بين حين وآخر يطل علينا عمل إبداعى جديد يُثبت لنا أن الشرق مولد الحكاية، ومهد نشأتها، فالعالم أجمع يعرف حكايات «ألف ليلة وليلة» التى دارت أحداثها فى الشرق، والتى عُرفت بأنها أصل نشأة الواقعية السحرية، وكان فى مقدمة حكاياتها قصة علاء الدين والمصباح السحري، التى كانت مقررة على تلاميذ المدارس فى مصر فى مرحلة التعليم الأساسى فترة التسعينيات من القرن الماضي؛ تلك الحكاية التى انطلقت من الشرق لتطوف جميع أنحاء العالم، وبطبيعة الحال لم تكن السينما بمعزل عن هذه الحكايات، وتلقفتها وقدمتها فى أكثر من قالب، ومنها قالب الرسوم المتحركة، حيث قدمت السينما الأمريكية فى العام 1992 من إنتاج استوديوهات والت ديزنى فيلم «علاء الدين»، الذى تُبنى العديد من أحداثه وشخصياته على نسخة عام 1940 من فيلم لص بغداد، عدا بعض التعديلات فى القصة.
فالفيلم الذى أُنتج فى 25 نوفمبر 1992، تدور قصته الكلاسيكية الشهيرة، حول طفل شوارع «علاء الدين»، يجوب طرقات مدينة كبيرة مزدحمة مع صديقه القرد «آبو»، فيصادف فى سوق المدينة الأميرة «ياسمين» التى قررت الفرار من قصر والدها السلطان رفضًا لإرغامها على الزواج وتقع فى غرامه بعد أن أنقذها من الموت، لكنه يذهب إلى السجن ويتورط فى مؤامرة لحُكم الأرض من تخطيط مستشار السلطان ووزيره «جعفر»، من خلال المصباح العجيب الذى يسكنه الجنى صاحب القوى الخارقة، والذى يتوجب عليه جلبه من كهف الأسرار. وكان من أنجح أفلام ذلك العام وحصل على ما يزيد على 217 مليون دولار فى إيرادات الولايات المتحدة، وأكثر من 504 ملايين دولار فى جميع أنحاء العالم، ليكون امتدادًا للحقبة المعروفة باسم نهضة ديزني، والذى أعقبه العديد من الأفلام التى تستلهم روح الحكاية وتقوم على موضوعها الرئيسى، حيث ظهر عام 1994 فيلم عودة جعفر، وعلاء الدين وملك اللصوص عام 1996، وبين الفيلمين مسلسل رسوم متحركة تليفزيونى يحمل نفس اسم الفيلم الأصلي.
ورغم الشهرة التى تحظى بها القصة حول العالم إلا أن السينما الأمريكية قدمتها مرة أخرى مايو الماضي، في فيلم هو الأشهر لعام 2019، من إنتاج أفلام والت ديزنى أيضًا، وتوزيع والت ديزنى أنيميشن ستوديوز، واعتمد الفيلم على الاستعراضات والغناء بشكل أكبر التى أضفت مزيدًا من الإبهار على أحداث القصة التى لم تختلف كثيرًا فى مجمل أحداثها عن قصة فيلم الرسوم المتحركة، ففيلم الرسوم المتحركة يبدأ بعرض أحد التُجار العرب ما لديه من تحف ومقتنيات كان من بينها مصباح علاء الدين الذى كان يسكنه الجني، والذى تحول لقطعة خردة لا قيمة لها بعد أن حرر علاء الدين هذا الجنى متنازلًا عن أمنيته الأخيرة. بينما فى فيلم علاء الدين نسخة 2019، بطولة الممثل الأمريكى ومغنى الراب ويل سميث، فى دور الجنى وراوى الحكاية، والممثل الكندى لأصل مصرى مينا مسعود فى دور علاء، والفنانة البريطانية نعومى جريس فى دور الأميرة ياسمين، والفنان الهولندى التونسى مروان كنزارى فى دور جعفر، يبدأ ويل سميث فى حكى القصة وهو يسبح بسفينة صغيرة مع أسرته فى أحد المحيطات ينعم بالهدوء والسكينة، ويستعرض أحداث القصة وتفاصيلها المختلفة إلى أن يصل إلى الختام فنكتشف أنه هو ذاته جنى المصباح الذى حرره علاء الدين فقرر أن يتزوج داليا وصيفة الأميرة ياسمين والتى أدت دورها الفنانة الإيرانية الأمريكية نسيم بيدراد.
وبعد أيام قليلة من عرضه استطاع فيلم Aladdin الذى جاء فى 128 دقيقة، وتم تصويره فى المملكة المتّحدة والأردن أن يُحقق إيرادات فى شباك تذاكر السينما العالمية وصلت إلى 462 مليون دولار أمريكى حول العالم، وعقب إطلاقه فى الولايات المتحدة فى 24 مايو الماضى تلقى استقبالًا إيجابيًا من المشاهدين، إضافة إلى انبهار جمهور العالم العربي، ومن الملاحظ أن موسيقى الفيلم اختلفت عن تلك التى جاءت فى نسخة الرسوم المتحركة 1992، وهو ما أضفى بعدًا جديدًا على الفيلم الذى علقت موسيقاه القديمة فى أذهان الجماهير منذ تسعينيات القرن الماضي، إضافة لذلك بعض التغييرات الجوهرية فى شخصية جعفر والتى اختلفت بين فيلم الرسوم المتحركة والفيلم الحالي، إضافة إلى استحداث شخصية داليا وصيفة الأميرة ياسمين والتى غيرت مجرى أحداث القصة، وبالتالى تغيرت نهايتها، كما استحدث «غاى ريتشي»، مخرج الفيلم والكاتب «جون أوغست» حكاية زواج داليا من الجنى لتنتهى القصة فى جو أقرب إلى الواقعية بعيدًا عن جو الكوميديا والفنتازيا التى صاحبت الفيلم منذ بدايته.
