الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"سرنجة الهواء".. طريق الموت السريع.. (ملف)

«سرنجة الهواء»..
«سرنجة الهواء».. طريق الموت السريع.. "تحقيق"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الحشيش والبودرة بأنواعها، والترامادول، وأصناف عديدة مدرجة فى جدول المخدرات، بالصيدليات، وسيلة الشباب للإدمان، واليوم، ظهرت سرنجة الهواء، والحقن فى مناطق حساسة بالجسم، ليظهر الجيل الرابع والجديد للإدمان فى مصر، فى صورة خطرة تستدعى دق جرس إنذار للتحذير منها.

سرنجة الهواء القاتلة

تقول الإحصائيات إن نسبة تعاطى المخدرات فى مصر للفئة العمرية، من سن ١٥ إلى سن ٦٥ سنة تبلغ ضعف المعدلات العالمية، وأن ١٣ مليار جنيه سنويًا تكلفة الإدمان فى مصر، مقابل وفاة عشرات الآلاف بسبب المخدرات.
وتتصدر «سرنجة الهواء» قائمة طرق التعاطى المنتشرة فى مصر حاليًا، وهى عبارة عن خليط من البودرة المخدرة مثل الهيروين أو الكوكايين أو أى نوع من الحبوب المخدرة، ويتم طحنها وإضافة مياه لها والقليل من الهواء، وتسحب بسرنجة وتعطى فى الوريد، وأحيانًا فى أماكن حساسة بالجسم، وخطورتها أنها تؤثر على الجهاز العصبى وتؤدى للوفاة.


ويقول الدكتور محمود علي، استشارى العلاج النفسى والإدمان، إن تعاطى سرنجة الهواء معروف منذ وقت طويل، ولكن سبب انتشارها فى هذا الوقت بالتحديد، هو الحالة المتأخرة التى يصل إليها العديد من المدمنين بسبب التأخر فى علاجهم، الأمر الذى يجعلهم يحقنون أنفسهم بالمادة المخدرة فى أماكن حساسة بجسدهم، سواء بالقرب من العضو الذكرى أو تحت الإبط للإحساس بالمتعة، وتلك الأماكن بجسم الإنسان عامة غير مهيئة للحقن فيها، وهو ما يسبب لها تليفًا شديدًا، الأمر الذى يؤدى للوفاة.
ويضيف «علي»: عندما يصل المتعاطى لمرحلة متأخرة من الإدمان يحقن نفسه بالمادة المخدرة فى أماكن متفرقة فى جسده، بعد حرق شرايين يديه من تكرار الحقن بها، وعدم إحساسه بنشوة المادة المخدرة، وانعدام تأثير مفعولها، لتقليل الشعور بالألم فى وقت احتياج جسده للمخدرات.
ويؤكد «علي»، أن الشخص المدمن سواء كان مدركًا بخطورة حقن نفسه فى تلك الأماكن الخطيرة أو لا، إلا أن تأثير احتياج جسده للمادة المخدرة يجعله يبحث عن أى أوردة بجسمه، وحقن نفسه فيها لتفادى الألم المبرح الناتج عن الإدمان.
وتابع «علي»، فى فترة من الفترات، كان الترامادول هو المتربع على قائمة المواد المخدرة فى مصر، ولكن منذ عام ونصف تقريبًا، سيطرت مواد أخرى وانتشرت بشكل كبير وعلى رأسها «الأستروكس»، وهو عبارة عن نبات البردقوش، مضاف إليه مركبات الهيوسين والهيوسايمين والأتروبين، وهى من أخطر المواد المخدرة التى عرفها الإنسان، حيث تؤدى إلى هلوسة بصرية وسمعية، ودخول عقل المتعاطى فى رحلة ذهنية تؤثر عليه، لتصل به إلى مرحلة الانتحار، أو دخوله فى نوبة هبوط حاد فى الدورة الدموية تؤدى إلى الوفاة فى كثير من الحالات، ويأتى بعد الاستروكس، الترامادول، ثم الحشيش، ثم الهيروين، وتلك أكثر أربعة أنواع مخدرات مسيطرة على سوق الإدمان فى الوقت الحالي.



أسباب تشجع على التعاطى والإدمان

ويرى «علي»، أن السبب فى انتشار أنواع جديدة من المواد المخدرة، أو عودة مواد قد اختفت منذ زمن بين الشباب، يعود للحالة الاقتصادية التى تشهدها البلاد، والتدنى الأخلاقي، وغياب دور الأسرة فى الرقابة على الأبناء، بالإضافة إلى السبب الأساسي، وهو التأثير السلبى للدراما التى تشجع على تعاطى المواد المخدرة، وترسيخ مفهوم الفائدة التى تعود على الشخص الذى يتعاطى المواد المخدرة، وترسيخ المفاهيم الخاطئة لدى المشاهد، بأن التعاطى يعطى القوة الجنسية، أو القوة البدنية، التى يبحث عنها الكثير من الشباب حتى ولو لوقت قصير.
وتابع: وأحد الأسباب أيضًا هو غياب دور رجال الدين، الذين من المفترض أن يساعدوا فى توعية الشباب بتحريم التعاطي، لأنه يبدد الصحة والمال، ويؤدى للموت أيضًا، وهذا يخالف الشرع فى جميع الديانات السماوية، ومع وجود حب الاستطلاع عند الشاب، فيبحث عن مواد مخدرة أخرى أكثر تأثيرًا، خاصة وأن المفعول الذى تعطيه تلك المواد فى بداية التعاطى يقل مع الوقت ويتلاشى تمامًا، ويصبح بلا تأثير أو مفعول يذكر بعد التكرار وزيادة عدد مرات التعاطي.
وأوضح «علي»، أن تجار المواد المخدرة يقومون بالتنويع فى تلك المواد، لتوفير احتياجات الشباب وكل شرائح المجتمع بأسعار مختلفة، سواء بالمواد المخدرة الأساسية أو بتعاطى الأدوية المهدئة، مثل الليروجين أو الليريكا، وهى أدوية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل بالجهاز العصبي، وتحدث لهم حالة من الهدوء والسكينة.
وأكد «علي» أن تعاطى تلك المواد بكميات كبيرة، ربما بسبب سوء الاستخدام، أو بيعها بعشوائية، وبدون مراعاة لقانون بيع وتداول تلك المواد، الذى يشترط فى الأساس أن يكون بيع تلك الأدوية بروشتة طبية، حيث يبحث المتعاطى عن شيء أقوى من هذه الأدوية، وبالرغم من وجود تلك الأدوية منذ وقت بعيد وعدم إقبال المدمنين عليها، إلا أن ضمها لجدول المواد المخدرة، والتحدث عنها فى المسلسلات والأفلام، ومعرفة الناس بأن هناك أدوية مثل الترامادول، أو حبة الفيل الأزرق، تسبب فى زيادة نسب تعاطيها بشكل كبير.

المرحلة الأخيرة للإدمان
وغالبًا تبدأ رحلة البحث عن مواد أكثر فاعلية، وعند تعاطى الشخص مادة أعلى فى المفعول يبدأ جسده بالارتياح مع مفعول المادة الجديدة، ومع مرور الوقت تتكرر العملية حتى يصل إلى أعلى المواد تأثيرًا، ويصبح مدمنًا فى المرحلة الأخيرة، ويحقن نفسه بالمادة المخدرة فى أماكن حساسة بالحقنة المتعارف عليها باسم «سرنجة الهواء»، أو يتعاطى مادة الأستروكس التى تسبب هلاوس سمعية وبصرية، أو رحلة يعيش فيها فى فترة قصيرة لا تزيد على ربع ساعة، ولكن فى كلتا الحالتين قد يقوم بالانتحار أو الوفاة المباشرة.
ويوضح الدكتور أحمد هلال، أخصائى الطب النفسى: إن الإدمان فى مصر قديم، ومنذ عشرات السنوات وليس وليد اليوم.
وتابع: بدأ مع دخول اليهود مصر بحجة السلام، حيث كان هدفهم الأول والأخير هو التخلص من شباب مصر ومن ثروتها، حيث إن قوة أى أمة تقدر بثرواتها وشبابها، ومن هنا زاد الإدمان فى مصر، أما قبل ذلك فقد كانت هناك حالات فردية قليلة أو نادرة، ولكن اليهود استطاعوا تدمير جزء كبير من صحة الشباب المصري، ومع ذلك لم يكن معروف سوى نوع واحد فقط، وهو الحشيش، أما الآن فانتشرت أنواع كثيرة من المخدرات شديدة الخطورة، وتراجع الحشيش فى خطورته عن باقى الأنواع، مثل الهيروين والكوكايين والحقن المنشطة، ومن الغريب أن المصرين يؤيدون ذلك، ونرى الكثير من الشباب يتعاطى كل تلك الأنواع.

صندوق المكافحة الغائب
وأضاف «هلال»، أنه لا يوجد فى المجتمع شخص مخلص فى عمله إلا القليل جدًا، ولا نجد من يعمل على محاربة تلك الظاهرة، لأنه لا يوجد قانون يردع كل من تسول له نفسه تعاطى مثل تلك الأنواع من المخدرات، فنجد حتى فى الريف الذى لم يكن نسمع به من قبل، يتعاطى شبابه تلك المواد المخدرة، ونجد به الكثير من الشباب المتعاطين الذين من المفترض هم أساس مصر وهم العقل المفكر وشباب المستقبل، ويعتبر الشباب أن ما يفعلوه هو الصواب، فى ظل غياب القوانين، وقصور دور مجلس مكافحة الإدمان فى توعية الشباب.
وأضاف أخصائى الطب النفسي، من المفترض أن يكون لصندوق مكافحة الإدمان دور قوى وفعال فى مكافحة الإدمان، والحد من انتشار تلك الكارثة، كما يجب تكثيف حملات للتوعية بمشكلة المخدرات على المستوى الشخصى والأسرى والمجتمعي، بما فيها البعد الاقتصادى الخاص والعام، خاصة أن عدد ضحايا الإدمان فى زيادة مستمرة تلك الفترة، فى ظل الظروف الاقتصادية ومشاكل الحياة التى لا مفر منها، فالشباب فى إقبال مستمر على المخدرات بمختلف أنواعها سواء كان ترامادول أو حقن «بوتكس»، والتى انتشرت فى الأيام الأخيرة أو غير ذلك من الأنواع التى لا حصر لها، موضحًا أنه على الرغم من تزايد العدد إلا أن المستشفيات تعمل على معالجتهم فى سرية تامة، لأن ذلك من المواضيع شديدة الحساسية.
ويؤكد «هلال»، أن الشباب فى إقبال كبير على المواد المخدرة بمختلف أنواعها، وأن الحشيش كان من أكثر المخدرات انتشارًا فى مصر بشكل كبير، لكن تراجع تعاطيه بشكل كبير بعد ارتفاع سعره، ووجود بدائل بأسعار مخفضة كحبوب الكبتاجون والاستروكس، ومادة الهيروين أيضًا بدأت تتواجد بكثافة فى الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن تلك المواد خطيرة جدًا وتؤدى إلى الأمراض النفسية والعقلية والجسدية الخطيرة.
وأكد أن الأطفال الذين يعيشون ويعملون فى الشوارع هم عرضة للعنف والاستغلال وتعاطى مواد الإدمان، حيث يلجأ الكثير منهم إلى المخدرات من أجل تحمل ظروف حياتهم الصعبة من جوع وألم وعنف المجتمع ضدهم، فهم يلجأون إلى استنشاق البريوسول وإدمان السجائر والحبوب، التى يحصلون عليها بكل سهولة من الصيدليات.

محلات بيع الخمور
«الشعب المصرى متدين بطبعه»، تلك المقولة معروفة فى مصر ونسمعها من الكثير، ولكن كيف يكون الشعب متدينًا فى حين تنتشر محلات بيع الخمور فى كل مكان، فحين تتجول فى الشارع المصرى وخاصة منطقة وسط البلد، وفى المحافظات الأخرى، تلاحظ تواجد العديد من محلات بيع الخمور.
ويكشف الدكتور عبدالله أحمد، استشارى علاج نفسى والإدمان بصندوق مكافحة الإدمان، أن محلات الخمور والكحوليات بدأت تزداد بطريقة مخيفه فى الآونة الأخيرة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار المخدرات المصنعة وقلة وجودها بالسوق المصرية بدأ المتعاطون بتجريب الكحوليات المتوفرة فى المحلات والبارات المتاحة للجميع حيث إنها أرخص سعرًا كما أنها تغنيهم أو تسد القليل من حاجتهم لتلك المواد المخدرة وبمرور الوقت يتحول معهم إلى إدمان.
وواصل «عبدالله أحمد»، أن تلك المحلات موجودة فى مصر منذ فترات بعيدة، ولكن انتشرت كثيرًا فى الآونة الأخيرة منها محلات فى منطقة وسط البلد والهرم وغيرها، ووصل الأمر إلى بيع الكحوليات فى الشوارع بمنطقة باب البحر.
وناشد استشارى علاج الإدمان، الدولة بضرورة التدخل على الفور لإصدار قانون يجرم بيع الخمور بالمحلات وبالشوارع، مطالبًا بالتدخل السريع لمنع الموافقة لتلك المحلات التى دمرت وستدمر أجيالاً قادمة إذا استمر الوضع على تلك الحال.

تراجع الحشيش

وأوضح الدكتور عبدالله أحمد، استشارى علاج الإدمان، أن الوضع أصبح سيئًا للغاية، لأن المخدرات بكل أنواعها انتشرت فى كل مكان فى جميع أنحاء الجمهورية، خاصة بعد ثورة ٢٥ يناير، وغياب الرقابة سواء فى المنزل أو فى الشارع، حيث تحول الخيال إلى واقع، واتجه الشباب إلى الترامادول، بمساعدة الصيدليات التى تبيعه بطرق غير قانونية.
وأوضح «أحمد»، أن السبب الرئيسى فى زيادة المخدرات فى الفترة السابقة، يعود لزيادة عمليات تهريب العقاقير المستخدمة فى التعاطي، عبر الصين والدول المجاورة، خاصة أن المخدرات حاليًا تباع بطرق سهلة وبسيطة جدًا، عكس ما كان يحدث فى الفترات السابقة، حيث الآن توجد بعض المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي، التى تروج للمخدرات والمنشطات على أنه علاج لبعض الأمراض المزمنة.
وأكد استشارى علاج الإدمان، أن أكثر من ٧٠ ٪ من مدمنى المخدرات أقل من ٢٥ عامًا، لذا لابد أن يكون لمستشفيات علاج الإدمان دور قوى وفعال للحالات التى تزداد يوما بعد يوم، خاصة الراغبين فى علاج مشكلات الإدمان لديهم.
وأوضح، أنه يوجد عدد من النساء مدمنات، ويأخذن مواد مخدرة متعددة، سواء كان عن طريق «البرشام»، أو غيره من المواد المخدرة الأخرى، مؤكدًا أن النساء المدمنات لديهن فى الأصل مشكلات نفسية واجتماعية.
ويقول الدكتور سعيد صادق، الخبير الاجتماعي، أن كل ما يعرض على الدراما المصرية من مسلسلات وأفلام ومشاهد تداول المخدرات، يشكل تهديدًا على مستقبل الشباب، لأن الشباب والأطفال يطبقون كل ما يرونه على الشاشات، وذلك عن طريق اتخاذ هذه المشاهد وتطبيقها على أرض الواقع.
وأوضح «صادق»، أن الأمر يحتاج تدخلًا فوريًا من قبل الأهالى والمسئولين للحد من تلك الظاهرة التى تهدد المجتمع بشكل عام.
وشدد الخبير الاجتماعي، على ضرورة أن يكون هناك دور للأسرة خلال مرحلة تأسيس الشباب وتربية أطفالهم بطرق صحيحة وسليمة، لأن التربية الخاطئة تؤثر على حياة الأطفال فى مرحلة الشباب، مؤكدًا على وجوب الأخذ فى الاعتبار أن الطفل فى مرحلة معينة من عمره يريد تقليد كل شيء يراه.
وتابع «صادق» يجب على الأسرة شرح الأعمال الدرامية، وإظهار الخطأ بها والصواب ومعرفة الهدف من المسلسلات والأفلام التى تقدم على التلفاز، بالإضافة إلى التوعية ضد أصدقاء السوء ومتابعة الأطفال فى أوقات الفراغ، خاصة فى مراحل المراهقة لأن فى هذه السن تكون هناك أسباب شخصية تقربه من تعاطى المخدرات والإدمان، كضعف الوازع الدينى أو اضطرابات الشخصية أو حب الاستطلاع.
وأشار «صادق» إلى أنه يجب أن يكون هناك رقابة صارمة من جانب الدولة على الأفلام والمسلسلات التى تقدم، موضحا أن أسباب الوقوع فى المخدرات متعددة، منها ما يتعلق بأسباب أسرية، مثل القدوة السيئة من قبل الوالدين، أو إدمان أحد الوالدين أو التفكك الأسرى بانفصال الوالد عن الوالدة، أو إهمال الوالدين لأبنائهم، بالإضافة إلى أصدقاء السوء وأوقات الفراغ خاصة فى مراحل المراهقة.