الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

«تجديد الخطاب الديني».. المؤسسات الدينية تسابق الزمن وترحيب بـ «وثيقة الأخوة الإنسانية»

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علماء الأزهر: التجديد ضرورة العصر لدحض الخرافات والأباطيل المنسوبة للدين
فتحية الحنفى: كلمة التجديد أصبحت محاولة لفرض الرأى العلمانى والضرب بالنصوص عرض الحائط
- عبدالغنى هندي: أطالب بعمل نماذج لجميع المشكلات التى تعانى منها الدولة وحلها كمشكلة الإرهاب والطلاق وازدياد نسبة الانتحار فى العالم وحلها من خلال تلك النماذج العملية

مضت 5 سنوات كاملة على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتجديد الخطاب الديني، بما يسهم فى مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار لكل دول العالم، وضمان تصحيح الصورة الخاطئة المنتشرة عن الإسلام لدى الغرب. حملت الدعوة أملًا وتطلعات، جعلت من المؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر، دار الإفتاء والأوقاف، فى حالة سباق مع الزمن، ورغم الجهود المبذولة سواء من خلال المؤتمرات أو الندوات أو المراصد، والترجمات والجولات الخارجية، والقوافل الداخلية، إلا أن كثيرين عولوا على قدرة المؤسسات على تقديم المزيد، وجاءت وثيقة الأخوة الإنسانية لتكون خطوة مهمة فى هذا الطريق، وهى الوثيقة التى لاقت ترحيبًا من كثيرين حول العالم، بعد أن وقع عليها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، تحت رعاية دولة الإمارات، وفى حضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي.. « البوابة» ترصد مسيرة خمس سنوات من التجديد الدينى.

وقالت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الحديث الآن عن تجديد الخطاب الدينى والمطالبة بخطاب ينطلق مع العام الجاري، ما هو إلا هدم وإنكار لجهود المؤسسة الدينية وفى مقدمتها الأزهر خلال الأعوام الماضية، والتى تجاوزت نسبة الـ٧٠ ٪ من جملة المأمول والمنتظر فى دعوة تجديد الخطاب الديني، الذى شهد على مدار الأعوام الماضية نشاطًا ملحوظًا يراه ويشهد به القاصى والداني، بعدما استطاع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أن يبرهن على رسالة الأزهر العالمية، والتى لاقت حفاوة كبار مسئولى دول العالم سواء العربى أو الإسلامى أو الغربى بشكل عام.
وأوضحت الحنفي، أن الحديث عن الخطاب الدينى وتجديده، يتم بصورة أقرب إلى فكرة التمرد على النصوص والثوابت من قبل العلمانيين الذين يريدون تغليب الأهواء، ويهاجمون الأزهر مهما فعل لحاجة فى نفس يعقوب، مشددة أن التجديد من الأمور المطبقة بصورة كبيرة فى مصر، فنحن بفضل الله مستمسكون بالكتاب والسنة، ومتواكبون مع العصر فيما يخص كثيرا من المسائل والأمور الشرعية، وليس أدل على ذلك ما يصدره الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء والأوقاف فيما يخص التعامل مع التحرش، البنوك، وغيرها من المسائل التى تستلزم وقف فتاوى شاذة ومتجمدة.
وأكدت أستاذ الفقه المقارن، أن الحديث عن مدارس علمية كبرى على غرار ما يوجد بالوطن العربي، ما هو إلا تشعيب للقضية متسائلة: لماذا يتم تشعيب الفكر؟ مضيفة ما لنا ومال القرويين أو غيرها من المدارس سواء فى تونس أو الجزائر أو المغرب وغيرها من الدول التى قام بعضها بالتمرد على الثوابت وتعطيل النصوص، لا نريد تشعيبًا للفكر، فالحديث يجب أن يقتصر عن مصر، ونحن نجد الجميع ملتزمًا بالكتاب والسنة، غاية الأمر أن النصوص القابلة للاجتهاد يتم إنزال الحكم بها ليواكب الزمان والمكان، وبيان الحكم الصالح لكافة المستجدات، مشددة أن علماء الأزهر وما حدث لدى البعض من تخبط واستدعاء الشاذ من الأقوال، وتفسير وفق الأهواء، ما هو إلا ضلال يتم معالجته بالقانون المنظور أمام اللجنة الدينية، موضحة أن المؤسسة بشكل عام لا تخرج عن الثوابت، وتناولت التجديد بكل ما أوتيت بقوة سواء ندوات، مؤتمرات، مراصد، وغيرها، وما نراه أن كلمة التجديد أصبحت ما هى إلا محاولة لفرض الرأى العلمانى والضرب بالنصوص عرض الحائط، فى حين نجد الأزهر يطبق الحكم بما يتفق مع العصر ويلائم المستجدات.
وأكدت الحنفى أن ما نراه اليوم من هجوم مستمر بالرغم ما يبذل من جهد للأزهر، لا يحقق المصلحة، فما تحقق من نسبة تجاوزت ٧٠٪، وما زالت الجهود مستمرة سواء مراصد، لغات، مناهج، وغير ذلك، يستدعى الدعم لا الهجوم فى ظل ما نراه من الخارج من تقدير لتلك المؤسسة العالمية وشيخها وعلمائها.
خطاب غير مؤثر
بينما أكد الشيخ على عبدالباقي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية السابق، أن مسألة تجديد الخطاب الدينى سواء ما قدمته المؤسسات فى مصر، أو تلك التى قدمتها مؤسسات دينية عربية وإسلامية عالمية، يجد كثيرًا من المحدودية والبساطة، ما يفقده التأثير، ذلك بأنهم يخاطبون أنفسهم، دون أن يكون لديهم أدوات تساعد فى مخاطبة الآخر، أو إقناعه، أو الحيلولة دون نجاح التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة فى حشد الأنصار واستجلاب الأتباع بطريقة أو بأخري.
وقال عبدالباقي: «نحن نخاطب من يستمعون إلينا فقط، فلا نملك ولا نبحث عن أدوات أو أساليب تمكننا من مخاطبة الآخرين من شباب الإرهاب أو من يتأثرون بأساطين تلك الجماعات، ويستمع إليهم فى انقياد أعمى وتركيز واضح واستهداف مباشر وغير مباشر، فعملية التجديد تتطلب التركيز على كافة العوامل المؤثرة فى الوجدان الإنساني، وما الخطاب الدينى إلا واحدا من بينها، ولا يشكل سوى جزء بسيط للغاية».
وتابع، نحن بحاجة إلى أن نتعامل مع نحو ١٠٠ عنصر يؤثر فى فاعلية هذا الخطاب، فللقائم على تلك المؤسسات الدينية فى مصر خاصة والعالم الإسلامى عامة، عليه أن يبتعد عن مخاطبة مستمعيه فقط، بل ينبغى أن يتناول ويجتهد فى الوصول إلى المخالفين، ليس شرطًا أن يجادلوا الأساطين منهم، بل عليهم أن يوقفوا المدد عنهم، ويعملوا على تحصين من ينضم إليهم بشتى السبل.
وشدد أن الخطاب الحالى غير مؤثر، فنحن بحاجة إلى النظر للعوامل المؤثرة فى الوجدان الإنساني، سواء الفكر السلفى الوهابي، الإخواني، الجهادي، جماعة إسلامية، غربى أناركي، عقلاني، وعبدة الشيطان، وغيرها، والتعامل مع كافة هذه العناصر وتعريتها، ليس فقط من خلال الكتب أو الندوات التى لا تؤثر وإن أتى تأثيرها فهو بسيط ومحدود، حيث لا يقرأ فى الوقت الراهن أحدًا، كما أن المتشددين والمتعصبين لن يسمعوا لنا سواء من خلال تحريمهم الاستماع إلى التليفزيون المصري، والتركيز على قنوات التضليل التى تبث من خارج مصر، وتعمل على تغذية التطرف والتشدد.
وقال عبدالغنى هندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف، إن حديث الدكتور أسامة الأزهري، عن المدارس العلمية، ليس المقصود منه إنشاء مدارس علمية جديدة، بل المقصود إحياء المدرسة العلمية الموجودة فى مصر وقائمة منذ أكثر من ألف سنة.
وأضاف، أن مصر تملك منهجًا يوجد فيه أكثر من ٦٠٠ مليون مسلم حول العالم يعبدون الله على منهج الأزهر الشريف، فهذا يمثل لنا قوة وثروة علمية وقوة ناعمة كبرى لمصر فى العالم أجمع، مشيرًا إلى أن هناك بعض العيوب الإدارية وبعض العيوب فى حضور المنهج الأزهرى والمؤسسة، لكن نحن لسنا بصدد تأسيس مدارس جديدة، بل كل ما نطلبه أن تكون هناك نهضة للمدرسة التى عمرها ١٠٧٦ سنة وتقود العالم الإسلامي.
وأوضح هندى أن الأزهرى يقصد فكرة إحياء المدارس الأزهرية وليس إنشاء مدارس جديدة، متمنيًا أن نجد النموذج العملى فى المؤسسات والجامعات، قائلًا: عندما نقوم بعمل حصر لجميع المسلمين حول العالم وعددهم مليار و٦٠٠ مليون مسلم نجد أنهم دخلوا الدين الإسلامى من السلوك وليس من خلال الدعوة، لافتًا إلى أن الحديث على تجديد الخطاب الدينى كثر جدًا، مطالبًا بعمل نماذج لجميع المشكلات التى تعانى منها الدولة وحلها كمشكلة الإرهاب والطلاق وازدياد نسبة الانتحار فى العالم، وحلها من خلال تلك النماذج العملية إلى العالم.
وشدد على فكرة خلق نموذج إسلامي، يقوم على «الرحمة، الوحدة، المساواة، قبول الآخر، والتعايش»، وكل القيم التى بنى عليها الإسلام، ونقدمها للعالم لحل المشكلات الحياتية التى تمس الناس، لافتًا إلى أن هناك ٣ قيم بالعالم الغربى قائم عليها، أولها الحرية، بينما الإسلام عندما أخذ قيمة ليقوم عليها كانت «العدل» وهى التى تقوم عليها القيم الإسلامية، مطالبًا بتفعيل تلك القيمة وتعميمها فى العالم أجمع.

تنحية خطاب الغلظة

بينما قالت الداعية فاطمة موسي، إن تجديد الخطاب الدينى ضرورة ملحة فى الآونة الأخيرة من كل الجهات، وهو وفق رأيها الرجوع إلى الخطاب الأول المتمثل فى خطاب القرآن، وخطاب رسول الله وصحابته، مشددة على أن ما نسمعه من الخطاب الدينى الآن لبعض الفئات نجد هوة واسعة بين خطابهم وخطاب الرعيل الأول.
وتساءلت: من أين أتوا بهذه الغلظة؟ ولم يقوم خطابهم على تصنيف كل فرد بحجة غير الأخرى؟ مضيفة ما يجعلك أشد استغرابًا أن أول من يعادون أهل الدين أنفسهم ويصفونهم بالتسييس تارة وبالتحلل تارة أخرى، هؤلاء لكى يوجهوا كل من يريد أن يستقى من نهر الدين ألا يسمعوا إلا لهم فقط، ويقومون بتحويل الأمور الفرعية إلى أمور جوهرية يجب عليها الجدال حتى السباب.
وشددت على أن تلك الأمور التى يجب ألا نلتفت إليها، يعمدون إلى خلق حكم دينى يلتفت إليه الشباب فيختلفون ويتشاحنون ويتركون الأمور الجوهرية غير المختلف فيها، والتى تجعلنا على قلب رجل واحد وتجعلنا أمة تنهض لا أن نتشاحن على التهنئة بيوم الجمعة حلال أم حرام، نتشاحن على هل يجوز للمرأة أن تظهر عينيها من النقاب أم تضع عليه شاشة أم تظهر عين واحدة أم اثنتين من نقابها.. أجد فتاوى غريبة تدعو لاضطهاد كل ما هو مختلف.
وتابعت: المؤسسات الدينية تعمل جاهدة على تجديد الخطاب الدينى من خلال التدقيق فى اختيار الدعاة الجدد سواء الأزهر أو الأوقاف، ولا تكتفى بذلك لكن هى دائما تعمل عملية تأهيل للدعاة باستمرار من خلال الدورات التثقيفية والمؤتمرات والندوات، ومراقبة المنابر من دخول أى دخلاء ينشرون الفكر غير الوسطى، لكن أصبح الفكر المتشدد فى فترة من الفترات محتلا المنابر والعقول، وبدأ رحلة التحرير من فترة قليلة فى الأربع سنوات الأخيرة، ولذلك فإن المؤسسات الدينية ما زال أمامها شوطًا كبيرًا يجب أن تقطعة لتصل إلى النتيجة المرجوة، مضيفة ما أرجوه من المؤسسات الدينية أن تركز فى الفترة القادمة على الانتشار فى الإعلام ووسائل التواصل بأقصى قوة، فهى لغة التواصل الآن بين كل الأعمار لن أقول الشباب فقط بل كل الأعمار على سواء.

الالتزام بالصحيحين

قال الدكتور محمد مأمون ليلة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إن التجديد ضرورة العصر، خاصة مع هذه الكمية المهولة من الخرافات والأباطيل المنسوبة للدين وهو منها براء، وهذه الأفكار الإرهابية التى انتشرت فى الفترة الأخيرة، ولا بد أن يعتمد التجديد على أصول وقواعد صحيحة؛ لتتفرع عنه نتائج صحيحة متزنة، حتى لا يقابل الغلو بالتهور والاندفاع، وقد يكون التجديد فى شخص، أو فى مؤسسة يقودها شخص؛ ولهذا فدعوتى إلى التجديد ترتكز على إصلاح المؤسسات ومساندتها ماديا ومعنويا؛ لتكون هى المجددة بنفسها، ويكون هناك تعاون بينها جميعًا، فتسير الأمة كالبحر الهادر بمؤسساتها فى طريق واحد لا تتصارع فيه مؤسستان، وهذا الأمر يسير إذا قام التجديد على عدة أصول عقلية منها أن تقوم جميع المؤسسات: الدينية، وغيرها، بواجباتها المنوطة بها، مع الاستماع إلى كل ما يُقدم من أفكار من الباحثين والمفكرين فى داخلها وخارجها، وصوغها فى مشروع جمعى يقومون بتطبيقه بالتعاون مع جميع مؤسسات الدولة، له أهداف وسنوات معينة للتنفيذ، ويتولى الإعلامى نشره، والمدرس، والمفكر، والخطيب، والإذاعي.
وتابع، ينبغى للمؤسسات الدينية ألا تتصدر بصورة رسمية صريحة بمفردها برامج الإفتاء على القنوات الإعلامية، خاصة إذا لم تكن خاضعة لها؛ لأن الطعن حينئذ سيكون فيها، حيث سيحملونها أى خطأ صدر من الشيوخ الذين أوفدتهم إلى القنوات الإعلامية، ومن هنا ستنهدم هذه المؤسسات، وتنعدم ثقة الناس بها مطلقا؛ ولذلك لا بد من الإسراع فى إنشاء قنوات تتبع هذه المؤسسات الدينية، أو عقد بروتوكول تعاون بينها وبين الإعلام ترعاه مؤسسات الدولة.
وأضاف يجب على دور الإفتاء بالتعاون مع الأزهر الشريف أن تنشئ لها أفرعا فى كل المحافظات والبلاد، ومقار، وأرقام ساخنة، ويُنشر هذا بين الناس، ومن هنا نتجه إلى المؤسسية، ونضبط أمر الفتوى، وأما أمر الدعوة إلى الله فالأمر فيها أوسع، فليدع من شاء؛ إذا كان صاحب فكر معتدل متزن، مع العمل على إحياء التعاليم الدينية التى اندثرت، والعودة بالموجود إلى منبع صفائه، وتنقية السنة من المناكير والأوهام التى شابتها، وتخليص الدين من الأفكار التى نسبت إليه زورا، والتمييز والتفرقة بدقة فى الخطاب الدعوى بين البدع والأخطاء، والعقائد والفقهيات، والصغائر والكبائر، وأن يكون الكلام فى الإعلام والدروس الجماهيرية فى المجمع عليه لا المختلف فيه، وأن يقدم العذر للمخالف متى كان له دليل ولو كان ضعيفا، وأن يظل الاحترام قائما بين طوائف الأمة.
وأردف، يجب الالتزام ما أمكن فى الخطاب الدعوى فى الإذاعات والوزارات الدينية بالصحيحين، حتى يعيد الخطباء أنفسهم ويضبطوا أحوالهم، خاصة فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها الأمة، ثم لا بأس بعد ذلك من التوسع؛ لأن غير الصحيحين يحتاج ناقدا قويا، بصيرا بالعلل، ونحن نريد غلق باب الشذوذات الفكرية التى تعتمد أصالة على أحاديث منكرة ظنها بعض المعاصرين صحيحة!
وشدد على ضرورة أن يتاح العلم الشرعى لكل إنسان، وأن يعود العلم إلى المساجد مع الكليات، ولهذا يلزم تعاون وزارة الأوقاف ودار الإفتاء مع مشيخة الأزهر الشريف، وأن لا يتكلم فى العلم إلا أهله، ولا يمنع من طلبه أو من يحبه، ونعود فى معاهدنا وجامعاتنا إلى تدريس الفقه المذهبى بطريقة عصرية، مع شيء من التوضيح لبعض المسائل، والاهتمام بآداب الخلاف، مع فهمها جيدًا وتنزيلها على أرض الواقع، فلا ننزوى على ما فيها من أفكار، بل نأخذ منها الفكر ونطور بما يفيد مجتمعنا، ولا بأس من عدم أخذ بعض الأقوال المتشددة لبعض العلماء، فكل أحد من الناس يؤخذ منه ويرد عدا المعصوم، صلى الله عليه وسلم، وهذه الكتب ضمانة قوية للحفاظ على فكر الناس؛ لأنها بنيت على أصول وقواعد، وليست كفقه بعض المعاصرين ممن لا أصول عندهم ولا قواعد.
ولفت إلى أنه يمكن أن يضاف إلى كتب الفقه المذهبى كتابا مختصرا أو مبحثا فى بدايتها يتعلق بآداب الخلاف، وكيفية التصرف والتعامل معه، وطريقة تعامل العلماء مع النصوص الدينية، وأنهم اجتهدوا فاستخرجوا منها الأحكام على حسب قواعدهم لا على حسب الأهواء، وأن يفرق بين النص الشرعي، وبين فهم العلماء له، موضحًا لا يمكن أن نسير بالأمة على قول واحد فى الفروع الفقهية، وعلينا أن نربى الناس على فقه الخلاف، وقبول الآراء الفقهية المتعددة واحترامها، وأن يسأل الإنسان العامى من يثق به من علماء بلده خاصة المؤسسات، أو يلتزم بقول مذهب فقهى إلا ما تأكد فيه غلطه وشذوذه؛ لمصادمته النص الصريح الصحيح مصادمة ظاهرة فيلتزم الحق، مع التفريق بين القول الشاذ وصاحبه، فيحترم العالم ويوقر، ولا يؤخذ بقوله الذى نص جمهور الأمة على شذوذه، وأما المجتهد ففرضه الاجتهاد، إلا إذا عجز أو لم تواكبه الظروف فله تقليد من يراه من العلماء أهلا لذلك، وأن نعلمهم عذر المخالف متى كان له دليل ولو كان ضعيفا، وأن العلماء وضعوا قواعد وأصول يسيرون عليها فى فهم النصوص الشرعية، ليست مزاجية منهم أبدا، ومن هنا يسود الاحترام والمحبة بين طوائف الأمة، وننطلق نحو البناء والتجديد، وستختفى مظاهر العبثية والشذوذ الفقهية المعاصرة، والتى يتمثل بعضها فى منهجية سموها القول الراجح، الذى هو فى الحقيقة تقليد لبعض أهل العلم الذين لم يبلغوا قدرا وعلما ما بلغ أئمة المذاهب المتقدمين.
وشدد ثمّة قاعدة مهمة فى فهم النصوص أن هناك فارقًا مهمًا فى تعامل العقل مع الوحى والنقل، فإذا تعارض العقل مع الوحى قُدم الوحي، وإذا تعارض العقل مع النقل قُدم العقل، فإذا تعارض ما ثبت عن النبى - صلى الله عليه وسلم- مع العقل - إن حدث ذلك- قُدم ما ثبت عن سيد ولد آدم، وإذا تعارض العقل مع أقوال العلماء والأئمة قُدم العقل، وعلوم الشريعة كلها يتخللها العقل بطريقة واسعة جدا، بدليل هذه الاجتهادات الكثيرة جدًّا الموجودة فى كتب الفقه