الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

ماركيز.. عاش ليروي

جابرييل جارسيا ماركيز
جابرييل جارسيا ماركيز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تبقى الحكايات الساحرة التي نسجتها أحرف الروائي الكولومبي الأشهر جابرييل جارسيا ماركيز كأيقونة متفردة في الأدب العالمي، فقد ترك "جابو" للعالم حكايات قد لا تكفي مائة عام من العزلة لقراءتها، لكنها في الوقت نفسه دفعت شعور قارئه إلى الحب في زمن الكوليرا، وتحدث عن اختيارات الحياة التي جعلت الجنرال في متاهة، وكان قد بلغ من الكبر ما يكفي ليروى عن ذكرى عاهراته الحزينات، قبل أن يضم ما رآه كل، ويجلس إلى قارئه قائلًا "عشت لأروي". هو ذلك الرجل الثائر، الذي وقف ضد أطماع الإمبريالية العالمية، وصادق زعماء النضال في العالم، فكان رفيقًا لـ"فيدل كاسترو"، وصديقًا لـ"ياسر عرفات"، وأعلن معارضته العلنية لكافة الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وُلد جابو في بلدة أراكاتاكا بمقاطعة ماجدالينا الكولومبية، في التاسعة من صباح الأحد السادس من مارس عام 1927، لأب مكافح هو جابرييل إيليخيو، وأمه لويسا سانتياجا ماركيز إجواران، وكان الفتى "قدم السعد" على والده كما يُقال، حيث انتقل والده إلى العمل صيدلانيًا، بعد أن بدأ حياته كعامل تلغراف، وفي يناير من عام 1929، انتقل والداه إلى بارانكويلا، ليُصبح الفتى في رعاية جديه لأمه، وتأثر الفتى كثيرًا بجده العقيد ماركيز، الذي عاش معه خلال السنوات الأولى من حياته، والذي اشتُهر برفضه السكوت عن مذبحة إضراب عمال مزارع الموز، وهو الحدث الذي أدى إلى وفاة المئات من المزارعين على يد القوات المسلحة الكولومبية في 6 ديسمبر عام 1928، خلال إضراب عمال مزارع الموز، والذي عكسه جابرييل فيما بعد في روايته "مائة عام من العزلة".
تم إرسال الفتى إلى مدرسة داخلية في بارانكويلا، وهو ميناء عند مصب نهر ماجدالينا، واشتهر هناك كونه صبيًا خجولًا كان يكتب قصائدً ساخرة وكان يرسم رسومًا هزلية، ولقب بـ"العجوز" بين زملائه لكونه شخصًا جادًا، وقليل الاهتمام بالأنشطة الرياضية، وسرعان ما اجتاز المراحل الأولى من الدراسة الثانوية في المدرسة اليسوعية سان خوسيه- التي تعرف حاليًا بمعهد سان خوسيه- ونشر قصائده الأولى في المجلة المدرسية الشباب، وأكمل دراسته في بوجاتا بفضل المنحة التي حصل عليها من الحكومة، واستقر من جديد في المدرسة الثانوية في بلدة على بعد ساعة من العاصمة، حيث اختتم دراسته الثانوية، عقب تخرجه عام 1947، انتقل إلى بوجاتا لدراسة القانون بجامعة كولومبيا الوطنية، وهناك قرأ رواية "المسخ" لفرانز كافكا، والتي ألهمته كثيرًا، وبعدها بقليل نشر قصته الأولى "الإذعان الثالث" في صحيفة الإسبكتادور في سبتمبر عام 1947، ومع ذلك استمر في دراسة القانون إرضاءً لوالده، وانتقل إلى جامعة قرطاجنة، وبدأ في العمل كمراسل لصحيفة اليونيفرسال، وفي عام 1950، ترك المحاماة ليتفرغ للصحافة، وعاد من جديد إلى بارانكويلا، ليصبح كاتب عامود، ومراسل لصحيفة إل هيرالدو. 
بدأت شهرة ماركيز العالمية عند نشره لروايته "مائة عام من العزلة" في يونيو عام 1967، وفي أسبوع واحد، بِيعت ثمانية آلاف نسخة، ووصلت مبيعات الرواية إلى نصف مليون نسخة خلال ثلاث سنوات، كما تم ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة، وحازت أربع جوائز دولية، وفي عام 1969 حصل على جائزة كيانشانو عن هذه الرواية، والتي اعُتبرت "أفضل كتاب أجنبي" في فرنسا، وفي عام 1970، نشرت الرواية باللغة الإنجليزية واخُتيرت كواحدة من أفضل 12 كتابًا في الولايات المتحدة في هذا العام، وبعدها بسنتين، حصل على جائزة رومولو جايجوس وجائزة نيوستاد الدولية للأدب، وفي عام 1971 قام ماريو بارجاس يوسا بنشر كتاب عن حياة وأعمال ماركيز. واستثمارًا لهذا النجاح قرر أن يكتب عن ديكتاتور، وانتقل مع أسرته إلى مدينة برشلونة بإسبانيا، حيث أمضى حياته تحت حكم الجنرال فرانكو في سنواته الأخيرة.
أدت شعبية كتابات ماركيز إلى تكوينه صداقات عدة مع زعماء العالم، ومنهم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إضافة إلى توافقه مع الجماعات الثورية في أمريكا اللاتينية وخصوصًا في الستينات والسبعينات من القرن العشرين؛ وإضافة إلى شهرته الواسعة التي اكتسبها من مؤلفاته، جاءت وجهة نظره تجاه الإمبريالية الأمريكية لتؤدي إلى اعتباره شخصًا مخربًا، ولسنوات عدة تم رفض إعطاءه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، وبعد انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة، تم رفع الحظر المفروض عليه بعد أن أكد كلينتون أن "مائة عام من العزلة" هي روايته المفضلة.
اعتبر العديد ماركيز أشهر كُتاب الواقعية السحرية، ورغم أن العديد من كتاباته تحوي عناصر شديدة الارتباط بذلك الأسلوب، إلا أن كتاباته متنوعة بحيث يصعب تصنيفها ككل بأنها تنتمي إلى ذلك الأسلوب، مثل "حكاية موت معلن" التي تحكي قصة ثأر مسجلة في الصحف، و" الحب في زمن الكوليرا" الذي يحكي قصة الحب بين والديه، كذلك تروي "مائة عام من العزلة" قصة قرية معزولة في أمريكا الجنوبية تحدث فيها أحداث غريبة، ولم تكن هذه الروابة مميزة لاستخدامها السحر الواقعي فحسب، ولكن للاستخدام الرائع للغة الإسبانية، حيث دائمًا ما ينظر إلى الرواية عندما تُناقش على أنها تصف عصورًا من حياة عائلة كبيرة ومعقدة، وقد كتب أيضًا سيرة سيمون دو بوليفار في رواية "الجنرال في متاهة"، و"ذكرى عاهراتي الحزينات" التي تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية، والأم الكبيرة؛ كما أصدر مذكراته بكتاب بعنوان "عشت لأروي" والتي تتناول سيرته الذاتية في جزئها الأول من ثلاثة وكان للكتاب مبيعات ضخمة في عالم الكتب الإسبانية، ونشرت ترجمتها الإنجليزية عام 2003.
نال جابو، وهو لقبه الأثير، جائزة نوبل في الآداب عام 1982 من الأكاديمية السويدية والتي وصفت أعماله بأنها "تجمع بين الخيال والواقع في عالم هادئ غني بالخيال، مما يعكس الحياة والنزاعات داخل القارة الأمريكية اللاتينية"؛ كما نال العديد من الجوائز العالمية الأخرى منها جائزة الرواية عن "في ساعة نحس"، الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة كولومبيا في نيويورك، جائزة رومولو جايجوس عن روايته "مائة عام من العزلة"، وسام جوقة الشرف الفرنسية، وسام النسر الأزتيك في المكسيك، جائزة مرور أربعين عامًا على تأسيس جروب بارانكويلا للصحفيين في بوجاتا، عضو شرفي في معهد كارو وكويربو في بوجاتا؛ كما قامت الحكومة الكولومبية في عام 2010 بإعادة بناء منزله حيث وُلد في أراكاتاكا، والذي تم هدمه منذ قرابة الأربعين عامًا، وافتتحت به متحف مخصص لذكراه مع أكثر من أربعة عشر غرفة مُمثلة للبيئة التي قضى بها طفولته، وتم تكريمه أيضًا بإطلاق اسمه على شوارع بعض المدن، مثل شرق لوس أنجلوس في كاليفورنيا، وفي قطاع لاس روزاس بمدريد وفي سرقسطة في إسبانيا، كذلك قامت دار النشر صندوق الثقافة الاقتصادية في المكسيك بتأسيس المركز الثقافي الذي يحمل اسمه، وتم افتتاحه عام 2008. وفي 17 أبريل عام 2014، رحل جابرييل جارسيا ماركيز عن عالمنا في العاصمة المكسيكية، تاركًا إرثًا لا ينضب من الواقعية السحرية.