الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مؤتمر الرياض والمقاطعة الاحتجاجية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المفارقة أن الذى استهدف بالمقاطعة الاحتجاجية ضد السعودية فى أزمة خاشقجى هى البرامج التى تهتم بالتنمية، والشباب، والمرأة، والتطوير الاجتماعى والمستقبل. الانسحابات الجماعية الأمريكية لم تكن ضد نشاطات سياسية أو عسكرية، بل ضد مؤتمر الاستثمار الذى بدأ أعماله أمس فى الرياض. فمعظم برنامج المؤتمر الذى قاطعه عدد من الشركات والمصارف الغربية موجه للإصلاح فى السعودية، لتمكين الشباب، ومنح المرأة الفرص الموازية للعمل، وتقليص دور الحكومة بزيادة التخصيص، والدفع باتجاه نظام تعليمى حديث، والاستثمار فى الترفيه، وبناء المتاحف، والمراكز الفنية وغيرها.
وتبدو غريبة المقاطعة من بلدان وشركات كانت إلى سنوات قريبة هى التى تنتقد الرياض على انغلاقها الاجتماعى، وتزمتها الدينى، ومنعها النشاطات الفنية والاجتماعية، وتطالب بدور أكبر للمرأة وللقطاع الخاص وغيره.
وجاءت دعوات مقاطعة مؤتمر الاستثمار من جهات مختلفة بينها تنظيمات إسلامية متطرفة تستغل قضية خاشقجى لأغراضها السياسية. ووفق ما نشرته صحيفة «وول ستريت»، فإن الموقع الإلكترونى الذى قاد حملة ضغط وتخويف الشركات والأفراد المشاركين فى المؤتمر لم يكن بريئًا بل يعود لأحد المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو لزواره موقعًا مستقلًا 
محترمًا!
لا يوجد قلق على السعودية بأن ينقصها مستثمرون أو شركات دولية، ما دامت تملك السيولة المالية الكبيرة، ومستعدة للانفتاح على العالم، وعندما تنجح فى إصلاح نظمها البيروقراطية القاتلة، ومحاربة الفساد. بدليل أن كثيرًا منها تراجع فى الساعة الأخيرة وأرسل ممثلين عنه. المؤتمر لم يفشل، والاستثمار لم يتوقف. والحقيقة كنت أتفهم لو أن المقاطعة وجهت لمؤتمر للصناعات العسكرية، أو لمنتدى سياسى فى الرياض، وكنت سأعتبرها حالة احتجاج مقبولة فى ظل ظروف الأزمة الحالية. إنما لا يبدو منطقيًا مقاطعة برامج ومخططات ذات توجهات جليلة اعتبرت فتحًا مهمًا عندما قبلت بها المؤسسات السعودية وأعلنت عنها. الهدف هو دفع السعودية إلى التحول الإيجابى، إلى الانفتاح الاجتماعى، ومنح المرأة مساحة وفرصًا واسعة، وإقناع الحكومة بأن تقلص دورها فى إدارة شئون المجتمع من خلال توسيع مشاركة القطاع الخاص، وتحقيق الأتمتة والتوطين وتحسين مستوى المعيشة، وكل ذلك لتعزيز النمو الحقيقى وليس العيش على ثمن بيع برميل النفط فقط. الهدف من ذلك كله تغيير مفاهيم الحكومات والمجتمعات بالالتفات للإصلاح الداخلى الذى تحتاج إليه منطقة الشرق الأوسط المنشغلة دائمًا بالحروب والفتن السياسية.
لقد كان نجاح دبى والإمارات عمومًا، فى السنوات الماضية محفزًا للجميع على خوض التجربة، وعندما بدأت السعودية السير فى طريق الانفتاح والانتقال، جاء على شكل ثورة اجتماعية واقتصادية، وأصبحت هى الأخرى تعطى أملًا فى تغيير المنطقة كلها نحو الأفضل. هذا الدرب يستحق التشجيع مهما وقعت من حوادث ومات من ضحايا.
* نقلًا عن «الشرق الأوسط»