ حيث يحاول المواطن العادى التركيز على كيفية المشاركة في العملية السياسية داخل دولته، وخلق مجال للصراع مع السلطة المستبدة التى تحرمه من ذلك، كما تظهر سياسات الشارع بشكل أساسى في المناطق الحضرية، لطالما شكل الفضاء العام الحضرى مسرحًا رئيسيًا للجدل والحوار السياسي. 
كما يؤدى حرمان الناس من القوة الانتخابية والآليات السلمية للتغيير إلى خروجهم للشوارع، لمطالبة السلطات بتنفيذ مطالبهم، من خلال ضغط جمعى يتمثل في تحركات نظامية، مثل التحركات التى يقوم بها الطلاب والعمال عند المطالبة بحقوقهم، لكن عندما يفتقر غير القادرين على تنظيم (العاملين في القطاع غير الرسمي) أنفسهم إلى هذه القوة النظامية، من المحتمل أن يخرجوا للشوارع، ويصبح بالنسبة لهم هو المجال العام الذى يتم التعبير من خلاله عن عدم الرضا الأمر، الذى يكشف عن مقدار الصراع الموجود بين الناس في الشوارع والسلطات، على أن تحتل سياسة الشارع أهمية، خاصة في المدن الحضرية المؤسسة على نظام السوق، والتى يقوم المواطنون العاديون بأنشطتهم الاقتصادية في الشوارع، لعدم وجود مكان مخصص لذلك. 
ثانيًا: تصاعد الاحتجاجات
كانت الضرائب التى تم فرضها على أداة التواصل الاجتماعي «واتس آب» بمثابة الشرارة التى فجرت حالة الاحتقان الموجودة في الشارع اللبناني، على خلفية تعثر مؤسسات الدولة في أداء وظائفها الأساسية.
وحالة التردى التى وصلت لها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث قامت حكومة سعد الحريرى في إطار تعديل موازنة عام ٢٠٢٠ بفرض رسوم ضريبية جديدة، كان من ضمنها إضافة رسم ٦ دولارات شهريًّا على الاتصالات التى يجريها المشتركون عبر تطبيق الواتس آب أو التطبيقات المشابهة، بما يُؤمن للدولة نحو ٢٤٠ مليون دولار سنويًا، مما أدى لخروج تظاهرات حاشدة إلى الشوارع في تحرك تم وصفه بالأضخم منذ احتجاجات الأرز لعام ٢٠٠٥. 
ثالثًا: السمات العامة
رغم أن مطالب هذه الاحتجاجات لا تختلف كثيرًا عن سابقتها ولكن ميزتها اللا طائفية وعدم سعى المواطنين لإبراز هويتهم الدينية والعرقية، واللا تحزب أى نزول الأفراد بمعزل عن انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية، فضلًا عن اتباع الأساليب السلمية في التظاهر وعدم اللجوء للتخريب كما حدث في كثير من الهبات الجماهيرية التى اندلعت إبان احتجاجات عام ٢٠١١ في المنطقة العربية، وهو ما نراه تفصيلًا فيما يلي: 
اللا طائفية
تميزت الهبات الجماهيرية التى قامت في لبنان بمنتصف أكتوبر لعام ٢٠١٩ بعدم وجود النزعة الطائفية أو الدعوة إلى إظهارها من قبل المواطنين؛ حيث خرج القسم الأكبر من المواطنين بشكل عفوى تاركين وراءهم أى انتماءات مع التركيز على الهوية اللبنانية بشكل عام لكل منهم. كما كان هناك سعى من قبل بعض القيادات الشعبية على نشر روح الإخاء بين المسيحيين والمسلمين، مما شجع الكثير من العائلات على النزول والمشاركة في الاحتجاجات. 
اللا حزبية 
على الرغم من شيوع سياسة المحاصصة ووجود أحزاب بعينها تعبر عن كل طائفة، إلا أن هذه الهبات الجماهيرية، اتسمت بمشاركة عدد كبير من مناصرى الأحزاب السياسية دون الرجوع إلى قيادتهم أو التقيد بقرارات القيادات الحزبية، ومن اللافت إلى الانتباه، انتشار التظاهرات في المناطق التى تقع تحت نفوذ «حزب الله» وحركة «أمل» كصور وبعلبك، إلى أن وصل الأمر لطرد المتظاهرين بعض الرموز السياسية التى كانت تحاول ركوب الموجة الاحتجاجية، ومحاولة فرض نفسها كقيادات ذات صفحات ناصعة في إشارة للرغبة في فتح صفحة جديدة مع المواطنين. 
سلمية الحراك
شرع المنظمون للاحتجاجات منذ الساعات الأولى للاحتجاجات في فرض نوع من السلمية للتظاهرات في إشارة إلى رفض أى نوع من العنف والتخريب. كما تم وضع لوائح كنوع من مبادئ السلوك الواجب اتباعه للحد من المظاهر السيئة المصاحبة للتظاهر والتأكيد على سلمية الحراك، فضلًا عن عدم التعرض لأى نوع من المواجهة مع القوات الأمنية. 
رابعًا: خطة الحكومة للإصلاح
وضعت حكومة «سعد الحريري» مجموعة من المحددات الرئيسية في إطار خطة الإصلاح لإنقاذ الوضع الحالى على خلفية الاحتجاجات وحالة الغضب المتصاعدة في الكثير من المدن اللبنانية، حيث قررت الحكومة اللبنانية الاتجاه إلى القطاع المصرفى من أجل سد العجز من خلال زيادة الضريبة على أرباح المصارف، والعمل على خفض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء الحاليين والسابقين، خفض ٧٠٪ من موازنات مجلس الإنماء وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب، فضلًا عن إلغاء وزارة الإعلام وبعض المؤسسات العامة. 
كما اتجهت الحكومة للقيام ببعض الإصلاحات على المستوى الاجتماعي، تمثلت في ضخ أكثر من ٢٠ مليار ليرة لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقرًا، ودعم القروض السكنية بنحو ١٦٠ مليار دولار، خفض ١٠٠٠ مليار ليرة من عجز الكهرباء وإقرار مشاريع قيمتها ١١ مليار دولار من برنامج سيدر الاستثمارى الذى من المتوقع أن يدفع نحو تحسين الاقتصاد وتأمين فرص عمل للشباب، كما وعد الحريرى بوضع برامج لاستعادة الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد والفاسدين.
هل تؤدى الاحتجاجات الحالية لحل الأزمة الاقتصادية؟
- على الرغم من طرح الحكومة اللبنانية لحزمة الإصلاحات الاقتصادية التى تبدو وكأنها مناسبة بالنسبة للبعض ولكن التظاهرات ما زالت مستمرة، وما زال المتظاهرون يطالبون بنفس المطالب التى تتمحور حول إسقاط النظام واستقالة الحكومة، يعى المتظاهرون جيدًا حجم الفساد الموجود داخل مؤسسات الدولة اللبنانية، حيث سجل الاقتصاد اللبنانى في عام ٢٠١٨ نموًا بالكاد بلغ ٠،٢ ٪، ويعانى المواطن اللبنانى نقصًا في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية ويُقدّر الدين العام في ٢٠١٩ بأكثر من ٨٦ مليار دولار أى أكثر من ١٥٠ ٪ من إجمالى الناتج المحلي. 
في السياق ذاته، فشلت الكثير من الحكومات المتعاقبة داخل الدولة اللبنانية منذ مطلع التسعينيات في تطبيق برامج الإصلاحات للنهوض بالخدمات المقدمة، حيث يقدر بعض الخبراء تكلفة العجز السنوى في قطاع الكهرباء بنحو مليارى دولار سنويًا، كما لا تصل المياه بشكل دائم إلى المنازل، سيما خلال فصل الصيف مما يدفع الكثير من اللبنانيين لشراء المياه لقضاء حوائجهم المنزلية، وتعد جودة التعليم في القطاع الخاص أفضل كثيرًا من القطاع العام، ولكن تكلفتها مرتفعة للغاية الأمر الذى يجعلها بمثابة عبء كبير على كثير من العائلات. 
ختامًا: نجد أن الاحتجاجات اللبنانية الحالية بشكل خاص والهبات الجماهيرية التى قامت إبان أحداث الربيع العربى في الشرق الأوسط تعد نموذجا واضحا لسياسات الشارع واللاحركات التى تحدث عنها المفكر الأمريكى من أصل إيرانى «آصف بيات»، على خلفية الفقر المدقع ونقص الخدمات الذى يعانيه المواطنين في هذ المنطقة وانتشار شبكات كبيرة للفساد، فضلًا عن انسداد الأفق بين المواطن والسلطات، وهو أبرز العوامل التى يمكن أن تدفع الناس في الخروج إلى الشوارع.