الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

واحة الخميس.. الإذاعة المصرية - 2

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق، عند تولى الراحل ممدوح البلتاجى وزارة الإعلام فى الفترة من يوليو 2004 وحتى فبراير 2005؛ حيث عرفنا ولأول مرة أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يعانى أزمة مالية طاحنة، وأن الديون تحيط بالمبنى ولا بد من إيقاف الإنتاج الدرامى والبرامجى وغلق القنوات ووقف التعيينات وتسريح أصحاب العقود المؤقتة، رغم أن أحدًا لم يكن يشعر بتلك الأزمة طوال عهد صفوت الشريف، وكان الإنتاج لا يتوقف سواء فى التليفزيون أو فى الإذاعة، أما مدينة الإنتاج؛ فقد كانت تصدر إنتاجها لمختلف المحطات العربية، ويبدو أن الرجل كان يملك عصا سحرية يدير بها الإعلام، ثم أخذها معه عندما غادر المبنى إلى مجلس الشورى، أما البلتاجى؛ فقد عقد اجتماعه الشهير مع الإذاعيين، والذى يرجح البعض أنه كان سببًا رئيسيًا فى الإطاحة به إلى خارج ماسبيرو؛ حيث سألهم عن جدوى الإذاعات الموجهة، والتى كان الرئيس عبدالناصر قد أنشأها لتكون صوت مصر فى مختلف أنحاء العالم، لا سيما فى امتداد الأمن القومى لدول حوض النيل، وكانت هذه الإذاعات تبث برامجها بلغات متعددة هى اللغات المحلية للقبائل الأفريقية، وكل ذلك كان يتم بتنسيق كامل مع الجهات السيادية فى مصر، ولكن البلتاجى رأى أن هذه الإذاعات لا فائدة منها، وأنها تشكل عبئًا على ميزانية الوزارة، وباتت الإذاعة المصرية مترنحة تعانى صدمة القرارات المفاجئة بوقف الإنتاج، وراحت تعتمد على الدراما القديمة، والتى حفظها المستمع من كثرة تكرارها، فالمستمع يريد الجديد، ولكنه عندما يدير مؤشر البرنامج العام فى الخامسة والربع يفاجئ بمسلسل «سمارة» أو «الحرافيش» فيشعر بخيبة أمل، إذ إنه استمع كثيرًا لها وحفظ أحداثها، ولم تستطع الإذاعة المصرية بكل ما لديها من إمكانيات أن تنافس إذاعة وليدة اسمها نجوم FM؛ حيث استطاعت تلك المحطة أن تجذب الآذان إليها، وأن تسحب البساط من تحت أقدام الإذاعة العريقة لأنها تميزت بإيقاع سريع يناسب العصر وبأغنيات حديثة لمطربين حققوا نجاحًا عظيمًا، ولكن لجان الإذاعة المصرية لا تعترف بهم، تلك اللجان التى وقفت عند مرحلة معينة من السماع لا تريد تجاوزها وترفض الإنصات لجيل جديد يعبر عن روح هذا العصر، فحتى وقت قريب كان تامر حسنى وشيرين ومحمد حماقى وتامر عاشور، من المارقين الذين لا يجب إذاعة أغانيهم فى الإذاعة المصرية، وهكذا قامت نجوم FM بالدور الذى كانت تقوم به الشرق الأوسط، وبالدور الذى أنشأت من أجله إذاعة «الشباب والرياضة»، وظل نجوم الإذاعة المصرية، أمثال: إيناس جوهر، ومحيى محمود، وانتصار شلبى، يعتصرون ألمًا، ويحاولون الخروج من الأزمة، وعرض أفكارهم، وجلب رعاة لبرامج ومسلسلات جديدة، وأذكر كيف استطاعت إيناس جوهر أن تعيد تشغيل استوديوهات الإذاعة بالإنتاج المشترك مع القطاع الخاص، وكان هذا مواكبًا لتولى أنس الفقى وزارة الإعلام، والذى حاول جاهدًا أن يعيد الإذاعة المصرية إلى سابق عهدها، ورغم الجهود التى بذلتها إيناس جوهر ومن بعدها انتصار شلبى أثناء توليهما رئاسة الإذاعة، فإن الواقع كان أكثر مرارة، فلقد واجهت إيناس جوهر هجومًا عنيفًا حين أوجدت حلولًا للإنتاج الدرامى، بإدخال الشركات والوكالات الإعلانية فى شراكة مع الإذاعة، واعتبر البعض أن هذا فسادًا، والشىء نفسه حدث مع انتصار شلبى التى حاولت التحرر من قيود الروتين الحكومى، بإيجاد صيغة للتعاقد مع الفنانين وتقديم أعمال درامية جديدة، وبالفعل عادت الإذاعة إلى سابق عهدها، وأنتجت عشرات المسلسلات فى رمضان 2010، ثم جاء يناير 2011 وما تخللته من أحداث مؤسفة بداخل ماسبيرو؛ حيث اقتحم بعض المعقدين والفشلة من صغار الموظفين مكاتب رؤساءهم وحاصروهم، ووجهوا إليهم السباب واتهموهم بالسرقة والفساد والخيانة، وطالبوهم بالرحيل عن مناصبهم، وراحوا يقفون أمام أبواب المكاتب والاستوديوهات فى اعتصامات، وإضرابات لرفع رواتبهم وترقيتهم وطرد القيادات القديمة، وبالفعل رحلت قيادات مبارك كما كانوا يسمونها، وتولى الأمر بعض أدعياء الثورة، ووزعوا الغنائم فيما بينهم، حتى جاء الإخوان برجالهم، فشهد مبنى ماسبيرو انهيارًا عامًا فى كل شىء، وأصبح الصراع على الكراسى وليس على تقديم الحلول وإعادة المستمع إلى الإذاعة المصرية، التى بلا إنتاج يذكر، ولا تزال اللجان القديمة التى لا تواكب التطور الإعلامى هى المتحكمة فيما تقدم للمستمع من أغنيات ودراما، وتم خفض ميزانية الإنتاج إلى الربع تقريبًا، مما أبعد نجوم الصف الأول عن الإذاعة تماما، فالموظف لا هم له سوى راتبه وحوافزه، أما انصراف المستمع عن الإذاعة المصرية فهذا أمر لا يهمه فى شىء، والطامة الكبرى كانت إلغاء وزارة الإعلام فى وقت نحتاج فيه لمثل هذه الوزارة كى تنظم ما يحدث بداخل هذا المبنى العتيق، والذى أرى أن حل مشكلاته يبدأ من الاستعانة بخبرات من أحبوا العمل الإعلامى وأخلصوا له فحققوا نجاحا نتحاكى عنه إلى اليوم، ومن العيب أن تكون هذه الخبرات على قيد الحياة ولا نستعين بها، وفى ظنى أن النجاح إرادة وإدارة، ويظهر ذلك جليا من خلال الأشخاص الذين قادوا إذاعات النيل فى بادئ عهدها، واستطاعوا تحقيق ما لا يخطر على بال أحد، ولكن هل الإذاعة المصرية هى شعبى fm ونغم fm.. أين البرنامج العام والشرق الأوسط وصوت العرب والشباب والرياضة، وأين مسلسلاتها التى كنا ننتظرها بفارغ الصبر، وأين برامجها الخالدة التى تربينا عليها، أما آن الأوان لتطوير الإذاعة المصرية وحل مشاكلها وإعادتها إلى سابق عهدها؟