الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آه.. يا ابنتي مريم!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يكفى أن نذرف الدموع على مريم عبدالسلام الابنة الغالية التى كشفت الوجه القبيح للعنصرية التى تتحكم حاليًا فى عاصمة الضباب.
لا يكفى أن تكتب المقالات وتوزع الاتهامات حول المسئول عن دماء مريم، ولا يكفى أن نغطى جثمانها بالميداليات والنياشين وباقات الورود، لأن باقة الزهر الحقيقية هى أن نفضح أساليب الجاهلية التى تسربت إلى مراكز صناعة القرار وإلى مجالس حقوق الإنسان هناك وإلى الميديا والصحافة هناك، وفى مقدمتها «بى بى سى»، بل وصلت إلى غرفة نوم تيريزا ماى، بعد أن أحرقت جميع المظاهر الديمقراطية فى لندن ودمرت حقوق الإنسان، وأن الإنجليز أثبتوا باستسلامهم لهذه الثقافة ولهذا السلوك المتدنى.
يا مريم.. إنك لست مجرد ضحية للعنصرية الحاكمة فى بريطانيا وانعدام الضمير، لكنك كنت الرسالة والدليل على أن بقايا الإمبراطورية التى غابت عنها جميع الشموس، وأن الغيوم الدائمة تغيرت تمامًا، فأصبح كل شىء يباع ويشترى، الشرف والمبادئ والقيم والتقاليد المهنية، كل هذه الأعراف داسوا عليها بالنعال، فهل تحولت عاصمة الضباب الشهيرة إلى عاصمة الظلام والإظلام.
مريم.. امتحان سقط فيه الجميع.
سقطت الشرطة البريطانية الشهيرة فأصبحت عاجزة عمياء لا ترى الحقيقة، وصماء لا تسمع، وأصابها التبلد والاسترخاء، والجريمة هنا أصبحت جريمة مركبة، فحادث قتل عمدى وقع، وإهمال عمدى يساند الجريمة، فهل هى جريمة سلطات الضبط أم جريمة من يتستر على الجناة، شىء مخيف أن بريطانيا أصبحت الآن الملاذ الآمن للقتلة ومصيدة قتل الأبرياء، وتكون النتيجة الحفظ لعدم كفاية الأدلة، وهذه هى الجريمة الأكبر.
مريم.. كشفت عجز التحقيق فى بريطانيا، فقد أظهرت هذه الجريمة البشعة أن المجرم يستطيع أن يشير فى شوارع أكسفورد وإدجار واى، ويقف فى حديقة هايد بارك الديكورية يفاخر بجريمته، ويمشى المجرم كأنه ملك فى شوارع لندن وفى عز الظهر الذى لا تسطع له شمس، ولا تطوله يد العدالة.
مريم.. طالبة العلم ليست لها أى حماية، لكن الحماية للبغايا للمثليين وللإرهابيين وللصوص الأرض، ولأعداء الحرية، بينما طالب العلم مهان ومهدد ومعرض للقتل وسفك دمائه، وإذا تعرض لأى جريمة فإن كل هذه الأجهزة تدير له ظهرها وتلتزم الصمت.
مريم.. جاءت لتلقى العلم المتميز، وجاءت تتصور أنها تنهل من منابع الحضارة، فإذا هى تلقى حتفها من مستودع الحضارة، كل شىء فيها مباح للمجرمين، جسدها وأمنها وحياتها، وإذا تعرضت لأى خطر فلا توجد أى متابعة أو أى خطوة إنسانية، ونترك ظروفها وقدرها، فهل هذه عاصمة الضباب. يا مريم.. لقد كان اغتيالك ضمن سلسلة الاغتيالات التى عرفتها لندن، اغتيالًا ماديًا ومعنويًا تحت ساتر المبرر المقيت الكاذب، وهو إطلاق «صفة الانتحار» قالوا هذا المبرر على المرحوم على شفيق، وتم حفظ التحقيق، قالوا أيضًا عن اللواء الليثى ناصف وأغلق الملف، وبرروا بها قتل أشرف مروان وغيره، وما عانته السندريلا سعاد حسنى، فكل هذه الأحداث مثيرة، لأن الفاعل مجهول، لكن مريم وجدوا لها مبررًا وعذرًا أقبح من الذنب وجريمة أبشع من جريمة القتل، حيث أسندوا هذه الجناية القذرة إلى أفارقة، فهذه الجملة غير المفيدة اتهام مبتسر ناقص النمو وغير ناضج فى الحبكة الدرامية، وفيه عنصرية وإهانة إرادية ومبررات واهية تستحيل أن تنطلى على عقل طفل صغير.
وفى تقديرى، إن معالى المستشار الجليل المحترم نبيل صادق النائب العام المصرى تصرف بحكم مسئولياته القانونية والدستورية عن كل مواطن يحمل الجنسية المصرية، سواء كان داخل مصر أو خارجها وبحكم الاتفاقيات الدولية وبحكم صلاحياته فى اتخاذ إجراءات الإنابة القضائية، فقد طلب مراجعة أوراق التحقيق ولا نريد أن نعلق على الوقائع المسطرة فى الأوراق، لأن كل هذه أمور سابقة لأوانها، وأن رؤية المحقق المصرى كفيلة بأن تعدل موازين العدالة المهتزة فى بريطانيا، ومنها ازدواج المعايير حتى فى أبسط حقوق الإنسان، وهو حق العلاج فى المستشفيات البريطانية، وهل يعقل أن تظل مريم على مدى أسابيع التى حرمت من أبسط قواعد الرعاية الطبية تعرضت للاستهانة فى كل المراحل حتى فى ساحة تعتيم الحالة، مما أدى إلى حدوث «غارة ميكروبية» على هذا الجسم النحيل، وهى تقاوم تلك الغارة دون تدخل طبى، أليست هذه هى جريمة، فلقد أثبتت مريم أنها لم تكن مريضة أو جريحة أو مصابة، فإن التقارير الطبية يكاد المرء من أول انطباع يتأكد منها أنها ليست من مستشفى. بيان يسىء إلى مهنة الطب المقدسة. مريم.. أكدت أن عاصمة الضباب يسير كل شىء فيها بالمقلوب، بلد الركوع والسجود للإرهاب والبلطجية والقتلة، والقانون فى غيبوبة والشرطة البريطانية مظهر سياحى فى دولة ازدواج المعايير.
آه يا مريم.. يا ابنتى سنصل للحقيقة ونامى هادئة فقد استطعت بدمائك كشف المستور وأسقطِ الأقنعة من على الوجوه الكئيبة ونزعتِ الغل من الصدور، لكن دماءك لن تذهب هدرًا، لأن نقطة الدم المصرية غالية مهما دفنت فى القبور.
هذه هى باقة الورد التى نضعها على قبر مريم.