السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملحمة أكتوبر - 2

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أدركت إسرائيل فى الأول من يوليو 1967 أن النصر الذى حققته فى الخامس من يونيه لن يكون نهاية المطاف، وأن المصريين لن يرضوا بالهزيمة، وقد تجلى ذلك بوضوح فى أول مواجهة حقيقية بين الجيشين، والتى تمت فى منطقة «رأس العش»، وانتهت بخسائر فادحة فى صفوف الجيش الإسرائيلى فعلموا أن القادم صعب، وأن الجيش الجريح يستعيد عافيته فى سرعة مذهلة، وفى الرابع عشر من يوليو، أى بعد عدة أيام من معركة «رأس العش» قامت قواتنا الجوية بطلعات مفاجئة كبدت فيها القوات الإسرائيلية الموجودة فى سيناء خسائر كبيرة، وأجبرت بعضا منها على الفرار نحو الشرق، ومن هنا زادت الثقة لدى المقاتلين المصريين؛ فكانت معارك المدفعية فى العشرين من سبتمبر 67؛ حيث تمكنت المدفعية المصرية من تدمير وإصابة عدد غير قليل من الدبابات الإسرائيلية قدرت بنحو تسع دبابات، وفى نفس العام (67)، تم إغراق المدمرة «إيلات» التى كانت تشكل ثلث القوات البحرية الإسرائيلية، وهكذا فقد استطاعت قواتنا المسلحة من إعادة البناء النفسى والمعنوى فى وقت قصير للغاية؛ فقد آمن قادة الجيش بأنه لا مناص عن المعركة واسترداد الكرامة، ولذا قرروا عدم الالتفات إلى أى صراعات أو مشكلات من شأنها التأثير فى الهدف الأساسى لهم أو فك أواصر هذا الجيش العظيم، فمصلحة الوطن أهم من الأفراد، ولذا تجاوز الجميع المحنة التى حدثت بسبب المشير عامر؛ فقد كان من الضرورى أن يستمر الجيش فى تدريباته وإعادة بنائه مرة أخرى بشكل علمى مدروس ليبدأ مرحلة جديدة من الكفاح، وهى ما أطلق عليها «حرب الاستنزاف»، والتى تكبدت فيها إسرائيل خسائر لا حصر لها، وأفقدتها الروح المعنوية العالية التى سادتها عقب الخامس من يونيه، لدرجة أنها فقدت توازنها وبدأت ترد على ضربات الجيش المصرى بضربات موجهة للمدنيين من أبناء شعبنا؛ فقصفت مدرسة «بحر البقر» الابتدائية فى محافظة الشرقية، يوم 8 أبريل 1970، ونتج عن ذلك استشهاد 30 طفلا وإصابة 41 آخرين، أعمارهم ما بين السادسة والثانية عشرة، وذلك فى جريمة وحشية يندى لها الجبين، وكذلك استشهد عشرات من العمال فى مصنع بـ«أبى زعبل»، وإذا فكرنا بتحليل هذه الضربات التى وجهتها إسرائيل للمدنيين من عمال وأطفال، سندرك أنها لم تفعل ذلك إلا انتقاما من جيشنا الذى كبدها خسائر فادحة أثناء حرب الاستنزاف، ويكفى أن نذكر أن سلاح الجو الإسرائيلى فقد أكثر من سبع وعشرين طائرة، وذلك حسب اعترافهم، أما القوات البرية فقد خسرت طوال حرب الاستنزاف 72 دبابة و119 مجنزرة و8 مدافع هاون، وفى المجال الاقتصادى تكبدت إسرائيل خسائر مالية باهظة نتيجة رفعها الدائم لحالة الطوارئ، وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلى أن قواتهم فقدت خلال حرب الاستنزاف وبسببها أربعين طيارا، وأن خسائرهم فى القوات البرية قد بلغت 827 قتيلا و3141 جريحا وأسيرا، وهذه الأرقام تقل كثيرا عما ورد بكتاب «ريفى شيف» المحلل العسكرى الإسرائيلى وكتاب «شلدمو جازيت» سكرتير رئيسة الوزراء للشئون العسكرية وقتها عن نفس الموضوع، ولكن لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى أمام هذه الخسائر التى تكبدتها؛ حيث قررت إنشاء ساتر ترابى بعرض قناة السويس وبارتفاع يصل فى بعض الأماكن إلى 22 مترا، وذلك لفصل سيناء تماما عن مصر ومنع تقدم الدوريات المصرية إليها؛ حيث كان جنودنا البواسل يعبرون القناة ليلا ثم يقومون بأعمال بطولية وفدائية ويعودون مرة أخرى، ولذا فكر حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى فى إنشاء هذا الساتر وتحصينه بأساليب متطورة لتعجز أعتى الجيوش عن عبوره، وقد استعان بارليف بخبراء من أمريكا وألمانيا وبلجيكا فى إقامة هذا الساتر، ولأن عبدالناصر فكر فى ضرورة التقاط الأنفاس لشن حرب شاملة فقد وافق على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجرز والخاصة بوقف إطلاق النار، وكان ذلك فى أغسطس 70، أى قبل وفاته بشهر واحد، ولا شك أن وفاته قد أحدثت صدمة عنيفة للجميع؛ حيث كانت الآمال متعلقة به، فهو فى ضمير معظم أبناء الشعب القائد الملهم الذى سيسترد الأرض كاملة، أما على الجانب الآخر فقد تيقنت إسرائيل وأمريكا أن خليفته مهما كان اسمه لن يكون فى قوة عبدالناصر، وفى مذكراته يقول وزير الخارجية الأمريكى الأشهر «هنرى كيسنجر» لقد كنت متأكدا أن السادات لن يبقى فى الحكم أكثر من ستة أشهر، وأن مصر ستدخل صراعا على السلطة بين رفقاء ناصر الأقوياء، وجاءت كل التقارير لتؤكد ضعف السادات «ولكن جاءت الرياح بما لاتشتهى السفن؛ فقد تسلم السادات حكم مصر فى السادس عشر من أكتوبر 70، وكان الجو ينذر بالغيوم والضبابية فى كل شىء، فموعد انتهاء وقف إطلاق النار بموجب «مبادرة روجرز» سيحل فى السادس من نوفمبر، والشعب يريد الثأر بحرب شاملة تعيد لنا كرامتنا المفقودة وأرضنا المسلوبة، ولكن قواتنا المسلحة غير جاهزة لمثل هذه الحرب الشاملة، واختيار السلام فى هذه اللحظة يعنى إعلان الهزيمة والاستسلام، ولذا لا مناص عن المعركة، وما أن انتهى السادات من إجراءات حلف اليمين حتى عقد اجتماعا مع معاونيه أمسك فيها ورقة فى حجم الفولسكاب وذيلها بكلمة الحرب، ثم بدأ يكتب على كل سطر يعلو كلمة الحرب المشكلات التى تعيق الدخول فى هذه الحرب، ومن أهمها السلاح والوقود وضمان وقوف العالم معنا وسلامة الجبهة الداخلية وتوفير التموين اللازم والأغذية المهمة للشعب أثناء المعركة، وتحديد الموقف المثالى لإنهاء المعركة، والوقت الملائم، وقال السادات لمعاونيه بالحرف الواحد: «يعلم الله يا سادة أنه ليس حبا فى الحرب، ولكنها الضرورة التى فرضت علينا هذا الأمر، إننى أعلم خطورة الحرب والدماء التى قد تراق والشهداء والضحايا، ولكن لا سبيل أمامنا غير هذا الطريق».. وللحديث بقية.