الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

كمال زاخر: البابا شنودة الثالث أسس قداسًا قبطيًا داخل وخارج مصر.. وما يحدث صراع ضد التنوير

كمال زاخر، المفكر
كمال زاخر، المفكر القبطي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما يحدث صراع بين الحرس القديم والحركة التنويرية التى يقودها البابا تواضروس 
الوحدة التى نريدها اليوم هى وحدة الكنيسة وليس وحدة الطوائف.. والحديث عن مكان البابا خلال الصلاة «ازدواجية»

قال كمال زاخر، المفكر القبطى، إن الهجوم على البابا تواضروس بعد مشاركته في الصلاة لبطاركة ومطارنة الشرق بدعوة من البابا فرنسيس، للصلاة من أجل سلام دول الشرق الأوسط، هو صراع لتسوية خلافات قديمة بين ما نطلق عليه «الحرس القديم» والبابا، فهم يصارعون للحفاظ على مكتسبات حققوها من قبل ويظلوا متصدرين المشهد، مضيفًا: «إذ كنا نؤمن بمبادئ المسيحية، فالمسيح يعلمنا من أراد أن يكون أولًا فليكن أخيرًا، لذلك فالحديث عن مكان البابا خلال الصلاة هو نوع من الازدواجية».
واستطرد: «فى الوقت الذى يزعم فيه البعض ضرورة التقارب والوحدة، لا يتقبلون أى اختلاف قابل للحوار والنقاش، خاصة أن الخلاف بين الكنائس كان لأسباب كثيرة، فمنذ انشقاق الكنائس فى القرن الخامس، وكل كنيسة تزعم أنها تملك الفكر الصحيح، لذلك فالهجوم على البابا حاليًا لتلك الأسباب». ولفت إلى أن البابا ومعه الأساقفة المستنيرين يسيرون فى طريق حقيقى وسليم للوحدة، ومهاجمو البابا يعيشون حالة عدم أمانة بين جوهر المسيحية ومصالحهم الشخصية.

وأضاف: «الوحدة التى نريدها اليوم هى وحدة الكنيسة وليس وحدة الطوائف، فالطائفة سلطة والكنيسة خدمة، والطائفة مصالح والكنيسة مجانية، والطائفة حصريّة والكنيسة لا حدود لها، فلا خوف من أن تذهب الطوائف، بل الخوف من أن تذهب الكنيسة، فيجب العودة إلى كنيسة الخدمة المجانية». 
واستطرد: يبدو أن هذا الجيل سيلحق فى دورة زمنه انفراجة ما، وسيرى ضوء فى نهاية النفق، ففى الأفق سحابة قدر كف، تنبأ، بالمخالفة لأجواء التصحر التى تغشانا، بأن مطرًا غزيرًا قد يفاجأنا، وقد يعيق الذين فى الجبال عن النزول إلى الوادى.

ويستمكل زاخر: فبينما الذين تربوا فى أجواء الخوف والتربص والتوجس يملأون الدنيا نواحًا على مجد غابر، ويحذرون من ذئاب متوهمة، ويديرون معارك بسيوف خشبية، فيما ترتعد فرائصهم ويدارون فزعهم بأصوات عالية تطن الآذان كلما طالعت حساباتهم ومواقعهم وكتائبهم فى جنبات الفضاء الإلكترونى.
وأوضح المفكر القبطى: كانت الدعوة للقاء بطاركة ورؤساء كنائس الشرق موجهة من البابا فرانسيس، لقاء للصلاة، إيمانًا منه بفاعلية وقوة الصلاة، وكانت الفكرة مقترحة من البطريرك الأشورى مار كيوركيس الثالث عندما التقيا 2016، والذى يرى أن «الأوقات التى نعيشها تدعونا إلى إبراز الصلاة كونها علامة الوحدة»، على أن هذا النوع من اللقاءات يجد دائمًا من ينظر إليه بارتياب بفعل صورة ذهنية رسمتها خبرات مؤلمة عبر عقود وقرون، يتحالف معها شبكة مصالح استقرت وترجمت فى مواقع وسلطات ومراتب تتهددها نجاح هذه اللقاءات فى خلق واقع جديد يحرك وربما يفكك هذه المصالح والمواقع.
ولفت: يبدو أن التعاطى مع هذه اللقاءات بآليات السياسة ومنهجها دفع البعض لانتقاد ذهاب البابا تواضروس للمشاركة بنفسه، وهو على رأس أقدم كنيسة بالشرق، وتحسب واحدة من الخمسة كراسى الرسولية، ليتساوى مع كنائس أحدث وأصغر، بل انتقدوا ترتيبات الوقوف عن يمين ويسار البابا فرنسيس، فى إعادة إنتاج لأحد أهم عوامل الصدام التاريخى بين الكنائس، ربما لهذا يجدر بنا أن نعيد قراءة ما قاله البابا فرنسيس عن حاجتنا إلى التصدى لواقعنا «بشجاعة رسولية» و«مواجهة هشاشة الوضع الداخلى والضعف فى العديد من الأجهزة الكنسية بالشرق»، وهى القضية التى حسمها الرب يسوع المسيح مع تلاميذه، حين طلب اثنان منهما أن يحظيا بمواقع متقدمة فى ترتيب الجلوس معه، وتذمر بقية التلاميذ الأمر الذى أرسى معه المسيح قاعدة العمل الأساسية لهم «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا».

ولفت: يذهب البابا تواضروس إلى مدينة «بارى» بإيطاليا حيث يعقد اللقاء بثانى أكبر كاتدرائية «القديس بولس» بعد كاتدرائية حاضرة الفاتيكان «القديس بطرس»، ويقيم فيها قداسًا قبطيًا، ولم يكن مبتدعًا لهذا فقد أسس لهذا النهج قداسة البابا شنودة الثالث داخل وخارج مصر، ولعلنا ما زلنا نذكر استعارتنا لكنيسة «كوردى ييزو الكاثوليكية»، أمام نقابة المحامين بشارع عبدالخالق ثروت بوسط القاهرة، يومًا بالأسبوع لإقامة القداس وخدمة مدارس الأحد للأقباط الأرثوذكس المقيمين حولها، رغم وقوعها بين كنائس وسط البلد «مارجرجس» بالقللى، و«القديسة دميانة» بالعدوية بولاق أبوالعلا، و«المرقسية» بكلوت بك، وغير بعيد عنها «العذراء بالزمالك»، وكانت الخدمة بتلك الكنيسة بتوجيه ورعاية الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط البلد والسكرتير العام السابق لمجمع الأساقفة.
وأضاف: هاجس الوحدة المسيحية يشغل بال البابا المصرى والمستنيرين من أساقفة الكنيسة، وكان أيضًا بؤرة إهتمام بابا الفاتيكان، وقد التقيا على تفعيله بغير قفز على المراحل، أو تغليب العاطفة على ترتيب التوافقات اللاهوتية، المؤسسة على إيمان الكنيسة ما قبل صراعات الانشقاق، وإزالة ركام عصور وسيطة ومدخلات السياسة والإثنية والانتماءات الضيقة، وجفوة انقطاع التواصل، والعمل المشترك على اكتشاف مكتسبات التعدد والتنوع. 
ولفت إلى أن ثمة تأكيدًا مشتركًا أن المحبة، كقيمة مسيحية لاهوتية وليست مجرد قيمة أخلاقية إنسانية، هى المدخل الرئيس للوحدة المسيحية، وأداتها المترجمة هى الصلاة بحسب وصف البابا فرانسيس، إن هذه المحبّة تجدُ تعبيرها الأعمق فى الصلاة المشتركة. فعندما يصلّى المسيحيّون معًا، يدركون أنّ ما يجمعهم هو أعظم كثيرًا ممّا يفرّق بينهم. إن توقنا للوحدة هو مستوحى من صلاة المسيح: «لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا»، مستطردًا: فلنعمِّق جذورنا المشتركة فى إيماننا الرسوليّ الأوحد عبر الصلاة المشتركة».

واستشهد زاخر بما قاله البابا فرنسيس فى ختام الصلاة قائلًا: فى ختام يوم الصلاة هذا يلقى قداسة البابا فرنسيس كلمة أعرب فى بدايتها عن «الفرح للمشاركة التى عشناها اليوم بنعمة من الله حسب ما ذكر، وتابع أننا تبادلنا المساعدة لإعادة اكتشاف وجودنا المسيحى فى الشرق الأوسط، وشدد على أن هذا الوجود سيكون أكثر نبوية كلما شهد ليسوع رئيس السلام، مشيرًا إلى خطر تعرض الكنائس أيضًا إلى تجربة منطق العالم، منطق القوة والربح، وأيضًا إلى خطيئة عدم تماشى الحياة مع الإيمان التى تعتم الشهادة. 
وواصل قداسته، والحديث على لسان زاخر، متحدثًا عن أن بشرى يسوع السارة، يسوع المصلوب والقائم انطلاقًا من المحبة، قد كسبت قلوب البشر عبر القرون منطلقة من الشرق الأوسط، لا لارتباطها بقوى العالم بل بقوة الصليب العزلاء. 
ثم تحدث البابا فرنسيس عن الحوار الأخوى الذى جمعه مع قادة الكنائس فى الشرق الأوسط، والذى كان علامة على ضرورة التطلع المتواصل إلى اللقاء والوحدة بلا خوف من الاختلافات، وأضاف قداسته أن هذا ينطبق على السلام أيضًا، الذى يجب إنماؤه حتى على أرض يبستها المواجهات، لأنه ما من بديل عن السلام والذى لا يتم بلوغه بهدنة تضمنها الجدران أو إظهار القوة، بل بالرغبة الفعلية فى الإصغاء والحوار. وقال قداسته فى هذا السياق: إننا ملتزمون بالسير والصلاة والعمل، ونتضرع كى يسود فن اللقاء على استراتيجيات الصدام، وأن تحل محل علامات التهديد والسلطة علامات الرجاء، أى الأشخاص ذوى الإرادة الطيبة من الديانات المختلفة الذين لا يخشون تبادل الحديث وقبول منطق الآخر والاهتمام المتبادل. وأكد الحبر الأعظم أنه فقط من خلال الاهتمام بألا ينقص أحد الخبز والعمل والكرامة والرجاء ستتحول صرخات الحرب إلى أناشيد سلام».