الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

55 يومًا.. 4 مارس بدء الصوم الكبير للأقباط الأرثوذكس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأنها رحلة، يبدأ الأقباط الأرثوذكس الإثنين 4 مارس المقبل، أول أيام الصوم الكبير، رحلة تمتد لمدة 55 يوما، يستقل فيها الصائمون قطار محطاته أسبوعية، حيث قسمت الكنيسة ذلك الصوم أحادًا، فيبدأ بأحد الاستعداد، ثم التجربة، فالابن الضال، فالسامرية، ثم المفلوج، فالمولود أعمي، قبل الوصول لمحطة الشعانين، ارتكازا فى النهاية بأحد القيامة والعيد، وكأن الكنيسة تقودك فى ربيع روحي، فترة خزين لعلاقاتك بالله يسرى مفعوله بك طيلة العام عقب انتهاء الصوم، مقلعة من الاستعداد منتهية بالوصول إلى الأعياد.
على نهج الميلاد.. 
اختلاف مواعيد بدء الصوم بين الكنائس الشرقية والغربية
القس أرسانيوس: كل صوم يعقبه عيد.. ولكن ليس كل عيد مرتبطا بصوم
تبدأ الكنيسة الغربية الصوم الكبير دوما يوم أربعاء، أما الكنيسة الشرقية فتبدأه يوم الإثنين، ويعتمد ذلك على حسابات الكنيستين، فالكنيسة الغربية أساس الصيام يقوم على عدد الأيام وهى أربعون يومًا فقط، أما الكنيسة الشرقية فصومها يعتمد على أسابيع الصوم، حيث يندرج كل أسبوع تحت مسمى واحد.
فالكنيسة الغربية تعتمد على حساب الأيام من دون أسبوع الآلام «آخر أسبوع قبل عيد القيامة»، فيكون حاصل ضرب ستة أسابيع فى سبعة أيام تساوى 42، لذلك يبدأون الصوم يوم الأربعاء بدلًا من الإثنين ليكون المجموع 40 يوما.
أما الكنائس الشرقية، فنحن نقوم بنفس الحسابات، ولكن الصلوات قائمة على «وحدة الأسبوع» فتعطى لكل أسبوع عنوانا مثل «أسبوع شفاء الأعمى، أسبوع الابن الضال....» لذلك كان لا بدّ أن يبقى يومى الإثنين والثلاثاء من الأسبوع الأوّل ضمن الصوم، لأنّه هو «الأسبوع الأوّل من الصوم»، الأمر الذى يجعل مجموع الأيام 55 يوما.
يقول القس أرسانيوس صليب، كاهن كنيسة مار مرقس فى ملبورن، إن الأعياد فى الكنيسة القبطية الأرثوكسية، سواء السيدية الكبرى أو السيدية الصغرى أو أعياد القديسين- كمال تقسمهم الكنيسة - لا ترتبط بالأصوام، ولكن الأصوام هى التى ارتبطت دومًا بالأعياد.
ويعطى «أرسانيوس» عدة أمثلة لتوضيح الفكرة، فمثلا؛ جميع أعياد القديسين لا ترتبط بأصوام، ولا تكسر الصوم إذا جاءت فى وقت صوم، أى لا نفطر احتفالا بعيد القديس إذا جاء عيده سواء أكان ميلادا أو استشهادا فى منتصف صوم من أصوام الكنيسة.
وأوضح القس بمثال آخر؛ أنه توجد أعياد سيدية كبرى لا ترتبط بالصوم مثل عيد العنصرة الذى يأتى فى نهاية الخمسين المقدسة بعد القيامة، ويعقبه صوم الرسل - فترة الخمسين المقدسة، وهى الفترة التى لا يوجد بها أصوام نهائيًا بالكنيسة، موضحا أنه خلال تلك الفترة يأتى بها عيد الصعود تحديدًا فى يومها الأربعين من عيد القيامة وقبل العنصرة، عيد حلول الروح القدس على تلاميذ المسيح، وذلك بعشرة أيام، وذلك يوضح أن العيد لا يرتبط بصوم.
ويسترسل كاهن كنيسة ملبورن، فى وضع الأمثلة، فيقول إن عيد أحد الشعانين -حد السعف-، يصنف داخل الكنيسة عيدا سيديا كبيرا، وهو يأتى وسط الصوم الكبير الذى سيبدأ غدا، وهو أيضا عيد لا يكسر الصوم، حاله حال عيد البشارة أيضا الذى يأتى فى ٢٩ برمهات، وغالبا يكون فى وقت الصوم الكبير أيضا ولا يكسر الصوم.
ويشدد «أرسانيوس» أن جميع الأمثلة السابقة وغيرها، ترسخ لقاعدة أولى ثابتة وهي؛ «ليس كل الأعياد لها علاقة لها بالأصوام»، أما القاعدة الثانية فهى تجيب على سؤال أنه هل كل صوم يعقبه عيد، لماذا؟.
يقول «صليب»، إن الصوم عرفه الإنسان بعد الناموس، وأول مرة ذكر صوم كان لموسى النبي، وذلك عندما صام ٤٠ يومًا قبل استلام لوحى الشريعة فوق جبل سانت كاترين، إذن فالصوم ارتبط بالوصية والشريعة، فهو جهاد الإنسان ضد رغباته وشهواته، ونحن نعلم أن غاية جهادنا هو أن نتكلل فى الأبدية، وأن ذلك يعكس أن أى جهاد يعقبه فرح.
ويشير الكاهن، بأننا أحيانا نسمع عن صوم لأجل أمر ما، أو لطلب معين، فإذا تحقق الأمر كسر الصائم صومه وأكل مثلما فعل عبد إبراهيم عندما قابل بتوئيل ليطلب رفقه ابنته زوجة لإسحاق (تك ٢٤: ٣٣) وهذا ما نعمله فى أعيادنا التى تأتى عقب أصوام مثل الصوم الكبير الذى نأتى فى نهايته فى أسبوع الآلام ونطلب من المسيح الذى قبل الآلام بإرادته أن يرينا فرح قيامته فإذا تحقق طلبنا وجاء عيد القيامة نكسر صومنا ويكون عيدا.
واختتم أرسانيوس صليب بأنع توجد أنواع كثيرة من الأصوام فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكل صوم يعقبه عيد، ولكن ليس كل عيد يرتبط بالصوم أو يسبقه صوم.
رحلة الآحاد
كأنه ثلاثة فى واحد، جمعت الكنيسة بين ثلاثة أصوام فى صوم واحد، حيث أسبوع الاستعداد أو بدل السبوت، والأربعين يومًا المقدسة التى صامها السيد المسيح على الأرض صومًا انقطاعيا، وأخيرا أسبوع الآلام، ليصل إجمالى أيام الصوم متصلة 55 يوما.
وتبدأ الكنيسة من الغد رحلة روحانية، تنتقل فيها من أحد لأحد، تبدأ بالاستعداد أو الكنوز، وتنتهى بهم بعيد القيامة المجيد، ليعكس ذلك فكر الكنيسة وخطتها لخلاص نفوس أبنائها، وذلك مرورا بالآحاد التالية:
أحد الكنوز 
هو الأحد الأول فى أحاد الصوم، وسمى بذلك لأن السيد المسيح نصح فيه تلاميذه، كما نقله إنجيل متى قائلًا: «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ.. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِى السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ»، وبهذا يشجع السيد المسيح على العطاء، والرأفة بالفقراء، كما تردد الكنيسة طيلة الصوم الكبير فى مدائحها.. «طوبى للرحماء على المساكين، فإن الرحمة تحل عليهم.. والله يرحمهم فى يوم الدين ويحل المسيح بروح قدسه فيهم».
أحد التجربة والنصرة
صام السيد المسيح 40 يوما انقطاعيا، قبل أن يجربه الشيطان عقب ذلك بثلاث تجارب عن طريق شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة، وقد انتصر السيد المسيح فيها كلها ليس بقوة اللاهوت، ولكن بالمكتوب، ففى كل مرة كان يرد على التجربة قائلًا: «مكتوب... فيهزمها»، ولذلك تقدم الكنيسة القبطية السيد المسيح هذا الأحد مجربًا، كى تجعلنا ندرك أننا دوما سنكون مجربين من الشيطان، ولكن بصور مختلفة، وعلينا أن ننتصر، كما انتصر معلمنا الصالح يسوع المسيح، وهو يساعدنا على النصرة حسب قول معلمنا بولس الرسول «لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين».
أحد الابن الضال
الأحد الثالث بالصوم المقدس، ولكون الموضوع العام لقراءات الصوم الكبير هو «التوبة»، فتقدم الكنيسة بشأنه نموذج الابن الضال، الذى عاش حياته جوعا وغربة، عندما ترك أباه بعد حصوله على ميراثه واختار حياته منفردًا، وبعد معاناته قرر العودة إلى أبيه، وتقديم توبة صادقة، معترفًا بندمه أمام أبيه، الذى قبله فرحًا، وأقام له وليمة عظيمة، وهكذا يفرح الله السماوى بكل واحد يتوب ويرجع إليه، ويكون فرح عظيم فى السماء بين ملائكة الله بكل خاطئ يتوب، كما يقول إنجيل لوقا: «إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِى السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ». 
أحد السامرية أو «حد النص»
ينتصف الصوم فى الأحد الرابع، والذى تطلق عليه الكنيسة أيضا أحد الارتواء بالإنجيل، حيث بعد أن قدمت الكنيسة فى الأحد الثالث نموذجًا لرجل للتوبة، فقد قدمت فى الأحد الرابع نموذج امرأة للتوبة، التى هى أم الحياة، فيروى إنجيل يوحنا فى الإصحاح الرابع قصة المرأة السامرية، ليكن فكر الله بأن الجميع أمامه سواسيه، الرجل والمرأة، وأن كل من أخطى لديه فرصة للتوبة والعودة مجددا إلى الله.
أحد المخلع
الأحد الخامس، والذى يسمى أيضًا «أحد التشدد بالإنجيل» أى كلمة الله، وفى هذا الأحد تذكار لمعجزة السيد المسيح، لمريض - المفلوج - ببيت حسدا بأورشليم، والذى عانى من مرضه ٣٨ عامًا، والذى سأله السيد المسيح عند مروره عليه «أتريد أن تبرأ؟» وأجابه المريض «يا سيد ليس لى إنسان يلقينى فى البركة متى تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامى آخر»- وكانت بركة المياه يلتف حولها المرضى، وعندما تتحرك مياهها كان أول من يلقى بها يشفى، فكان دوما لا يستطيع اللحاق بسبب أنه مفلوج ولا أحد له ليلقيه -، أما السيد المسيح فقال له عقب ذلك «قم احمل سريرك وامشِ»، وآمن المفلوج وللحال قام ومشى وحمل سريره، ولم ترد هذه المعجزة فى الأناجيل الثلاثة الأخرى؛ لأن يوحنا اهتم بالمعجزات، التى تمت فى أورشليم بينما اهتم الإنجيليون الآخرون بما تم فى الجليل.
أحد التناصير أو «الاستنارة»
سادس أحاد الصوم، وسمى أحد التناصير لأن الكنيسة اعتادت منذ القديم أن تعمد فيه الموعوظين الداخلين إلى الإيمان، - المعمودية والدخول إلى المسيحية -، وما زالت هذه العادة جارية، إذ يفضل الكثيرون من المؤمنين عمادة أبنائهم فى أحد التناصير، ولأن المعمودية استنارة روحية، وفيها نال الأعمى الاستنارة لعينيه، وذلك حينما أطاع كلمة السيد المسيح أيضا كالمفلوح حينما قال له «اذهب واغتسل فى بركة سلوام»، وحينما ذهب وغسل وجهه أبصر فى الحال، لذلك سمى أحد الاستنارة بالإنجيل أى كلمة الله.
أحد الشعانين
الأحد السابع من آحاد الصوم، وقبل الأخير، وهو أحد الشعانين، أو أحد السعف، ويدخل ضمن أسبوع الآلام، وأول أيام البصخة المقدسة، وكلمة شعانين عبرانية من «هو شيعة نان»، ومعناها يا رب خلص، ومنها الكلمة اليونانية «أوصنا»، التى استخدمت فى الأناجيل، وهى الكلمة التى كانت تصرخ بها الجموع فى خروجهم، لاستقبال موكب السيد المسيح وهو فى الطريق إلى أورشليم.
ويسمى أيضًا بأحد السعف، وعيد الزيتونة؛ لأن الجموع التى لاقته كانت تحمل سعف النخل، وغصون الزيتون المزينة، حيث تقول الكنيسة فى تراتيلها: «فى الطريق فرشوا القمصان، ومن الشجر قطعوا الأغصان، وهم يصيحون بالألحان «أوصانا بشيرى إن دافيد» فلذلك تعيد الكنيسة، وهى تحمل سعف النخل وغصون الزيتون المزينة، وهى تستقبل موكب الملك المسيح الذى سوف يخلصهم من الرومان المحتلين».
ولهذا أحد طقوسه المتفردة، حيث تقرأ الكنيسة فصول الأناجيل الأربعة فى زوايا الكنيسة الأربعة، وأرجائها فى رفع بخور باكر، وهى بهذا العمل تعلن انتشار الأناجيل فى أرجاء المسكونة، ومن طقس الصلاة فى هذا العيد أن تسوده نغمة الفرح فتردد الألحان بطريقة الشعانين المعروفة، وهى التى تستخدم فى هذا اليوم وعيد الصليب، وهى بذلك تبتهج بهذا العيد، كقول زكريا النبى (٩:٩) «اِبْتَهِجِى جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِى يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِى إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ بْنِ أَتَانٍ».
أحد القيامة
الأحد الثامن والأخير للصوم الكبير الموافق عيد القيامة، حيث تصل الكنيسة فيه بأبنائها للاحتفالات، ويسمى بالأحد الجديد أى الأحد الأول بعد القيامة «ثامن يوم بعد القيامة»، إذ بقيامة السيد المسيح من الأموات، كما ذكر فى الكتاب المقدس «إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِى الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا»، (٢ كو ٥: ١٧)، وفى هذا الأحد ظهر المسيح بعد قيامته مرة أخرى لتلاميذه والأبواب مغلقة ومختومة.