السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

برنامج العين الزرقاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يهدف أى برنامج من برامج العمل المعتمدة للموارد البشرية إلى الاستغناء عنها، بل إن التعامل معها يجب أن يكون على أساس أنها ثروة وتشير كلمة «ثروة» إلى عدد من المدلولات المهمة منها أنها مكسب على طول وجودها لأنها ثروة، وأنها تحتاج لاستثمارها إذ تكون كل ثروة معرضة للنفاد إذا لم تستثمر، ولم تتحول لعدد من المشاريع العاملة فى مجالاتها المناسبة، وبما أن البشر كائنات تتكيف بشكل مدهش فإن الثروة البشرية يجب أن تخضع لتدريبات بشكل مناسب لكل منها حتى تتكيف مع كل جديد بشكل ينتج منتجات جديدة تعبر عن التوأمة مع البيئة بتغييراتها المختلفة

لذا تحتاج إدارات العلاقات العامة فى أية مجال لملف كامل عن كل موظف من الموظفين، حتى أنها قد تحتاج لزرع أحد موظفيها بين أفراد كل إدارة حتى يتعرف على عاداتهم الشخصية وحالتهم المزاجية فى أحوال العمل المختلفة إذ يعد الهدف الكبير لأية جهة عمل هو الإنتاج الجيد المتضاعف مع منتِج سعيد، وهذه السعادة لا تأتى من تلقاء نفسها

أنفق العالم على التدريب ٣٠٠ مليار دولار سنويًا، منها حوالى ١٥٢ مليار دولار لتدريب الموظفين فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ويبلغ حجم الإنفاق على التدريب فى المؤسسات العالمية غير العربية ٣٪، بينما يبلغ فى نظيرتها العربية ٠.٢٥٪ وهو رقم غير مرضٍ وقليل مقارنة بعدد الأفراد العاملين فى العالم، إذ لو فكرنا فى حاجة كل فرد للخضوع للتدريب فى عالم شديد وسريع التغير، فكيف يبقى عاملًا واحدًا بلا تدريب، بل إن هذا التدريب يجب أن يكون بصفة دورية، وطارئة معًا.

ينزعج مخططو التدريب كثيرًا من غياب دراسات فعلية عن حجم خطوات التدريب وتنفيذه فى الأسواق، إذ ما زالت هذه الأمور تعتمد على الجهود الشخصية، وهو سلاح ذو حدين، إذ يصبح من الجيد جدًا لممارس العلاقات العامة أن يتصرف بغير قيود رقمية تحاسبه بشكل غير مباشر، كأن تقول له إن له سقفًا أدنى وأعلى للإنفاق أو لاتساع دائرة التدريب بناءً على خبرات سابقة لشركات تعلن فى دراسات، فالمعروف أن العلاقات العامة علم وفن إعلامى؛ لأنها تعتمد فى جانب كبير منها على الإبداع وإطلاق طاقات الإبداع لدى من تقوم عليه، كما نرى فى برامج صناعة النجوم وتجهيز المرشحين للانتخابات المختلفة، بل وحتى مربعات الحوار الذكية التى تتحدث معك أثناء تفاعلك على مواقع الشركات المختلفة وتجيب على أسئلتك

إننا بحاجة لخلق ثقافة جديدة للتعامل مع هذا التدريب، كما يدعو لذلك العديد من الخبراء، إذ إن الدولار الواحد الذى ينفق على التدريب يعود بحوالى ٣٠ دولارًا عندما ينطلق المتدرب تفاعليًا مطبقًا الجديد الذى تدرب عليه، لكننا نواجه هنا بمشكلة أن الموظفين يعتبرون التدريب مجرد إجازة أو سفرة للاستجمام، ويعودون دون أدنى محاولة لتطبيق ما تدربوا عليه، وهنا يقترح البعض الاستغناء عن الموظف الذى لا يستجيب للتدريب، لكن هذا يخالف قاعدة من قواعد العلاقات العامة ترى أن المال الذى يتم إنفاقه لا بد أن يفيد الشركة، وخسارة الشركة لمال التدريب مع مكافأة نهاية الخدمة وربما حقوق تأمينية تصل لمعاش شهرى يصرف للمُستغنى عنه، وربما تدخل الشركة فى نزاعات قضائية أو متخصصة مع مكتب العمل، لا تريد أية شركة الدخول فى هذه المعارك التى يعد بعضها معارك دون كيشوت مع طواحين الهواء بالفعل. لذا بحثت الشركات عن بديل عملي. فمن تدرب يجب أن يثمر تدريبه رغم كسله أو حتى امتناعه عن ذلك يخضع الأمر هنا لعقد بين الموظف والشركة، وليس لأهواء أى منهما

هنا لجأت إدارات العلاقات العامة حديثًا لما أسميناه بيننا فى العمل بشكل عُرفى «برنامج العيون الزرقاء» نسبة إلى أن الذى وضعه خبير أجنبى أزرق العينين، بدأ الأمر فى اقتحام الإدارات حديثًا بأشكال بعضها بدائي، وبعضها مبهج بدرجة مثيرة للخضوع له.

يعبر هذا البرنامج ببساطة عن خطة شديدة الشخصية قدر الإمكان تضعها إدارة العلاقات العامة لكل موظف على حدة بحيث يضاف لشبكة الكمبيوتر الداخلية فى الشركة عدد من الأوامر الخاصة بجهاز الحاسب الذى يستخدمه هذا الموظف أو يستخدمه زميل له فى ذات الغرفة التى يعمل بها.

تبدأ هذه الأوامر بأشياء مبهجة شخصيًا للموظف كأن يرسل أوامر لجهاز قهوة يعد له قهوته بعد نصف ساعة مثلًا – هى المدة التى يستغرقها ذهابه للعمل- أو يرسل لجهاز حاسوبه لتجهيز جدول الأعمال، أو حتى يدخل فى معرض مصغر لأثاث الشركة ليدخل بعض التغييرات على أثاثه المكتبى هناك، كل هذا عبر التحكم عن بعض بواسطة تقنية الشبكات العصبية التى تحاكى شخصية كل موظف على حدة، وتتصرف كأنها جهازه العصبى الذى يوصل الأوامر من المخ لبقية الجسد والعكس، لذا قد تفاجئه ببعض الأشياء التى تتناسب مع شخصيته منفردة، فهو يخزن بيانات عن كل تصرفاته خلال العمل، ومن ثم يعرف ما سيفعله بشكل آلى ويقدمه له، سواء كان ذلك مذكرة عمل من نوع ما يقدمها له فى الوقت المناسب أو يذكره بها لو نسيها، أو حتى فعلًا ترفيهيًا مثل طلب بار شيكولاتة تحب طلبه بعد نوع معين من واجبات العمل كمفاجأة لك، وفى نهاية اليوم تقدم لك تقييمًا لأدائك اليومى بنسبة مئوية وتقدير واضح

إن هذه التقنية يتم تغذيتها ضمن ما تُغذى به بمجال ومضمون تدريب كل موظف، وتطالبه بالمهام التى يجب عليه إنجازها بناءً على خضوعه للتدريب، وتلح عليه فى ذلك وتكافئه على أدائها بطريقته المفضلة فى مكافأة نفسه وفقًا لمضاهاتها لأسلوب حياته المفضل فى العمل.

تستطيع العين الزرقاء أن تكون رفيق عمل يسعدك، لكنها لن تلغى أبدًا دور الإدارة التى ترى دائمًا أهداف المؤسسة الكبرى، وما تريد أن تصل له على المدى البعيد، تلك الرؤية التى تجعل من كل موظف ترسًا من تروس ساعة يجب ألا تؤخر ثانية واحدة عن ركب التقدم الإنتاجي، لكننى كأحد الأفراد الذى ساهموا فى تصميم برنامج على هذا النحو أحببت نتائجه جدًا وأتوقع لو تم تعميمه أن يعود الدولار بأكثر من ثلاثين دولارًا، كما ذكرنا آنفًا- لا سيما وأنه يعتمد فى جانب كبير منه على صناعة البرمجيات التى لا تكلف شيئًا حتى أنها تُُسمى فى السوق بصناعة الـ Zero Coast وباقى التكاليف ستكون قليلة جدًا مقارنة بالتقدم الكبير نسبيًا فى الإنتاج.