السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

في ذكرى مولده الـ107.. تعرف على "المسكوت عنه" في أدب نجيب محفوظ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بين هذه السطور والصرخات الأولى لـ«النجيب» 107 أعوام.. سنوات تغيرت فيها أحوال البلاد والعباد، التهمتها عقليته الفذة لتُفرزها أدبًا، جعلك بعد هذه العقود تستطيع تحسس جدران الحارة المصرية، بينما تمتلئ أسماعك بصيحات «الحرافيش» وهم يهتفون «اسم الله عليه»؛ لتخرج منها إلى عالم الحربين العظميين، وما بينهما من سياسة وسلطة التف حولها المنافقون والأفاقون وكارهو الغير.


كانت نظرته تخترق المجتمع حتى أعماق روحه، فيخرج لنا بالكثير من التفاصيل التى شكّلت حياة المجتمع المصرى منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، حيث لم يكتفِ «النجيب» بالواقع، بل صحبنا إلى عالم «الدراويش» ولغتهم الغامضة، التى ما انفك قارئه يحاول فك طلاسمها الغامضة أملًا فى أن تكون حاملة نظرة إلى المستقبل، تابعناه حتى نهاية حياته، ونحن نتلهف لحلم آخر يُمليه على تلامذته فى فترة النقاهة؛ إذ ربما حملت كلمات الشيح عبد ربه التائه لمحة من الخلاص.
فى ذكراه السابعة بعد المائة التى توافق اليوم 11 ديسمبر، تعود «البوابة» مرة أخرى للبحث فى أوراق العالمى الراحل «نجيب محفوظ»، تجمع أحاديث تلامذته ومحبيه ومريديه؛ وكما تحدثنا عنه وأوراقه وحياته وفتواته وصحفييه وحتى عاهراته، نتناول هذه المرة سنوات من البحث أمضاها الكاتب والناقد مصطفى بيومى عن «المسكوت عنه فى أدب نجيب محفوظ»، فى جولة جديدة فى عوالم أديب نوبل.



يقول مصطفى بيومي، فى مقدمة موسوعته المهمة عن المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ الروائية، «يمثل نجيب محفوظ قيمة مضيئة فى تاريخ الثقافة المصرية، والعربية والإنسانية، ذلك أنه يقدم نموذجًا فذًا للمثابرة والجدية والدأب من ناحية والتمسك بالتفاعل الإيجابى مع معطيات الواقع الاجتماعى دون إهمال التجديد الفنى من ناحية أخرى».
فى هذا الإطار، وعبر ثلاثة أرباع القرن تقريبًا، منذ أوائل الأربعينيات فى القرن العشرين، تنوعت وتراكمت الدراسات والبحوث النقدية التى تتناول إنتاجه الثري، وينتمى دارسوه والباحثون فى إبداعه إلى مدارس واتجاهات نقدية مختلفة، وأجيال متباينة، وجنسيات شتى؛ لكن المشترك الراسخ بينهم جميعًا هو الإقرار بمكانته السامية وتقدير إنجازه المرموق.
على الرغم من كثافة التناول النقدى للكاتب الكبير، فإن عشرات الجوانب فى عالمه لم تحظ ببعض ما تستحقه من اهتمام وتحليل، ومن هنا تأتى هذه الدراسة التى تضم اثنين وعشرين بابًا، وتتناول بعض المسكوت عنه نقديًا.



الجيش
يتسع عالم نجيب محفوظ لتقديم رؤية ناضجة متوازنة عن الجيش المصري، وتتشعب هذه الرؤية لتحيط بعدد من الأبعاد والزوايا المهمة، التى تتعلق بالصلة الوثيقة التى تجمع المؤسسة العسكرية بمجمل مفردات الحياة المصرية فى تجلياتها المختلفة.
فى الفصل الأول: «الجيش والمجتمع»، تأكيد على الانصهار الكامل لضباط الجيش المصرى فى نسيج الواقع، وفى السياق نفسه، تتباين المكانة الاجتماعية لضباط الجيش من مرحلة إلى أخرى، ذلك أن هذه المكانة تخضع فى نهاية الأمر لمنظومة أشمل، لا يمكن لها أن تنجو من المؤثرات السياسية والاقتصادية والثقافية.
«الجيش والسياسة» موضوع الفصل الثاني، وإذا كانت العلاقة قد بدأت مع اشتعال الثورة العرابية التى قادها ضباط وطنيون، فإنها وصلت إلى الذروة مع ثورة يوليو ١٩٥٢، حيث الاختلاط والتداخل بين الجيش والسلطة، والعودة إلى القانون الإنسانى الذى يقضى بوجود المثالى والانتهازي.
يتوقف الفصل الثالث: «حروب الجيش المصري»، أمام رؤية نجيب محفوظ لسلسلة الحروب التى خاضها الجيش خلال ربع قرن، من ١٩٤٨ إلى ١٩٧٣، مرورًا بالعدوان الثلاثى وحروب اليمن و١٩٦٧ والاستنزاف، يتفاوت اهتمام الكاتب الكبير بالحروب المشار إليها، ويتسم تحليله بشمولية تتجاوز الإطار العسكرى الضيق إلى الآفاق السياسية والاجتماعية.
فى الفصل الرابع والأخير: «أجيال من الضباط»، قراءة تحليلية لشخصية الضابط عبر مراحل تاريخية مختلفة: عبدالله حسن، عشماوى جلال، داود الناطورجي، أنور عزمي، حسنين كامل علي، قدرى رزق، عبدالمنعم الكاشف، رشاد نعمان الرشيدي.
ينتمى هؤلاء الضباط إلى أجيال مختلفة وطبقات اجتماعية متنوعة، ويتباين سلوكهم إلى درجة التناقض، لا غرابة فى ذلك التباين الجذري، فهم بشر يخضعون لمؤثرات إنسانية شتى، لا تقتصر على الجانب المهنى وحده.
يعلى نجيب محفوظ من شأن الجيش المصرى ووطنيته، ويتعامل مع ضباطه وجنوده وفق المعايير والمقاييس الإنسانية، ومن هنا نضج وطزاجة وتفرد شهادته.



الشرطة والسلطة
أى موقع تحتله الشرطة، من حيث علاقتها بالسلطة، فى عالم نجيب محفوظ؟. هذا السؤال متعدد الأبعاد، هو ما تسعى الدراسة إلى الإجابة عنه.
يتوقف «التمهيد» أمام قضية بالغة الأهمية والخطورة: «ضرورة الشرطة وفلسفة الأمن»، وفيه ما يبرهن، من خلال معطيات عالم نجيب محفوظ، على أن مؤسسة الشرطة مشترك رئيسى بين الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى عرفتها الحضارة الإنسانية عبر المراحل التاريخية كافة، وهى مؤسسة تخدم النظام القائم وتدافع عن مصالحه وتنشغل بتكريس قيمه والإعلاء من شان توجهاته ومبادئه ومصالحه.
من البديهى أن تسمو وظيفة الشرطة وتمثل ركنًا فاعلًا من أركان المجتمع، وفى هذا السياق تطل أزمة مزمنة تتعلق بطبيعة العلاقة المعقدة بين الأمن والعدالة، ذلك أن الشرطة جهاز أمنى فى المقام الأول، والعدل قيمة نبيلة سامية مراوغة بعيدة عن الوضوح والتحديد المتفق عليه.
الفصل الأول: «الشرطة والسلطة»، والمستخلص منه أن الشرطة جهاز مهم من أجهزة السلطة، وأداتها الرئيسة لتحقيق الاستقرار والحيلولة دون وقوع الاضطرابات وانتشار القلاقل، وكل ما يُنسب إلى الشرطة من أخطاء وخطايا مردود إلى السلطة التى تأمر وتحرك وترضى وتبارك، مسئولية اتخاذ القرار تتجاوز رجال الأمن إلى صانعى السياسة، وولاء مؤسسة الشرطة للنظام الذى يحكم ويشرع، وأداؤها المهنى ليس إلا انعكاسًا للمناخ العام وتنفيذًا للقانون الذى لا تصنعه.
عبر المراحل المختلفة للتاريخ المصري، فى القرن العشرين، لم تكن الشرطة إلا تعبيرًا عن توجه السلطة والفلسفة السياسية والاجتماعية التى تحكمها، ديمقراطية كانت أم شمولية، وهذا ما يتم استعراضه والبرهنة عليه فى الفصول التالية:
- ثورة ١٩١٩
- بين الثورتين
- الحقبة الناصرية
-المرحلة الانفتاحية
الدراسة، فى مجملها، ليست إلا رصدًا أمينًا وتحليلًا موضوعيًا للرؤية التى يقدمها نجيب محفوظ فى أعماله الروائية والقصصية، وغاية المأمول أن تقدم صورة صادقة لا تتحامل على المؤسسة الأمنية ولا تفرط فى الحماس لها.



القمار والمقامرون
بعد جولة فى عالم القمار والمقامرين، كما يقدمه نجيب محفوظ، يبدو الاقتراب ممكنًا من الإجابة المقنعة عن جملة الأسئلة المطروحة فى مطلع الدراسة.
- ألعاب التسلية البريئة شائعة فى الحياة المصرية، وهو ما نجده فى الطاولة والكوتشينة والدومينو والشطرنج، لكن الانشغال النسبى بهذه الألعاب، بحثًا عن التسلية وإنفاق الوقت فى الترويح، يختلف جذريًا عن التورط فى المقامرة والمراهنات المادية التى تجلب أضرارًا فادحة على الأصعدة الاقتصادية والنفسية والصحية.
- ليس صحيحًا أن الأغنياء وحدهم من يقامرون، لأنهم يملكون القدرة المادية، وليس دقيقًا- بالتبعية- أن قمارهم هذا جزء أصيل من منظومة الفساد التى تلتصق بهم، ذلك أن الداء يتفشى فى الطبقات الاجتماعية كافة، ويمارسه متوسطو الحال والفقراء والمعدمون، لأسباب ودوافع متباينة.
- مع تعدد ووفرة الآثام الأخلاقية التى قد يُبتلى بها الإنسان، كالتعلق المفرط بالخمر والمخدرات والنساء، فإن القمار هو الأخطر والأفدح والأسوأ عاقبة، ذلك أنه الأسرع فى الدفع إلى هاوية الفقر والإفلاس، فالذين يتورطون فى سحره وجاذبيته لا يسهل عليهم التملص والإفلات.
- مثلما يفيد القوادون وتجار المخدرات من زبائن الدعارة ومدمنى الهروب عبر الدخان الأزرق، فإن هناك من يحول القمار والمقامرين إلى مشروع يستهدف الربح، عبر توفير المكان الآمن بكل متطلباته والمفردات المصاحبة له، وهو جهد مدفوع الثمن، وتجارة يجرمها القانون وتحقق أرباحًا طائلة.
- المصائر التعيسة للأغلب الأعم من المقامرين، فى عالم نجيب محفوظ، لا تعبر عن رغبة المبدع فى توقيع العقوبة الاجتماعية، بل إنها محاكاة وثيقة الصلة لمعطيات الواقع، الذى تبرهن أحداثه ووقائعه على صحة ما يجسده الكاتب الكبير، فلا يجنى المقامرون فى النهاية إلا الخراب والدمار.
يكشف تحليل نجيب محفوظ لشخصيات المقامرين الأكثر أهمية، عن وعيه بتقاليد وطقوس اللاعبين المحترفين، وثمة توافق كامل بين الشخصية ودوافعها والمنهج الذى تتبعه فى إدمان القمار، ولا يخلو الأمر من طموح إلى التنفيس والتعويض، مرده إلى احتياجات نفسية ومادية وسياسية واجتماعية، ويعبر عن مآزق وأزمات فادحة معقدة.
قد يكون صحيحًا أن القمار ليس ظاهرة واسعة الانتشار فى المجتمع المصري، لكن الحقيقة الراسخة أنه قائم وموجود، ويتخذ أشكالًا شتى، وفى كتابات نجيب، ما يعبر بصدق ودقة وموضوعية عن تلك المفردة التى تسهم فى تشكيل الواقع الاجتماعى المصري، ولا يمكن إهمالها أو إنكارها.



الانتحار
يمكن تعريف الانتحار بأنه التخلص الإرادى من الحياة، تعبيرًا عن اليأس والضيق الذى لا يمكن احتماله، وتتنوع دوافع وأسباب الانتحار، بين النفسى الوجودى والعاطفى والسياسى والاقتصادي، تنوع الطرق والوسائل المتبعة، فهناك من ينتحرون غرقًا وحرقًا وقفزًا من أماكن مرتفعة وبتناول السم أو إطلاق الرصاص.
الفصل الأول من دراستنا هذه: «الإطار التاريخي»، يبرهن على اتساع عالم نجيب محفوظ لتاريخية ظاهرة الانتحار، وهو ما يتجسد فى الوقائع التى تقدمها بعض الروايات التى تتناول التاريخ المصرى القديم.
يرصد الفصل الثاني: «الانتحار بين المنطقى والغرائبي»، رصد الكاتب الكبير لغموض وغرابة بعض حوادث الانتحار التى لا يمكن تبريرها أو فهم واستيعاب دوافعها، فى مقابل حوادث انتحار أخرى تبدو منطقية مبررة، تمثل تتويجًا متوقعًا لجملة من التفاعلات، فضلًا عن الإشارة إلى مفهوم الانتحار المعنوي، الذى لا يرادف الموت المباشر، وإن اقترب منه على الصعيد النفسي.
فى الفصل الثالث: «الضيق الوجودي»، تحليل لبعض محاولات الانتحار التى تنم عن خلل ملموس فى البناء النفسى وعجز عن التواصل مع الحياة، ويتوقف الفصل أمام قسوة الآباء التى تدفع الأبناء إلى محاولة الانتحار قبل الأوان، وصولًا إلى الإطار الفلسفى الذى يتعامل مع فكرة الانتحار دون شروع فى التنفيذ العملي.
ينشغل الفصل الرابع: «الحب والخيانة والشرف»، بحوادث الانتحار، أو الشروع فيها، جراء صدمات عاطفية وتفريط فى الشرف وجنوح إلى الخيانة الجنسية، وترتبط المفردات السابقة جميعًا بمنظومة القيم الأخلاقية والدينية التى تحكم المجتمع وتتحكم فى مساره.
فى الفصل الخامس: «الدوافع الاقتصادية والدلالات السياسية»، تركيز على معاناة الفقراء وإفلاس الأغنياء كدافع مهم للإقبال على التخلص من الحياة، ومحاولة لرصد الدلالات السياسية لبعض حوادث الانتحار.
الفصل السادس والأخير عن: «خصوصية أفراح القبة»، وهى الرواية الأهم، عند نجيب محفوظ، التى يمثل الانتحار جزءًا أصيلًا من بنائها الفنى ومعالجتها الموضوعية.



العنوسة
يقدم نجيب محفوظ رؤية بالغة الأهمية عن ظاهرة العنوسة فى المجتمع المصري، منذ بدايات القرن العشرين إلى قرب نهايته، وعلى الرغم من إدراكه أن العنوسة تطول الرجال والنساء على حد سواء، فإن تركيزه الأكبر، كما هو الحال فى معطيات الواقع، ينصب على عنوسة المرأة.
يبرهن عالم الكاتب الكبير على أن جمال الفتاة لا يعنى تزايد الفرصة فى الزواج المبكر والنجاة من العنوسة، وأن الدمامة- فى المقابل – لا تقف حائلًا أمام الزواج، فالمسألة تتجاوز الشكل الخارجى وتعكس تفاعل مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة.
من ناحية أخرى، فإن بعض الفتيات اللاتى يتأخر زواجهن، ويضعهن المجتمع فى خانة العنوسة، تعشن حياة طبيعية مستقرة فى انتظار أمل يراودهن فى الزواج من حبيب بعينه، أو لوجود أسباب موضوعية لا تجعل للقلق وجودًا فى أعماقهن، وليس من النادر الاستثنائى – فى هذا السياق- أن تتزوج من توحى المؤشرات جميعًا بأنها قد استقرت فى خندق العنوسة.
القضايا السابقة يناقشها الفصل الأول، الذى يحمل عنوان «على حافة العنوسة»، أما الفصل الثانى فيناقش «العنوسة الإرادية»، حيث الامتناع عن الزواج لأسباب تتعلق بالفتاة الموصوفة بالعنوسة، ومن ذلك إيثار حياة الاستهتار والانفلات الأخلاقى والشذوذ، أو الارتباط القوى المؤثر بقصة حب قديمة تحول دون الارتباط بحب جديد يقود إلى الزواج، وقد يكون الإضراب عن الزواج رهينًا بتجارب جنسية صادمة موجعة تصنع حاجزًا مع الرجال جميعًا.
يتوقف الفصل الثالث: «لعنة العنوسة»، أمام ردود الفعل المتباينة للفتيات الموصوفات بالعنوسة، فمنهن الراضيات المستسلمات اللاتى يستقر بهن المقام على شاطئ اليأس، وقطاع منهن يسكنه التوتر والغضب ويتفنن فى صناعة أجواء النكد والتعاسة، وقد يصل التطرف فى رد الفعل إلى مرحلة الانتحار والتخلص من الحياة.
يؤكد عالم نجيب محفوظ أن العنوسة نتيجة منطقية لعوامل اجتماعية واقتصادية، دون إنكار وإهمال لبعض العناصر الذاتية، وأن الانعكاسات السلبية للظاهرة ليست فردية فحسب، بل إنها أيضًا تطول محيطًا أوسع من العانس نفسها، ووفق هذا التصور الصحيح الدقيق، فإن القضية اجتماعية فى المقام الأول، وتقليص آثارها وتداعياتها رهين بحراك عام شامل يرادف تطور المجتمع وتقدمه ونموه.



الطلاق
يبدى نجيب محفوظ اهتمامًا لافتًا بظاهرة الطلاق فى المجتمع المصري، وتمثل الشهادة التى يقدمها رؤية عميقة واعية، تبرهن على طبيعة العلاقة الجدلية التى تربطه بالحياة المصرية فى مناحيها المختلفة، فهو يأخذ منها ويضيف إليها.
فى الفصل الأول: «الطلاق الإجباري»، ينتبه الكاتب الكبير إلى وقوع الطلاق أحيانًا دون إرادة من الزوج، فهو قد يُدفع إليه بالقهر والإجبار، رضوخًا لإملاءات أطراف تملك من القوة، المادية أو المعنوية، ما تفرض به القرار، بحثًا عن مصلحة شخصية مباشرة، أو كعمل مدفوع الأجر يقوم به الفتوات لحساب أطراف أخرى. وفضلًا عن ذلك، فإن الطلاق الإجبارى يقع عندما يُسجن الزوج، فعندئذ يمنح القانون للزوجة حق الحصول على الطلاق، دون نظر إلى رغبة الزوج أو إرادته.
«مصائر المطلقات» هو موضوع الفصل الثانى من الدراسة، وفية مراودة الإجابة عن سؤال رئيس: أى مصير تئول إليه المرأة بعد طلاقها؟!. قد تُتاح للمطلقة فرصة زواج جديد، تنعم فيه بالاستقرار أو تُطلق من جديد، وربما تفضى الظروف الاقتصادية المتدهورة إلى الانحراف وحياة الدعارة، وسيلة وحيدة لإشباع الضرورات والاحتياجات المادية الملحة، بعد غياب العائل الذى يتولى الإنفاق، وثمة مصير ثالث، يتمثل فى الرضا بحياة الوحدة والحرمان، فترتد المرأة إلى ما يشبه العنوسة مجددًا.
يتوقف الفصل الثالث: «دوافع الطلاق»، أمام الأسباب الأكثر شيوعًا وانتشارًا لتدمير الحياة الزوجية والعصف بها والوصول إلى محطة الطلاق. الفقر عامل خطير لا يمكن إهماله، فالمعاناة الاقتصادية منغص يحول دون الاستقرار، والإسراف فى الغيرة عامل آخر تستحيل معه العشرة ويعز التعايش، وثمة عامل ثالث يتجسد فى السلوك المستهتر غير السوى للزوج، الذى يدمن اللامبالاة ولا يتحمل المسئولية. ويبقى العامل الأكثر شيوعًا ممثلًا فى «غياب التوافق» بين الزوجين، وهو مفهوم يتسع للكثير من المعاني.
الفصل الرابع والأخير: «الطلاق والخيانة»، يتوقف أمام خيانة أحد طرفى العلاقة الزوجية كدافع أساس للطلاق، الخيانة لا ترادف الطلاق بطبيعة الحال، فالزوج قد لا يرى فى خيانته ما يستوجب الطلاق، والزوجة قد تخون برضا الزوج وموافقته، وفق صفقة صريحة يبحث فيها كلاهما عن مصلحته: المال للزوج، والحرية بلا عوائق للزوجة، بالمعايير المنطقية، لا تختلف خيانة الرجل عن خيانة المرأة، لكن المقاييس الاجتماعية لا تقر بمثل هذه المساواة النظرية، ذلك أن خطيئة المرأة لا تقبل الغفران، أما خطيئة الرجل فأقرب إلى الخطأ العابر من منظور الذكورية المهيمنة!!.



الشذوذ الجنسي
موضوع هذه الدراسة عن «الشذوذ الجنسى فى عالم نجيب محفوظ»، وقد ركزت المقدمة على وجود فارق هائل، لا يمكن إنكاره أو إهماله، بين الشرق والغرب، فى التعامل مع الظاهرة، التى تنتشر فى كل زمان ومكان، وأكدت أن إدانة الكاتب الكبير، للشذوذ، لم تحل دون سعيه لاستثمار الظاهرة من أجل الكشف عن كثير من مظاهر الخلل غير الجنسى فى المجتمع المصري، وأشارت إلى أن نمط الشذوذ المدروس هو العلاقة الجنسية المثلية بين أفراد الجنس الواحد، رجالًا كانوا أم نساء.
يحمل الفصل الأول عنوان «المتهمون بالشذوذ»، ويتوقف أمام ثلاث شخصيات مهمة فى عالم نجيب:
- إخناتون فى «العائش فى الحقيقة»
-رفاعة شافعى فى «أولاد حارتنا»
- منصور باهى فى «ميرامار».
هؤلاء جميعًا متهمون، على نحو ما، بأنهم شواذ، وحقيقة الأمر أن الاتهام لا ينهض على أساس، ولا يعنى ممارستهم للفعل الجنسى الشاذ، ذلك أن المقصود هو التعبير عن كراهية القائمين بالاتهام لما يبشرون به من الأفكار، أو يقومون به من سلوك، الرغبة فى التشهير والإساءة هى الهدف، وليس مثل الشذوذ من تهمة مشينة مسيئة، وفى هذا ما يكشف عن الموقف الاجتماعى السلبى من الشذوذ والشواذ.
ويمثل الفصل الثاني: «شتائم وشائعات»، امتدادًا للفصل الأول، فالشذوذ الجنسى تهمة يتم توجيهها دون جدية أو يقين بهدف السب والشتم والتحقير، كما أنه يتحول إلى أداة لتفسير بعض مالا يسهل تفسيره من وقائع وأحداث، اتهامات يغلب عليها البطلان، وشائعات لا أساس لها أو منطق، وهو ما يصب من جديد فى خانة الكشف عن الإدانة الاجتماعية الأخلاقية لممارسى الشذوذ، وكل من تنسبه الشبهات والشائعات إليهم.