الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الهزارة".. كلمة سر إحياء "داعش" في أفغانستان (ملف)

داعش
"داعش"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طالت عدة تفجيرات أقلية الهزارة الشيعية بأفغانستان، وآخرها الهجوم الانتحاري، الذي استهدف في 25 مارس حسينية بمدينة هرات، مما يعجل بحدوث سيناريو كارثي، فى إطار مخطط تنظيم «داعش»، للعودة للأضواء مرة أخرى، والتمدد بشكل سريع فى تلك الدولة الآسيوية، المنكوبة بالحروب والأزمات. 

وهناك عدة أمور تخدم أجندة «داعش» لإشعال صراع مذهبى فى أفغانستان، أبرزها، استمرار التدهور الأمنى فى البلاد، والتراجع الحاد فى شعبية حكومة الرئيس أشرف غني، بجانب أن «داعش»، يجد فى أبناء الطائفة الشيعية، هدفا سهلا، يمكن استهدافه بأقل التكاليف، بسبب ضعف السلطة المركزية.
ويهدف التنظيم إحياء النعرات المذهبية والطائفية، لتحقيق عدة أمور، أبرزها، أنه يواجه تحديا من قبل حركة طالبان، التى تضم، العناصر الأكثر تشددا فى أفغانستان، ولذا يستهدف الأقلية الشيعية، حتى يظهر مختلفا عن هذه الحركة، التى تستهدف بشكل خاص قوات الأمن المحلية والأجنبية.
كما أن التنظيم يستثمر هجماته ضد الهزارة، الذين يقدر عددهم بحوالى ثلاثة ملايين من أصل 30 مليون نسمة، والذين ينتشرون فى كافة أرجاء أفغانستان، خاصة فى غرب البلاد، والعاصمة كابول، للترويج أنه ينتقم للسنة فى العراق وسوريا، الذين تعرضوا للقتل والتشريد على أيدى الشيعة فى البلدين، وبالتالى جذب المتطرفين من أنحاء العالم أيضا لصفوفه.
وبالنظر إلى أن إيران، هى من تقف وراء ما يحدث فى العراق وسوريا، فإن تركيز «داعش» على أفغانستان، يكشف أيضا عن أن الأمر لا يرتبط بخلاف عقائدي، مثلما يروج، وإنما لأن الأخيرة، هدف رخو يسهل اختراقه، بالإضافة إلى ما يتردد حول أن إيران تدعم «داعش» سرا فى العراق وسوريا، لتوسيع نفوذها فى الدولتين، ومن ثم، التغلغل فى المنطقة العربية برمتها.
ويبدو أن التطورات السياسية فى أفغانستان غير غائبة أيضا عن استراتيجية «داعش»، إذ يعول التنظيم على احتمال موافقة حركة طالبان على الدخول فى مفاوضات سلام مع حكومة «غني»، وما قد ينجم عنه من انشقاقات فى صفوف الحركة، تصب فى النهاية فى زيادة أعداد المنضمين لصفوفه.

اقتراح غنى 
وكان الرئيس أشرف غني، عرض أواخر فبراير الماضى خطة سلام على «طالبان»، والاعتراف بالحركة حزبا سياسيا، شرط اعترافهم بدستور عام ٢٠٠٤، الذى يحمى حقوق النساء والأقليات، ومنها أقلية الهزارة.
وفى أول رد فعل على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، علقت الحركة، التى تعتبر الحكومة الأفغانية بمثابة «دمية» فى أيدى الولايات المتحدة، أن قبول العرض يوازى «الاستسلام»، إلا أنها أعلنت بعد ذلك، أنها قد تقبل بحوار مع الولايات المتحدة، ما قد يغضب الجناح الأكثر تشددا بداخلها، والذى يصر على استمرار القتال حتى خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد.
ويبدو أن الارتباك فى صفوف طالبان، إزاء اقتراح «غني»، صب فى صالح «داعش»، الذى زاد من وتيرة هجماته ضد الهزارة فى الأسابيع الأخيرة، فى محاولة لتصدر المشهد، والفوز بزعامة الإرهابيين فى أفغانستان، التى تتوفر فيها كافة المقومات، من وجهة نظره، لإقامة خلافته المزعومة بأراضيها، بعد سقوطها فى العراق وسوريا.
ففى ٢٥ مارس، تبنى التنظيم، عبر قنواته على موقع «التليجرام»، هجوما انتحاريا استهدف مسجدا شيعيا بمدينة هرات غربى أفغانستان، ما أسفر عن مقتل شخص، وإصابة ثمانية آخرين.

ونقلت قناة «فرانس ٢٤» عن نائب قائد الشرطة فى هرات، أمين الله أمين، قوله: «إن انتحاريين اثنين حاولا دخول المسجد، لكنهما فجرا نفسيهما، عندما تصدى لهما حراس المسجد، وفتحوا النار عليهما».
وكان داعش تبنى أيضا التفجير الانتحاري، الذى وقع فى ٢١ مارس قرب مزار «كارتى سخي» الشيعي، الواقع فى منطقة يقطنها كثير من الشيعة غربا، أثناء احتفالات هذه المنطقة، بعيد النوروز، أو السنة الفارسية الجديدة، ما أسفر عن مقتل ٣٢ شخصا، وإصابة عشرات آخرين.
والنوروز عيد فارسى قديم يؤذن بحلول فصل الربيع، ويحتفل به فى مناطق كثيرة فى أفغانستان، لكن بعض المسلمين يعارضونه، قائلين: «إنه ليس عيدا إسلاميا».
وفى ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧، تبنى داعش هجوما انتحاريا بمركز ثقافى شيعى غربى كابول، ما أسفر عن سقوط حوالى ٤٠ قتيلا، وجرح ٣٠ آخرين.
وأظهرت، صور، نشرتها مواقع التواصل الاجتماعى حينها، عشرات الجثث فى ساحة المركز، الذى يضم أيضًا مكتب وكالة صوت الأفغان للأنباء، المقربة من الشيعة. 
وفى ٢٥ أغسطس ٢٠١٧، أعلن داعش مسئوليته عن تفجير انتحاري، استهدف مسجدا للشيعة فى منطقة خير خانة بالعاصمة كابول، ما أدى إلى مقتل ٢٠ شخصا على الأقل، وجرح ٤٠ آخرين.

ولاية خراسان 
وبالنظر إلى أن الصراعات الطائفية والمذهبية، تشكل بيئة خصبة لتمدد التنظيمات الإرهابية، فإن «داعش» يسعى لإيقاع أكبر خسائر ممكنة، فى صفوف أقلية الهزارة الشيعية، على أمل أن تنخرط هذه الأقلية فى صراع مع الأغلبية السنية، ما يوفر فرصة كبيرة للتنظيم للتمدد والتوسع، ليس فى أفغانستان فقط، وإنما فى باكستان أيضا.
وكان أبومحمد العدناني، المتحدث السابق باسم «داعش»، والذى قتل فى غارة للتحالف الدولى بسوريا، أعلن فى ٢٦ يناير ٢٠١٥ قيام ولاية «خراسان» فى المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.
وتشكلت ولاية خراسان فى البداية من منشقين عن حركة طالبان وحركة «أوزبكستان الإسلامية»، التى تضم متشددين من دول آسيا الوسطى، والقوقاز.
وظهر «داعش» أولا فى مقاطعة «ننجرهار» بإقليم «خراسان» شرقى أفغانستان على الحدود مع باكستان، واختار حافظ سعيد خان أميرًا لولايته المزعومة، قبل مقتله، فى غارة جوية أمريكية شرقى أفغانستان فى أغسطس ٢٠١٦.
وانطلاقا من ولاية ننجرهار فى شرق أفغانستان، انتشر تنظيم داعش أيضا فى مقاطعة زابول فى الجنوب على الحدود مع باكستان، وقندوز فى الشمال.
وأفادت وزارة الدفاع الأفغانية، بأن «داعش»، اتخذ فى البداية مقرًا فى شرق البلاد فى ولايتى ننجرهار وكونار المتاخمتين لباكستان، مؤكدة انتشار التنظيم أيضا فى ٣ ولايات شمالى البلاد، هى جوزجان، التى نفذ التنظيم فيها سلسلة عمليات دموية استهدفت القوات الأفغانية والشرطة المحلية، وولايتى «فرياب» و«سارِه بول»، إذ قام التنظيم هناك بتدريب منشقين عن «طالبان»، وأعضاء سابقين فى حركة «أوزبكستان الإسلامية». 
ويستغل التنظيم تجارة المخدرات الرائجة فى أفغانستان، لزيادة موارده، وإغراء المزيد من الشباب، ويتردد أن «داعش» ربح ما يقرب من ٥٠٠ مليون دولار من هذه التجارة، عبر إرسال «الهيروين» الأفغاني، لتجار المخدرات بدول آسيا الوسطى، ومنها إلى روسيا وأوروبا.
كما توفر الطبيعة الجبلية - فى منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان، وانتشار تنظيمات مسلحة كثيرة فيها، أبرزها حركة طالبان وتنظيم القاعدة، فرصة للتنظيم لتجنيد عناصر مدربة على القتال، مستغلا تغيير التحالفات، والانشقاقات فى صفوف منافسيه.

ومن أبرز قادة طالبان، الذين انضموا لداعش، عبدالرؤوف خان، الذى كان يقود الحركة فى إقليم هلمند جنوبى أفغانستان، ويتردد أيضا أن نحو ١٥٠٠ مقاتل منشق عن طالبان انضموا لـ«داعش»، فضلا عن إسلاميين متشددين من أوزبكستان.
ويستغل داعش أيضا المشاعر والمعتقدات الدينية والبطالة المنتشرة على جانبى الحدود بين أفغانستان وباكستان، لتجنيد فئة الشباب تحديدا، عبر الزعم بأن حروبه دفاع عن شرع الله.
وغالبا ما تستهدف تفجيرات انتحارية، أبناء طائفة الهزارة الشيعية فى منطقة بلوشستان، ذات الأغلبية السنية، فى جنوب غربى باكستان، التى تبعد نحو ٦٥ كيلومترا من الحدود مع أفغانستان.
وبالنظر إلى أن كويتا، وهى عاصمة إقليم بلوشستان، تعتبر معبرا مهما يربط بين أفغانستان وباكستان، فإن القلق يتصاعد من هجمات أكثر دموية، قد يشنها داعش، فى الفترة المقبلة، مستغلا سهولة تحركاته على جانبى الحدود، وانضمام عناصر هناك لما بات يعرف بـ«ولاية خراسان».
وبصفة عامة، فإن التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» تجد فى أجواء عدم الاستقرار، بيئة خصبة، للتوسع والتمدد، وهذا حدث فى أفغانستان وباكستان، وقبل ذلك فى العراق وسوريا.
ولن تقف الأوضاع المتأزمة فى أفغانستان عند «تمدد» داعش، بل قد يحدث ما هو أسوأ، وهو أن ينتهى بها المطاف إلى دولة فاشلة، فى ظل عجز حكومة الرئيس أشرف غنى عن فرض سيطرتها على الأرض، خاصة فى العاصمة كابول.
ولعل ما يزيد من ضبابية المشهد الأفغاني، أن قوات الناتو والقوات الأمريكية أثبتت هى الأخرى فشلا ذريعا، ووقع ما كان يخشاه الجميع، إذ تحولت أفغانستان إلى ما يشبه الأطلال، فحصيلة السنوات الـ ١٧ الماضية، منذ الغزو، الذى قادته واشنطن فى ٢٠٠١، للإطاحة بحكم طالبان، جاءت فى صالح الجماعات المتشددة، فى ضوء أن مليارات الدولارات التى تدفقت على أفغانستان فى أعقاب هذا التدخل العسكري، لم تعد بأى فائدة على الشعب الأفغاني، الذى يعيش أكثر من ٣٦٪ منه، أى نحو ٩ ملايين، فى فقر مدقع.
وحسب إحصائية لمنظمة العمل الدولية أيضا، فإن ١٢ مليونا من مجمل سكان أفغانستان، البالغ عددهم ٣٠ مليون نسمة، والذين بلغوا سن العمل، يعانون البطالة، لأنهم لا يملكون مهارة أو خبرة فى أى مهنة أو حرفة، بسبب انتشار الأمية والفقر.