السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب: من يعطي فوق المنطق يأخذ فوق المنطق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اليوم نرى أمامنا أيقونة منيرة وحالة بشرية فائقة الصورة أخذ من المسيح ملامح كما أخبرنا بولس الرسول: "نحن الأحياء نسلم دائمًا للموت لكي تظهر حياة يسوع في جسدنا المائت" (2كو 4: 11)، "ونحن ناظرين وجه الرب كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة" (2كو 3: 18).
القديس أنبا هرمينا السائح أحد الآباء الذين ولدوا مثلنا تحت قوانين الطبيعة والمادة ولكنه استطاع أن يصل إلى درجة في القداسة تسمى السياحة وهي درجة يقول عنها القديس ماراسحق: "تبدأ براهب يعيش في مجمع رهبان بالدير، إلى مبتدئ في الوحدة، إلى راهب يعتكف الأسبوع ويتقابل مع الرهبان في قداس الأحد، ثم متوحد في مغارة، ثم لا مغارة له، وهكذا يصل من الوحدة إلى السياحة".
وحسب هذا الوصف فإنه يعيش بلا مكان لذلك فهو سائح محمول على الأيدي الإلهية وهذا ما يجعل قصص الآباء السواح قليلة لأننا لا نعرف لهم مكانًا، وأن لم يرسل الرب لهم أحد ليكتب سيرتهم تمر الأيام وتطوى صفحات الزمن ولا نعرفهم نحن، ولكن سنعرفهم هناك في السماء حين يعلن اللـه قصة كل أحد ونرى مجد القديسين حين يكللهم الرب نفسه بأكاليل الجهاد والمجد.
ولكن لأجل منفعتنا وتعزيتنا يكشف عن بعض الآباء السواح كيف نعرف أن الطريق له علامات وأن القداسة الحقيقية واقعية ويكشف بعض من الأسرار العميقة بين اللـه والبشر فيرسل أنبا أنطونيوس لنعرف أنبا بولا أول السواح، ويرسل أنبا زوسيما للقديسة مريم المصرية، ويكتب عن مكسيموس ودوماديوس تلميذ لهم اسمه بيشوى.
وقديس اليوم أعلن عنه الرب من خلال أنبا أباهور الذي كان يسكن جبل بقرب طما بسوهاج وكان يجلس مع أنبا يوحنا وأنبا يوساب وهم يعملان في ضفر السعف وإذ إنسان نوراني وجهه يضئ كالشمس وقف أمامهم فخافوا إذ فاجأهم هذا المنظر، فقال لهم: لا تخافوا أنا يوحنا الإنجيلي تلميذ السيد المسيح قوموا اذهبوا إلى البرية الداخلية مقدار اثنتي عشر ميل هناك ستجدون قديس قوي بار ممتلئ من الروح القدس اسمه هرمينا.
وهناك يقع جبل قاو الكبير وهي كلمة معناها الجبل العالي وهو على الضفة الشرقية للنيل جنوب البراري، وهي تلال كانت مخصصة لأماكن دفن حكام هذا الإقليم من الأسرة الثانية عشر للقدماء المصريين، ووجدت بعض النصوص باللغة الديموطيقية والقبطية في هذه الجبانات.
والقديس أنبا هرمينا من مواليد البهنسا بمحافظة بني سويف وكان يعمل راعيًا مع أبيه. وهو في سن الثانية عشر كان يصوم يوميًا حتى الغروب وكان يكثر من الصلوات والتأملات الروحية في الكتاب المقدس وكان محبًا للجميع وخاصة الغرباء كان يخدمهم.
وفي يوم وبينما هو يرعى غنم أبيه وجد رجلين في زي رهبان أمامه فأمسك فيهما ليستريحا ويقدم لهم الطعام أما هما فقالا له: لا سندخل إلى الجبل لنصلي.
وقد شعر القديس بقوة تجذبه نحو الرجلين اللذان كان ماربطرس وماريوحنا وقد أرسلهم السيد المسيح ليجذبا القديس إلى البرية.
فقال لهما: اسمحا لي أن أتي معكم إلى الجبل.
فقالا له: وماذا ستفعل بالغنم؟
فقال: السيد المسيح قال من لا يترك من أجلي لا يستحقني وأنا أريد أن أترك كل شيء من أجل المسيح.
فقال القديس يوحنا: ولكننا سنذهب إلى الجبال ونسكن مغاير لا يعيش فيها أحد.
فقال: أرجوكم اسمحا لي أن أعيش هناك، أريد أن أحيا فقط للمسيح لأجل خلاص نفسي.
فأخذاه معهما وسارا ثلاثة أيام حتى وصلوا إلى أحد الأديرة ودخلوا ثم سألوه: أتريد يا أخي أن تصير راهبًا.
فأجاب: مستعد أن أقدم حياتي.
فأخذاه وذهبا لرئيس الدير أنبا يعقوب وقالا له: هيأ لنا الكنيسة لأننا سنرهبن هرمينا. وذهبوا إلى الكنيسة في الفجر وألبساه ثوب الرهبنة واشتركا في القداس الإلهي وناولوه ثم بعد القداس باركوه وقالوا له: أجلس مع أنبا يعقوب لتتعلم الحياة الرهبانية. ثم بعد فترة سيرسل لك الرب ملاكًا يرشدك ويأخذك إلى المكان الذي أعده لك الرب -وهو جبل قاو- وستسكن هناك زمانًا وهناك ستنتقل من الأرض وتتنيح ويعمل الرب بك آيات وعجائب. وبعد أن باركوه ظهر ملائكة كثيرة وهم يسبحون وصعدا مع الملائكة واختفوا من أمامه.
وكان هذا المشهد هو القوة التي بها سار القديس في حياته بجهاد عظيم واشتياق قوي للدخول في الأسرار السماوية حتى صارت أيامه وحياته كلها للمسيح وباشتياقات عظيمة كان مدفوعًا نحو السماء.
وبعد سنوات سمع صوت يناديه ففتح باب القلاية فوجد ماريوحنا مرة أخرى ففرح جدًا وأدخله القلاية وجلس عند قدميه فقال له ماريوحنا الرب يريدك أن تقوم من هنا وتمضي إلى الجبل الداخلي لأن لك خدمة هناك ستجاهد وتسبح مع الملائكة كي يحمي الجبل بصلاتك وأخذه وذهب به إلى الجبل.
وقضى حتى غروب الشمس وقد رأى القديس هرمينا سحابة منيرة تحيط بهم وهنا أمسك القديس بماريوحنا وقال له: أترجاك أن تعرفني من أنت؟ ومن الذي كان معك حين أخذتماني لرهبنتي منذ سنوات؟
فقال له: أنا يوحنا بن زبدي ورفيقي هو بطرس الرسول وقد أرسلنا لك الرب لأنك مختار فجاهد وأحترز لنفسك من فخاخ الشياطين لأنها كثيرة وتحارب أولاد اللـه بالأكثر.
وجاءت الملائكة تسبح معهم في الطريق وساروا حتى وصلوا إلى حاجر جبل أسيوط ووصلوا إلى معبد قديم وبه عين ماء ونخلة بها ثمر كثير وبعد أن باركه ماريوحنا تركه هناك وصعد. وأما القديس فظل يجاهد بأصوام وصلوات ويستمتع بالرؤى السماوية ومشاركة الملائكة في التسابيح.
فمن يعطي فوق المنطق البشري وحسابات البشر يأخذ فوق المنطق والحسابات البشرية. فالحسابات البشرية تقول لماذا ينعزل ولماذا يترك ولماذا يعيش في الجبال ويتعب ويشقى؟
هكذا فعل إبراهيم أب الآباء لقد أعطى فوق المنطق والحسابات البشرية حتى أنه تغرب بل قدم ابنه حين طلب منه هذا لذلك أخذ أيضًا أن يكون أب الآباء ويحمل بركة إلى الأبد.
وهكذا الشهداء الذين قدموا أجسادهم ذبيحة فوق المنطق وفوق احتمال البشر فأخذوا أكاليل المجد وصارت شفاعتهم وقوتهم إلى الآن وإلى الأبد. وهكذا قدم أنبا أنطونيوس وأنبا بيشوي.