السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الناس اللي فوق!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذا العنوان هو اسم لواحدة من أشهر مسرحيات نعمان عاشور، وقد سبقنى فى استخدامه كثيرون، لا لعجز عن اختيار اسم، ولكن لتأكيد على واقع لا يتغير منذ قرابة الستين عامًا، هى عمر هذه المسرحية. تتعاقب العصور، ويذهب أشخاص ويأتى آخرون، ونحن على ما كنا عليه حريصين، ننافق الكبار دون خجل، ونتملقهم رغم أنفهم، وعلى حقوق الصغار متوغلون، وإذا سأل سائل عن ضرر طاله، أو استنكر ظلما تعرض له، يكون الرد جاهزًا.. إنها تعليمات من (الناس اللى فوق) وكم من جرائم ترتكب، وأكاذيب تروج، وصفقات تعقد، وقهر يمارس، باسم هؤلاء البشر (اللى فوق) بعلمهم أو من وراء ظهورهم.
لا يمل من الكذب والتدليس من يستخدمون الكبار فزاعة، ربما كان الملل فقط من استخدام أكلاشيه (الناس اللى فوق) فرأيناهم يستخدمون عبارات أخرى مثل (تعليمات عليا أو جهات سيادية أو سيتم عرض الأمر أو أرسلت للناس لمعرفة رأيهم) فإذا سألت عن هذه الجهات أو هؤلاء الناس.. تأتيك الإجابة نصف ضحكة أو نظرة استنكار!!
هذا ما شببنا عليه، وشاب عليه السابقون، وعندما حان وقت التغيير.. قاوم الفاسدون، واستمروا فى غيهم، لن يوقفهم وزير يحاكم بسبب فساد، أو محافظ فى السجن، أو شخص ادعى قربه من مسئول كبير فصار عبرة، أو رئيس طالب أكثر من مرة بعدم الزج باسمه فى أى قضية، بل إن من يستخدمون الكبار فزاعة لتحقيق مصالح شخصية تناسوا أن الرئيس ليست لديه فواتير يسددها لأحد، ولا عزيز عليه سوى الوطن، ومن يعملون من أجل النهوض به.
الناس اللى فوق.. جملة اتسع نطاق استخدامها، فأصبحت متداولة بشكل شبه يومى فى صغار الأحداث وكبرياتها، ففى أزمة مستشفى (٥٧٣٥٧) تم تداول هذه العبارة، بل إن البعض حاول استخدام اسم الرئيس وكبار المسئولين لمجرد التخويف، ثم جاء القرار المنصف بتحويل الموضوع برمته إلى التحقيق، وذلك يضمن الحفاظ على هذا الصرح الكبير، كما يضمن معاقبة المخطئ إذا كانت هناك أخطاء.
حاول البعض الزج باسم النظام فى مشكلة مستشفى سرطان الأطفال، فسمعنا همسًا بأن تعليمات صدرت للمجلس الأعلى للإعلام بحظر النشر، ثم سمعنا آخرين يروجون لتعليمات صدرت بمواصلة النشر والتحقيق مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام، فلا هذا حدث ولا ذاك، ولا وجود للنظام فى هذه الأزمة، وإحالة الموضوع للتحقيق يدلل على صدق ما نؤكد، لكنها الكتائب الإلكترونية التى تسعى للدفع بالنظام ليكون شريكًا فى قضايا هو الأبعد عنها، أو يحاسب على مشاريب لم يشربها. وفى القنوات الفضائية شاع شعار (الناس اللى فوق) حيث يستخدم البعض أسماء مسئولين لتحصين أنفسهم، فادعوا قربهم من مسئولين أو معرفة وثيقة تجمعهم بهم، حتى أصبحت جملة (من طرف مين؟) هى الأشهر فى أغلب القنوات، وأصبح شائعًا بين الجميع أنه لا مكان لأحد فى صحيفة أو قناة إلا إذا كان من طرف أحد المسئولين، كل هذا ربما فى غيبة عن الذين تستباح أسماؤهم، أحد المذيعين طلب من صاحب قناة خاصة فرصة عمل، فطالبه بتوصية من (الناس اللى فوق) مؤكدًا له أن الأمر لم يعد بيده، ولا يعمل بقناته إلا من يحمل توصية، ومن جهة بعينها، والمذيع يعلم أنه لا سلطان لأحد على هذا الرجل، فقط هو يسعى كعادته للتمسح بكبار المسئولين، ربما ليحيط نفسه بهالة افتقدها، أو ليلمح بأنه ما زال قريبًا من دوائر صنع القرار.
عملية تطفيش العاملين ببعض القنوات ما زالت مستمرة، وللأسف.. تستخدم فيها أسماء جهات وشخصيات، هى بالتأكيد بمنأى عن ذلك، لكن نظرة واحدة من هذه الجهات لكواليس القنوات سيتم اكتشاف مهازل تسىء إلى جهات مهمة ومسئولين كبار.
زحف شعار (الناس اللى فوق) إلى بعض الوزارات والمؤسسات، فهذه وزيرة تغازل الكبار بالنشيد الوطني، تفرضه مع قسم الأطباء على المستشفيات، فى سابقة هى الأولى من نوعها، وما هذا إلا تودد للناس اللى فوق، وبدلًا من فكرة تنهض بالمنظومة الصحية وتحمى المرضى، جاءتنا الوزيرة بفكرة تحمى مقعدها.
وهذا وزير دأب على الزج باسم الرئيس فى كل تصريح، راق للناس أو لم يرق، معتقدًا أن هذا يحميه، لكنه نسى مع صاحبة روشتة علاج المرضى بالنشيد الوطنى أن الرئيس لا يستهويه إلا العمل، وكم من مسئول اعتقدناه محصنا من الإقالة.. تم استبداله بآخر قادر على العطاء، فلا شفع له نفاق ولا حمى منصبه تملق.
إلى كل من يرفعون شعار (الناس اللى فوق) كفى إساءة لجهات يحترمها الجميع، وشخصيات تضعون أسماءها لخدمة مصالحكم الشخصية، فالأوطان يبنيها الإنتاج والإبداع، ويهدمها ويحبط شعوبها الفهلوة والوساطة والسطحية والأهواء الشخصية.