الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الأدب الكردي".. مواجهة التهميش والقمع التركي والإيراني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانى الأدب الكردى عبر الأزمنة المتعاقبة العديد من التحديات والإشكاليات، فتارة بالحظر، وتارة بالطمس، وما بين الحظر والطمس ومحو التحدث باللغة الكردية من قبل بعض الأنظمة، لا سيما فى شمال كردستان وتركيا، بالإضافة إلى قلة الكتابة باللغة الكردية بين المثقفين والكُتاب؛ كل تلك التحديات أدت إلى عدم انتشار الكتابة النثرية فى الأدب الكردي، وأعاقت انتشارها بين ربوع العالم العربي. 



وتكمن الروح الشاعرية فى أعماق كل كردي، وحتى عند الشيوخ الأميين، إنهم جميعًا يمتلكون القدرة والموهبة فى الغناء والسرد ببساطة وهدوء، فهم يغنون ويحكون عن وديانهم وجبالهم وشلالاتهم، وأنهارهم، وخيولهم، يحكون عن الشجاعة وبناتهم الحسان فى أساطيرهم وحكاياتهم الشعبية، ويزخر الفولكلور الكردى بالعديد من الملاحم والسير البطولية والحكايات والأساطير، والأمثلة الشعبية والتى تتدفق من أعماق مشاعرهم وأنفسهم، فالكردى كان وما زال يهوى ويجيد رواية القصص والحكايات الكردية لا سيما الذين يعيشون فى الجبال. ورغم ذلك الثراء الذى بزغ فى الأوساط الكردية، فإن عدم وجود حركة ترجمة تواكب هذا المنتج البشرى الزاخر والعميق؛ أدى إلى جهل الكثيرين من التعرف على الأدب الكردي، والتعرف إلى الثقافة الكردية، فتُعتبر الأمة اللغة الكردية واحدة من أمم العالم الغنية بالفولكلور والتراث والموروث الثقافى، وأن الأدب الكردى هو الفولكلور الكردى بالدرجة الأولى؛ حيث إننا نجد الفولكلور وبقايا تراث الأجداد يبرهن على القدرة على الحياة، بالرغم من العدوان الغاشم الذى تشنه القوات التركية الآن بقيادة أردوغان، والجماعات الظلامية.
ــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب كردي سوري: الأنظمة التركية والإيرانية تضطهدنا وتقمع ثقافتنا

كشف الكاتب الكردى السورى هوشنك أوسي، عن التعتيم والعصف من قبل بعض الأنظمة مثل النظام التركى والنظام الإيرانى، الذين وصل بهم الحال إلى منع حتى التحدث باللغة الكردية، وأضاف فى حواره إلى «البوابة»، أن الكرد كباقى شعوب منطقة الشرق الأوسط، له لغته الخاصة وثقافته وآدابه وفنون، واللغة والأدب الكرديين كانا من أسباب استمرار هذا الشعب، رغم حملات القهر والظلم والصهر والتذويب التى تعرض لها من قبل الأنظمة التى تتقاسم كردستان «بلاد الأكراد، حسب ما وردت فى كتب التاريخ ومعاجم البلدان العربية القديمة».
وأضاف من الطبيعى أن يكون الشعر الكردى ممثلًا فى طبقات أو أجيال، فمن الشعراء الكلاسيكيين القدامى الذين كانت تغلب أشعارهم النفس الصوفى والعرفانى والحب الإلهى والحب الإنسانى أيضًا، فعلى سبيل الذكر لا الحصر: «الملا الجزري» صاحب ديوان العقد الجوهري، و«أحمد خاني» صاحب ملحمة العشق الشعرية «مم وزين»، و«فقيه الطيران، فقيه الطيور»، و«حاجى أحمد كوئي» و«نالي» و«على حرير».. وغيرهم.
أما الطبقة الثانية من الشعراء الكلاسيكيين التقليديين الذين كانوا أيضًا يعتمدون الشعر العمودى ونظام التفعيلة فى كتابة قصائدهم، فيمكن تحديدهم بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكانت قصائدهم تتسم بالبعد القومى والدعوة للنظام والثورة فى سبيل حرية الكرد وكردستان. ومن هؤلاء الشعراء: «كوران»، «بيرامرد»، «هزار»، «جكرخوين»، «تيريج»، ودواوينهم الشعرية عديدة، لا يمكن حصرها، ولعل أشهر هؤلاء الشعراء بين الكرد هو «خكرخوين» وله ثمانية دواوين شعرية.
وأشار إلى أن الحداثة الشعرية الكردية قد بدأت مبكرة، حتى يمكن القول إنها سبقت الحداثة الشعرية العربية، وكانت بدايات الحداثة الشعرية الكردية فى الثلاثينيات من القرن المنصرم على يد الشاعر الكردى «قدرى جان»، الذى كان يتقن عدّة لغات منها: العربيّة، والإنجليزيّة، والفرنسيّة والروسيّة، إلى جانب لغته الأمّ الكرديّة، وحاليًا هناك المئات من الشعراء والشاعرات الكرد ممن يكتبون القصيدة الحرة أو قصيدة النثر، ومن هؤلاء الشعراء والشاعرات من يكتب باللغة الكردية والعربية، أو اللغة الكردية والتركية، أو اللغة الكردية والفارسية... يعنى هم ثنائيو اللغة.
وأكد أن الأدب الكردى متنوع الخصائص والمصادر، فهناك الأصل الجذر الكردي، وهناك تأثر بالأدب العربى والتركى والفارسي، وعبر ذلك عن نفسه النصوص الشعرية والروائية الكردية، سواء المكتوبة بالكردية أو باللغات العربية والتركية والفارسية، ما يعنى أن الأدب الكردى متنوع ومنفتح ومتعدد اللغات والثقافات.
وأضاف، ورغم أن الكرد هم أقرب إلى العرب من الأتراك والفرس، ورغم أن الكرد حكموا يومًا ما مصر والشام، إلا أن هناك جهلا كبيرا فى الأوساط النقدية العربية بالأدب الكردي، شعرًا ونثرًا، ليس فقط جهل بالأدب المكتوب باللغة الكردية، بل أيضًا بالأدب الكردى المكتوب باللغة العربية، وهناك أدباء كرد كتبوا بالعربية وفازوا بجوائز أدبية عربية، فى الرواية والشعر والقصة، على سبيل الذكر لا الحصر ومنهم حيدر هورو، عبدالباقى اليوسف، وآخرين، إلاّ أن الأدب الكردى ما زال قارة كبيرة ومجهولة أمام الناقد العربي، فما بالك بالقارئ العربي.
وعن الإشكاليات التى تقابل حركة الترجمة من الكردية إلى العربية، أوضح «إوسي» قائلا: «أعتقد أن هناك مشكلة فى الترجمة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، المركز القومى للترجمة فى مصر، ترجم عن ٣٥ لغة، ولكن لا يوجد هناك ترجمات عن اللغة الكردية! وهذا مثال على ما هو حاصل فى مصر، فما بالكم فى سوريا وإيران وتركيا، التى كانت تحكمها أنظمة تضطهد الأكراد، وتقمع الثقافة الكردية وتحظر استخدام اللغة الكردية، وللعلم الثقافة الكردية لم تكن ممنوعة فى مصر، وكانت هناك إذاعة كردية على زمن جمال عبدالناصر سنة ١٩٥٦ تبث من القاهرة لمدة ساعة كل يوم، عمل فيها الرئيس العراقى السابق فؤاد معصوم».
وعن كيف يمكن للأدب الكردى أن يتحدى كل تلك الصعاب سواء المتعلقة بالنشر أو الترجمة، لا سيما فى عصر الثورة المعلوماتية واعتبار اللغة الكردية من أهم ١٠ لغات فى العالم، قال «إوسي»: «إن الأدب الكردى منفتح على اللغة العربية والثقافة العربية والهموم العربية أيضًا، ولكن الدور على حركة الترجمة والنقد العربى أن تنفتح على الكردي. الصعوبات التى يعانى منها الأدب الكردى لا حصر لها، ومع ذلك الأدب الكردى مستمر، لأن هناك شعبا حيا ومقاوما ومظلوما اسمه الشعب الكردي، رغم كل هذه الصعوبات، حاول الأدب الكردى شعرًا ونثرًا الوصول إلى القارئ العربي، ولكن مع الأسف، هناك تجاهل كبير وغريب ومؤسف من حركة الترجمة من اللغة الكردية إلى اللغة العربية، بل وهناك تجاهل غريب ومؤسف لحركة النقد العربى حتى للأدب الكردى المكتوب بالعربية أيضًا، فالناقد هنا، ليس بحاجة إلى ترجمة، لأن الأديب الكردى قدّم نفسه وهمومه وقضيته وأفكاره وآلامه إلى القارئ والناقد العربى بلغة الضاد».
وعن الوضع الراهن بشأن الهجوم التركى الغاشم على الأراضى السورية، قال: «أنا فى حالة حرب ومغول وتتار العصر يهاجمون ويقتلون أهلي، ومن الواجب على كل مثقف وطنى سوري، عربي، كردي، سرياني، أن يرفع صوته ضد الحرب وضد زج الشباب السورى فى حرب أردوغان العمياء والعبثية على الكرد، وضرورة التوقف عن تكرار أكذوبة «أردوغان» وحربه على الإرهاب، هذه حرب «أردوغان» على الكرد وليست حرب العرب، سوريين وغير سوريين.
وإذا كان الدم السورى يجب أن يراق، «وأنا ضد إراقة كل قطرة دم فى سوريا وخارجها»، فيجب أن يراق فى المكان الصحيح، أوقفوا استثمار «أردوغان» للدم السورى وللاجئين السوريين، ضد أوروبا، وضد السوريين أنفسهم».
مؤكدًا أن الشعب السورى ليس رخيصًا لهذه الدرجة حتى يتحول إلى حطب ووقود حروب «عار-دوغان»، فكانت «روجافا» شمال سوريا، خط الدفاع الأول عن السعودية ومصر فى مواجهة التهديدات والأطماع التركية فى المنطقة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الأدب الكردي".. طاقات كبيرة في مواجهة التهميش والقمع

يُعد «عرب شمو» الأب الروحى للأدب الكردى والرواية الكردية، بزغ نجمه ولمعانه فى سماء الأدب، وهو الذى أضاء الطريق نحو فجر جديد أمام الأدب الكردى وشق نحو الانتشار فى عالم مليء بالاضطهاد.
وُلِدَ عرب شمو فى عام ١٨٩٧، فى قرية «سوزه» الواقعة فى مقاطعة «قارس» فى كردستان تركيا، التى احتلتها القوات الروسية لفترة من الزمن، وينتمى إلى أسرة أحد شيوخ الإيزيديين واسمه الحقيقى «عرب شمس الدين شامل»، ونظرًا للظروف القاسية التى كانت تمر بها أسرته اضطر فى صباه للعمل فى عدة أعمال ومهن مختلفة؛ فقد بدأ حياته العملية راعيًا للماشية عند الأغوات الكرد والأثرياء الأرمن الأتراك، ثم عمل أجيرًا فى أحد المعامل؛ ورغم ذلك استطاع أن ينال قسطًا من التعليم ويكمل دراسته الأولية، وتعلم اللغة الروسية إلى جانب اللغات التى كان يعرفها «الكردية، التركية، الأرمينية، اليونانية، الجورجية، الآذرية»، ونتيجة لممارسات السلطة العثمانية اضطر للهجرة إلى أرمينيا، التى كانت جزءًا من الاستعمار السوفيتى آنذاك، وهناك التقى عرب شمو بإسحاق مارغالوف، وعملا على إعداد أبجدية كردية «حروف لاتينية».
وفى العام ١٩٢٨، أنهوا إعداد الحروف اللاتينية، وفى العام ١٩٢٩ ألفوا أول كتاب بالكردية اللاتينية، بعنوان «تعلم القراءة والكتابة باللغة الكردية»، أو «علم نفسك بنفسك اللغة الكردية»، ويعتبر من أهم مؤسسى صحيفة «الطريق الجديد».
ومن أعمال عرب شمو رواية «الراعى الكردي»، وهى أول رواية له طبعت فى العام ١٩٣٠ على يد إسحاق مارغالوف وفى العام ١٩٣٥، طبعت مجددًا من قبل دار النشر الحكومى فى جورجيا، كما قام أ. أوستروغوسيكا بترجمة الرواية إلى اللغة الروسية، وتُرجمت من الروسية إلى الفرنسية من قِبل باسيلى نيكتين، أما الترجمة من الفرنسية إلى الكردية فكانت على يد نور الدين زازا، ومسرحية «الراهب المزيف»، ورواية «الفجر»، و«دمدم»، ورواية «طريق السعادة»، وترجمت أعماله إلى عدد كبير من اللغات.
ــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«ممو وزين».. الأسطورة الرومانسية للشاعر أحمد خاني

تُعد «ممو وزين» من روائع الأدب الكردى التى ظهرت فى القرن السابع عشر، وهى ملحمة تحكى عن قصة حب نبتت فى الأرض وأينعت فى السماء، للشاعر الكبير أحمد خاني، والذى يُعد من أهم رواد الشعر الكردي.
«تعال أیها الساقى فاملأ هذا الجام خمرًا، املأه من تلك الخمرة الوردیة التى اعتصرت من جنى الروح، واستخلصت من ذوب سر القلوب، ثم اسقنیها من شفاه كئوسك الدریة المجوهرة أقداحًا إثر أقداح، اسقنیها، نشوة تهیج منى فؤادى الغافى وتسكر عقلى الحیران».
ولد أحمد خانى فى مدينة «بايزيد» فى كوردستان تركيا عام ١٦٥٠، وهو يعتبر واحدًا من علماء الأكراد الذين برعوا فى علوم الفقه والفلسفة والتصوف والأدب، وتلقى علومه فى الكتاتيب والجوامع على أيدى شيوخ زمانه، وظهرت عليه معالم النبوغ والعبقرية فى سن مبكرة، وهو لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره، وقام بزيارة العديد من المدن، مثل الآستانة واسطنبول ودمشق، ومصر، واطلع على العديد من العلوم فى مجال الأدب والشعر والفقه والتصوف والفلسفة، فذاعت شهرته مقرونة بالثقافة الواسعة والمعرفة العميقة فى الأمور الأدبية والفلسفية والدينية.
وفى هذه الفترة من التاريخ التى لم تختلف كثيرًا عن الوضع الراهن، فكانت كردستان ملعبًا من ملاعب الصراع بين الدولة العثمانية، والدولة الصفوية، اللتين قسمتاها بينهما، وراحت كل منهما تحاول أن تضم الإمارة الكردية؛ حيث كانت الدماء الكردية تراق، وكان خانى يتأمل هذا الوضع المتردى ويقلبه على كل أوجهه وتفاعل معه، وانفعاله به كان من أهم عوامل تكوينه الفكري.