الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران سلوان متروبوليت جبيل والبترون يكتب.. الصلاح والتحنّن والتنازل

المطران سلوان متروبوليت
المطران سلوان متروبوليت جبيل والبترون يكتب الصلاح والتحنّن و
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مباركة العام الجديد كانت فرصة في أكثر من مكان للتأمّل في عبارة طقسيّة نرتّلها، ونعبّر فيها عن فرحنا كمؤمنين وكجماعة حيّة بمخلّصنا: «المجد لصلاحك، المجد لتحنّنك، المجد لتنازلك، يا محبّ البشر وحدك». لا شكّ في أنّ التأمّل في التدبير الإلهيّ يملأ قلب الإنسان بالفرح الحقيقيّ. هذا ما يسطّره المرنّم في تكرار عبارة أن نعطي المجد لله، وهذا ما نعبّر عنه في خدمنا الطقسيّة وصلواتنا كلّها.
استهلال الكلام بالحديث عن صلاح الله هو مبدأ ضروريّ، لأنّنا نحتاج إلى أن نرتكز على ما هو ثابت بشكل مطلق. أن نرفع المجد إلى الله من أجل صلاحه، هو اعتراف منّا بأنّ محبّته صالحة بشكل مطلق، وعدله كذلك، وإرادته أيضًا. هذا مؤدّاه أنّنا نقرّ بنسبيّة محبّتنا وعدلنا وإرادتنا من جهة ما هو خيّر ومفيد، وأنّنا نستبدل بصلاح الله المطلق صلاحنا النسبيّ، ونفضّل إرادته الصالحة على إراداتنا مهما ظننّا أنّها صالحة، من دون تطويعها لرغباتنا وشهواتنا ونظرتنا ورؤيتنا. صلاح الله مرآة لنا لكي نعرف محدوديّتنا على كلّ الصعد، فنطلب صلاح الله من دون مساومة مع أنفسنا، أي من دون تذمّر وتكاسل وتمرّد، بل بفرح وحميّة.
ثمّ يأتي الحديث عن تحنّن الله كترجمة عمليّة لصلاح الله في واقع حياتنا البشريّة، بخاصّة في سياق ما نعيشه منذ تجسّد الابن الوحيد. إذا ما قسنا أنفسنا على صلاح الله، انكشفت عورتنا وظهر اعوجاجنا وبان انحرافنا عن الصلاح الحقيقيّ. أمام هذه المرآة الصادقة والنقيّة، ندرك كيف أنّ الربّ أحبّنا من دون أن نستحقّ وقبل أن نطلب إليه أو نسعى إليه. طلبنا ونحن أموات ليحيينا ويجعلنا ورثة للنعمة، لروحه القدّوس. يعي المرء، لا محالة، واقعه البعيد عن الله وغياب الصلاح (بحسب الله) فيه، وأنّه أخطأ ويخطئ في فهم مقاصد الله الصالحة من أجله بينما ينتظر صلاحًا آخر يصنعه لنفسه أو ينتظر أن يأتيه من آخر غير الله.
أمّا الحديث عن تنازل الله فيأتي في سياق طبيعيّ، بعد أن انكشف صلاح الله أمام ناظرينا وتلمّسنا تحنّنه نحونا. التنازل سبيل يسوع في تحقيق تدبير خلاصنا. تنازل عندما تجسّد، وولد في مذود، واختتن بالجسد، وهرب إلى مصر، واعتمد في الأردنّ، في سياق مسيرة قادته إلى الموت من أجلنا والنزول إلى الجحيم. هذا التنازل ما زال قائمًا عبر التاريخ في مقاربة المسيح لواقع كلّ منّا كما ولواقع البشريّة. حياته ووصاياه كشفا لنا الطريق الذي يجدر بنا أن نسلكه، طريق الاتّضاع الذي مارسه ويمارسه معنا في سبيل أن نقيم في الصلاح إلى الأبد.
بعد كلّ ما تقدّم، لا يجد المؤمن بالطبع تعبيرًا أبسط وأبلغ وأجمل وأقصر عند توجّهه إلى المسيح كعبارة: «يا محبّ البشر وحدك». إنّها عبارة تتكرّر في ترانيمنا وتعكس يقينًا عندنا هو وليد خبرة نعيشها إفراديًّا وجماعيًّا، خبرة شخصيّة وكنسيّة، عبر الظروف والأزمنة، في علاقتنا بمخلّصنا. فالمسيح بالفعل هو محبّ للبشر جميعًا، وهو، بالعمق، الابن الوحيد على الإطلاق وبالمطلق الذي أحبّ ويحبّ كما أحبّنا ويحبّنا هو نفسه.
لذا أن ترفع المجد في صلاتك ونرفع المجد معًا كأبناء جسد المسيح الواحد، هو تعبير عن فحوى إيماننا وطبيعة رؤيتنا اليوميّة للأمور والأحداث والأشخاص. هو تعبير عن الفرح الذي لا يُنزع منّا أبدًا.