الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

الفلبين أرض الخلافة الجديدة لـ«داعش»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نشر مركز «راند» للدراسات، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، تقريرًا بعنوان «هل الفلبين هى الخلافة القادمة لداعش؟»، للباحثين باتريك ب. جونستين، وكولين ب. كلارك، نشرا فيه الأسباب التى تدفع داعش للانتقال إلى الفلبين، بعد هزائمه المتواصلة فى العراق وسوريا، الدراسة ترجمتها بوابة الحركات الإسلامية.


رغم حرص كل من القادة الغربيين والمهتمين فى المنطقة على إعلان النصر وهزيمة تنظيم داعش، خاصة بعدما استطاعت قوات التحالف الدولى والقوات العراقية من استعادة المدن الكبرى مثل الموصل فى العراق، مدينة الرقة فى سوريا والتى يسيطر عليها التنظيم منذ عام ٢٠١٣، إلا أنه من المبكر جدا أن نعد هذه الانتصارات بالنتائج المرضية، فتنظيم داعش كل ما يقوم به حاليًا هو إعادة ترتيب صفوفه من أول وجديد.

تعد دولة مثل الفلبين خير دليل على قوة التنظيم التى لا يمكن الاستهانة بها، فرغم بعد الدولة الآسيوية جغرافيًا عن مركز ميلاد تنظيم داعش فى الشرق الأوسط، ولكن التنظيم استطاع من الاستيلاء على العاصمة ومحاصرتها لمدة ثلاثة أشهر، حتى استطاعت قوات الأمن الفلبينية من إعادة السيطرة على مراوى بشق الأنفس، وبعد معارك دامية سقط فيها الكثير من المدنيين وقوات الأمن.

جاء ظهور تنظيم داعش فى الفلبين متأخرًا، إذ لم يول التنظيم اهتمامًا كبيرًا بالدولة الآسيوية قبل ٢٠١٦، ولكن مع تعرض التنظيم لهزائم كبيرة فى الشرق الأوسط- ومردود هذه الهزائم على حلم الخلافة الإسلامية- وتعرض القيادة المركزية لضغوط شديدة، أبدى التنظيم وجهته إلى الفلبين، خاصة بعد أن بايعت أكثر من ستة فصائل فلبينية مسلحة تنظيم داعش، رغم أن هذه الفصائل لم تتلق أى معاملة بالمثل من جانب التنظيم الإرهابي، إذ لم يعترف داعش علنا بالولاية الرسمية أو المبايعة فى الفلبين آنذاك، ولكن فى نهاية يونيو ٢٠١٦، أصدر المكتب الإعلامى لتنظيم داعش شريط فيديو سلط فيه الضوء على العلاقة الرسمية بينه وبين المسلحين فى الفلبين، وإن لم يعلن رسميًا عن ولاية رسمية له فى الفلبين.

وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مركز «صوفان»، وهو مركز للاستشارات الدولية، فإن عدد المقاتلين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش فى العراق من جنوب شرق آسيا يقدر بنحو ١٦٠٠ مقاتل، وهم يمتلكون خبرة بالمعارك نتيجة خوضهم للحروب مع التنظيم، وهم يشكلون ٥ ٪ فقط من إجمالى عدد مقاتلى التنظيم، الذى يقدر عددهم بـ٣٠ ألف مقاتل.

رغم عدم أولاء التنظيم الإرهابى للمقاتلين فى الفلبين اهتمامًا كبيرًا-مقارنة بفروعه الأخرى فى مصر وليبيا على سبيل المثال- إلا أنهم استطاعوا أن يقوموا بعمل دعاية كبيرة للتنظيم، وتحقيق مكاسب له، إذ تمكنوا من الاستيلاء بشكل كبير على مدينة مراوي، أكبر مدينة فى ميندانا والواقعة تحت الحكم الذاتي، ويبلغ عدد سكانها ٢٠٠ ألف نسمة، وعلى الرغم من أن المسلحين فى الفلبين لم يتم إعلانهم رسميًا كولاية تابعة للتنظيم، إلا أن ثمة روابط أيديولوجية قوية بينهم وبين داعش، الروابط التى جعلتهم يقاتلون بشراسة ودموية وعنف أفشلت كافة الهجمات المضادة لاسترجاع المراوي، الهجمات التى شنتها جماعات مسلحة أخرى فى الفلبين بما فى ذلك جماعة أبو سياف ومجموعة «موت»، مما دفع التنظيم فيما بعد بتعزيز مبايعيه بدعم مادى يقدر بمليونى دولار، لدفع أجور المسلحين.


وتعد الفلبين نموذجًا مثاليًا لتطبيق مشروع «دولة الخلافة الإسلامية»، فى ظل سعى التنظيم إلى إثارة الصراعات العرقية القائمة، والقضاء عليها مع القضايا الطائفية، حيث يتنافس مسلمون من الجنوب مع المسيحيين من الشمال الكاثوليكي، خاصة وأن الفلبين دولة مشبعة بالتنظيمات المتطرفة التى تعود جذورها إلى فترة السبعينيات، عندما بدأت جبهة «مورو للتحرير الوطني» فى شن حرب على الحكومة الوطنية، من أجل الانفصال والحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتى عن الحكومة المركزية فى مانيللا، ولكن مع الانشقاقات التى طالت الجبهة، ظهرت جبهة جديدة باسم «مورو للتحرير الإسلامي» فى عام ١٩٨٤، ولكنها لم تكن بنفس قوة الجبهة الأم، واستمرت فى مناوشاتها مع الحكومة جنوبى الفلبين، ومع بداية التسعينيات ظهرت جماعة «أبو سياف»، والتى ارتبطت بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة، والجماعات الإسلامية الأخرى فى جميع أنحاء جنوب شرق آسيا بما فيها الجماعة الإسلامية.

وينذر الوضع الراهن على الأرض فى جنوب الفلبين بحرب دامية جديدة، بين السكان المحليين وبين الحكومة، فى ظل تزايد المتطرفين ردًا على الحملة الدموية التى تشنها الحكومة، مع استمرار حالة انعدام الأمن والأزمة الإنسانية اللذين يشكلان تحديا كبيرا لجهود إعادة الإعمار فى مراوي، ويهدد التوتر بين الجانبين عملية السلام بين مانيللا وجبهة مورو للتحرير الإسلامي، فى الوقت نفسه، فى الوقت الذى يرجح فيه خبراء عودة المصابين من المقاتلين للمشهد القتالى، خاصة أنهم يتمتعون بالدعم المحلى مما يمنحهم فرصة لإعادة تجميع صفوفهم للقتال فى المستقبل.

وتكتسب مراوى وضعًا خاصًا لدى التنظيم، الذى فقد أكبر معاقله فى الشرق الأوسط، الذى قد يحول اهتمامه تجاه مراوى بعد نجاح المسلحين فى إثبات قوتهم وتواجدهم ونديتهم لقوات الأمن المحلية، ليحول نظره واهتمامه إلى مناطق جديدة، فى ظل مساعيه أن تمتد دولته من جنوب شرق آسيا إلى جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، وقد يصبح المقاتلون الأجانب الذين جاءوا إلى العراق وسوريا من جميع أنحاء العالم نواة الحركات الموسعة فى مناطقهم الأصلية، ولذلك فإنه ومع تفكك تنظيم داعش، فإن الفلبين تعد الدولة الأكثر احتمالية فى أن تصبح أكثر فائدة للتنظيم الإرهابى باعتبارها صمام أمان خارج الشرق الأوسط.

ومن المرجح أن تكون الفلبين مكانا مثاليًا للتنظيم بسبب دعم سكانها المحليين من المسلمين لمقاتليه، ووجود حركات إسلامية متطرفة عنيفة وغير عنيفة، فضلًا عن ضعف المؤسسات المحلية.

ولذلك فإن النشاط الإرهابى ما زال على قيد الحياة وبشكل جيد فى جنوب الفلبين، ويعد تاريخ الفلبين كمركز رئيسى للمتمردين الحاملين لأيديولوجية إسلامية متطرفة، دليلًا على أن إخماد القتال سيكون أكثر صعوبة فى الواقع، حتى ولو لم تكن الفلبين فى الوقت الراهن مركزًا جديدًا لشبكة رئيسية جديدة للجهاد العالمي، فمن المرجح أن تظل أرضا خصبة لتجنيد وتمويل ونشر دعاية مستوحاة من تنظيم داعش أو دعمه المباشر لجدول أعماله العنيف.