الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

صراع خفي.. لماذا تستمر الصين في استيراد النفط الإيراني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فشلت قمة العشرين التى استضافتها مدينة أوساكا اليابانية ومحادثات فيينا فى ٢٧ - ٢٨ يونيو لعام ٢٠١٩، فى تخفيف حدة التوتر الموجود بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على خلفية الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى مع دول (٥+١)، وما ترتب عليه من تداعيات سلبية بالنسبة للاقتصاد الإيراني. لكن تتمسك دول مثل الصين وروسيا فى دعم إيران، رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وتستمر الصين فى شراء النفط الإيراني، فى طريق آخر للالتفاف على العقوبات الأمريكية وتحدى واشنطن، على خلفية الحرب التجارية الدائرة بين الطرفين. كما تعد مبيعات النفط الإيرانى لدول مثل روسيا والصين جزءًا كبيرًا من جهود إيران لمقاومة حملة «الضغوط الكبيرة» للعقوبات المالية التى أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها من خطة العمل المشتركة الشاملة.
وأشار بعض الباحثين إلى دوافع استمرار بكين فى استيراد النفط الإيرانى التى تتمثل فى؛ انخفاض سعره وتوافره بالكميات المطلوبة، وتحدى الصين لواشنطن فى إطار الحرب التجارية فيما بينهما، فضلًا عن سعى بكين لتكون أحد الأطراف الفاعلة داخل الساحة السياسية والاقتصادية فى الشرق الأوسط.
أولًا: انخفاض سعر النفط الإيرانى وتوافره
حاولت طهران بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى مع دول (٥+١) الحفاظ على المشتريين الحاليين للنفط، سيما تلك القادرين على تحدى الولايات المتحدة الأمريكية والمستوردين لكميات كبيرة من موارد الطاقة المتاحة لديها بعد فرض الحزمة الثالثة من العقوبات الأمريكية على مبيعات النفط الإيرانى مما أدى تصفير صادراته وتدهور الوضع الاقتصادي. كما قامت الإدارة الأمريكية الحالية بسحب الإعفاءات الممنوحة لثمانى دول تمثلت فى (الصين، الهند، اليابان، تركيا، إيطاليا، اليونان، كوريا الجنوبية وتايوان)، التى كان مسموح لها بتجارة النفط مع طهران.
وتنتج الجمهورية الإيرانية الإسلامية ما يعادل ٢.٥ مليون برميل نفط يوميًا، وعليه اضطرت طهران لتخفيض سعر النفط، فضلًا عن المساهمة فى نقله بكل السبل الممكنة إلى الدول المستوردة له، على خلفية انخفاض صادرات إيران من النفط الخام انخفاضًا كبيرًا فى مايو ٢٠١٩ مقارنة بشهر أبريل من العام ذاته، كما أن الهبوط كان بنسبة كبيرة وصلت إلى أكثر من مليونى برميل فى اليوم الواحد.
واضطرت طهران لاتخاذ بعض الإجراءات اللازمة لحماية صادراتها النفطية مثل تخفيض السعر وتسهيل التعاملات التجارية مع الدول المستوردة له؛ على خلفية الأهمية الكبيرة التى يحتلها النفط كمصدر مهم من مصادر الدخل القومى الإيراني. كما بدأت فئات كثيرة داخل المجتمع الإيرانى فى تصدير شعورها بالضيق نتيجة الارتفاع الكبير فى أسعار بعض المنتجات الأساسية وعلى رأسها الأدوية نتيجة ارتفاع سعر الدولار فى مقابل العملة الإيرانية (الريال) الذى انخفضت قيمته بنسبة كبيرة خلال الأشهر الأولى من عام ٢٠١٩.
ثانيًا: الحرب التجارية بين واشنطن وبكين
تخوض الولايات المتحدة الأمريكية حربًا اقتصادية مع أكثر من دولة تتمثل فى روسيا، إيران، تركيا لكن على رأس هؤلاء توجد الصين؛ حيث بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبكين على خلفية إعلان واشنطن فرض رسوم جمركية على عدد من واردات الصين إليها. كما تعتبر الصين المنافس الاقتصادى الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وتعد النموذج الأوضح لأبرز القوى الآسيوية الصاعدة، بما تسبب فى قلق كبير بالنسبة لواشنطن.
ويشير بعض المحللين إلى أن السبب الرئيسى فى الحرب الاقتصادية بين البلدين يتمثل فى تخلى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» عن نهج سلفه «باراك أوباما» فيما يتعلق بالاقتصاد العالمى القائم على التعددية وتحرير التجارة العالمية، ومن ثم يعتبر «ترامب» واشنطن الصين خطرًا يهدد اقتصادها على المدى المتوسط والطويل.
وبدأت الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألومنيوم القادم لواشنطن من الصين؛ حيث تم فرض ٢٥٪ على واردات الحديد و١٠٪ على الألومنيوم، فضلًا عن فرض رسوم جمركية على واردات بضائع صينية تتخطى قيمتها الـ ٦٠ بليون دولار كوسيلة للحد من الاستثمار الصينى داخل الولايات المتحدة الأمريكية. كما تعد الرسوم الجمركية فرص للانتقام من الصين على خلفية السرقة الفكرية والعلمية التى تقوم بها بكين فيما يتعلق بالمنتجات الأمريكية فى مجال التقنيات والتكنولوجيا.
ثالثًا: رغبة بكين فى تعزيز نفوذها بالشرق الأوسط
تحتاج الصين إلى الشرق الأوسط فى الفترات المقبلة بصورة كبيرة على عدد من الأصعدة؛ يتمثل أهمها فى الحفاظ على التدفق النفطى اللازم للنمو الاقتصادى المتزايد لدى بكين، فضلًا عن رغبتها فى وجود دور سياسى فى منطقة قيد التشكل من جديد، خاصًة فى ظل التنافس الروسى الأمريكى فيما يتعلق بإحكام السيطرة على أكبر عدد من دول هذه المنطقة.
فى السياق ذاته، يشير عدد من المحللين إلى أفول القوة الأمريكية، أو بمعنى آخر تراجع مصادر هذه القوة بما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها على المستوى الدولي، الأمر الذى من شأنه أن يخلق فراغًا كبيرًا بالطبع ستسعى دول أخرى صاعدة لمحاولة ردئه يأتى على رأسها الهند، الصين وروسيا؛ حيث ظلت القوى الغربية هى المسيطرة على العالم خلال السبعين عامًا اللاحقة على الحرب العالمية الثانية، وظهر ذلك لدى فرنسا، بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية. وتآكلت هذه المكانة مع ظهور الاتحاد السوفيتى فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، لكن سرعان ما تراجع ذلك وعادت القوى الغربية إلى مكانتها.
ومع أحداث الربيع العربى فى عام ٢٠١١ انقسم الرأى العام الأمريكى حول جدوى التدخل فى أزمات الشرق الأوسط، سيما فى الأزمة السورية، كما صوت مجلس العموم البريطانى ضد تدخل بلاده فى أى عمل عسكرى داخل سوريا مما جعل الفرصة سانحة لتدخل دول مثل روسيا والصين التى وجدت فى الشرق الأوسط مجالًا لإبراز قدرتها السياسية والعسكرية وبالفعل بدأت بعض دول المنطقة وعلى رأسها الدول الخليجية فى تقوية علاقاتها بهذه القوى الصاعدة، سيما فيما يتعلق بالمجال الاقتصادى والتكنولوجى الذى من شأنه أن يؤدى فيما بعد إلى تعاون سياسي.
من ناحية أخرى، تمتلك الصين الشعبية عددًا كبيرًا من المقومات اللازمة لتصبح بمثابة قوة كبرى منافسة للولايات المتحدة الأمريكية؛ فبالنظر إلى القوة البشرية، يبلغ عدد سكان الصين ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون نسمة بما يوازى أربعة أضعاف سكان واشنطن، كما تتمتع بكين بحدود جيوسياسية مهمة؛ تجاور روسيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتى سابقًا من الشمال، أفغانستان وباكستان من ناحية الغرب، واليابان من جهة الشرق، بورما وتايلاند من الجنوب، كما تحظى الصين بالمرتبة الثانية من حيث الإنفاق العسكرى بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وترغب الصين فى الحفاظ على العلاقة الوثيقة التى تربطها ببعض دول الشرق الأوسط وأبرزها إيران؛ حيث عارضت بكين فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب على طهران سيما فيما يتعلق بمجال موارد الطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص.
كما تحاول من ناحية أخرى إبراز قدراتها المتصاعدة فى المجال الاقتصادى فى خضم المنافسة الشرسة والحرب التجارية الجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. بالتزامن مع رغبة دول الشرق الأوسط أيضًا فى التقرب من الصين، خاصًة فى ظل الاستراتيجية المتبعة بعدم التدخل فى شئون الدول الأخرى، على العكس تمامًا من السياسة التى تتبعها واشنطن فى المنطقة، لذا، تحاول الإدارة الأمريكية الحالية الحد من النجاح الصينى على الصعيد التكنولوجى والاقتصادي.