السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخير والقيمة الأخلاقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن البحث فى الحياة الأخلاقية، والكشف عما تنطوى عليه من آيات «الخير» و«أسس الواجب» و«ضروب الفضيلة»؛ من أوثق الأبحاث الجدية اتصالًا بالفكر البشرى، وقد فطن الناس للقيم الأخلاقية منذ أقدم العصور، ولمسوا وجودها فى حياتهم اليومية، وشعروا بأن لهذا الوجود ميزات فريدة ظهرت أولها فى مستوى الواجبات، أو الفضائل، وفى ارتباط الواجب بهدف محمود هو «الخير»، وضرورة مجانبة شىء مذموم هو «الشر». 
لذلك نظر مفكرو الأخلاق إلى الحياة الإنسانية على أنها كفاح مستمر ضد «الشر»، وبحث متواصل عن «الخير»؛ فراحوا يبحثون عن ماهية «الخير»، هل هو قيمة مطلقة أم نسبية؟ هل هو قيمة ذاتية فى الأفعال؟ أم قيمة تضاف إلى الأفعال؟ كما وجهوا جّل اهتمامهم لبيان مسئولية الإنسان عما يصدر عنه من أفعال، ذلك لأنه لا قيمة للخير إلا بالاختيار الممكن للشر. والحق أن ما نسميه باسم «الخير» إنما هو عملية جهد حر يقوم فيها الإنسان بالبحث عن «القيم» بوصفها «غايات» أو «أهداف» نهائية للحياة البشرية.
ومن هنا كان البحث فى «الخير» والمقاييس التى تُضطلع فى التمييز بينه وبين الشر مكانه الملحوظ فى التفكير البشرى منذ أقدم العصور، واتسعت شُقة الخلاف بين الباحثين فى تصورهم لطبيعة «الخيرية» Goodness ومقاييسها، فقد رأى البعض أن «الخيرية» تطلق على ما يتصف به كل موجود من الكمال، فكل كائن ينزع بطبعه إلى كماله الذى هو خيرية وجوده، كما تعنى «الخيرية» صفة للشخص الإنسانى أو صفة الشىء الخارجى، فإذا أطلقت على الإنسان دلت على من يحب «الخير» ويفعله، أو على من يشعر بالآم الآخرين ويدفع الأذى عنهم؛ ويرغب فى تحقيق سعادتهم، وإذا أطلقت على الشىء الخارجى دلت على ما يتصف به ذلك الشىء من الكمال الخاص به، أو على ما يجده الإنسان من اللذة والمنفعة فى الحصول عليه. و«الخيرية» بهذا المعنى مرادفة للصلاح والطيبة والمنفعة، كقولنا: و«خيرية» الفعل أى صلاحه، و«خيرية» النفس أى طيبتها، و«خيرية» العلم أى منفعته. ولا شك أن «الخير» بمفهومه العام يعادل مفهوم «القيمة» أى يهتم بأهداف السلوك أو غاياته المثلى، ويكشف ما ينبغى السعى إليه، أى ما هو «خير» أو ما له «قيمة».
ويذهب رالف بارتن بيرى، صاحب كتاب «آفاق القيمة» الذى يعُد من أهم المؤلفات الضخمة التى تناولت موضوع القيم على نطاق واسع – بهذا المعنى – إلى القول: «لدينا معنيان لكلمة «خير»، فهى فى معناها العام تعنى الطابع الذى يتخذه أى شىء فى كونه موضوعًا لاهتمام إيجابى، وعلى ذلك فكل ما يرغب فيه الإنسان أو يحبه أو يريده هو إذن خيرًا؛ أما مفهومها الخاص، فإن صفة الخير الأخلاقى تتجه نحو الاهتمامات المنظمة تنظيمًا يتوافق مع اهتمامات ومصالح الآخرين». ويقول فى موضع آخر: «الحياة الخيرة من الناحية الأخلاقية يمكن أن توصف بأنها شرط السعادة، وهو شرط تكون فيه كل المصالح إيجابية، وذلك بزيادة الأعضاء وتعاونهم. 
ويلقى هذا الوصف ضوءًا على المطلب التقليدى للسعادة الذى هو الهدف الأخلاقى الأسمى». وهكذا فإن «الخير» بالمعنى العام، والذى يمثل القيمة العليا فى تنظيم سائر القيم، ينقلنا إلى مفهوم «الخير الأسمى» – كما سبق القول – فمعظم الفلاسفة يرون أن للعالم خيرًا أو غاية قصوى؛ يدرك فيه خير الجنس البشرى على أنه هو نفسه «الخير العام» أو «المطلق»، أو متضمن فيه أو وثيق الاتصال به. 
و«الخير الأسمى» يمثل القانون الإلهى، كما رأى بعض المفكرين، فالناس عادة والشرائع والأديان يهتمون «بالخير الأسمى»؛ ويرون أن القانون الإنسانى هو قاعدة للحياة مهمتها الوحيدة المحافظة على سلامة الحياة والدولة، أما القانون الإلهى فهو قاعدة لا تهدف إلا للخير الأقصى؛ أى إلى المعرفة الحقة وإلى حب الله، فحب الله هو سعادة الإنسان القصوى ونعيمه والغاية الأخيرة لجميع الأفعال الإنسانية.
و«الخير الأسمى» يفترض تنظيمًا تصاعديًا فى نظام تسلسلى واحد وشامل، حيث يشغل كل موضوع فيه مكانًا متميزًا فريدًا تحدده علاقاته تجاه المجموع، فمعظم الأشياء التى نسميها «خير» لا تكون لها قيمة إلا من حيث هى وسيلة لخير أشمل منها، وهذا بدوره يبين أنه ليس إلا وسيلة لخير آخر أبعد مدى؛ وهكذا يكون لدينا سلم متدرج حتى نصل للخير الأسمى.