الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كفى احتقارًا للذات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عقدين وأكثر ما عاد بوسع أحد منا نحن العرب أن يذكر عنوانًا كبيرًا أو شعارًا فى كلام أو كتابة. إذ إن ذلك يمكن، بل هو محقَّق أن يجلب عليه سخرية أو استنكارًا من الحضور. وقد يصل الأمر إلى الشتيمة إذا حاول المتكلم أن يدافع عن استعماله لهذا المصطلح أو الشعار أو ذاك، من مرحلة سابقة أو من الأزمنة الكلاسيكية. كان هناك من سمى المرحلة التى انقضت بالمرحلة القومية. وقد يصح هذا الاصطلاح أو لا يصح. لكنها بالتأكيد كانت أكثر من ذلك، أو أنّ البيئة النهضوية التى انطلقت منها فى الأصل، جعلتْها مرتبطةً بعدة أمور منها الاستقلال السياسى والثقافى، ومنها العروبة، ومنها الدولة العصرية، ومنها التقدم والتنمية، ومنها الحداثة الاجتماعية، واللغة الجديدة.. إلخ.
إنّ هذه المفاهيم والمصطلحات والشعارات ما خابت جميعًا بالطبع خلال الفترة القصيرة التى طُرحت فيها أو تبنتْها النُخَبُ التى شارك بعضها فى بناء اللغة والثقافة الحديثة. وناضل البعض الآخر منها ضد الاستعمار، ومن أجل بناء الدولة الوطنية العربية. فالاستقلال تحقق أو تحقّقت مقادير منه. والدول الوطنية ذات الأيديولوجيا العروبية ظهرت وتطورت بعض مؤسساتها، وكانت فى عقود النشأة ذات شعبية معتبرةٍ، وما زال بعضها على ذلك حتى اليوم. ويمكن أن نمضى قُدُمًا فى وصف ما أُنجز وما تحقّق خلال سبعين عامًا الأخيرة، وأهمها أنه لا وطن إلا بدولةٍ أو كيان سياسي، وأنّ هذه الكيانات وإن تعددت لا تُضرُّ بالمشروع العربى إذا برزت طليعةٌ منها تقود المشروع، وتُعنى من خلال الجامعة العربية أو فى تعاوُنٍ ثُنائى أو ثلاثى من أجل صون المصالح المشتركة للأمة ورعايتها. وأعان فى ذلك أو عليه ظهور لغة ثقافية مشتركة، وأُخرى سياسية مشتركة أيضًا.
وكما لا يعيّن عاملٌ واحدٌ الانتكاسات الكبرى، فكذلك لا يمكن تعليل التراجع الكبير فى المشروع بانفصام الوحدة بين مصر وسوريا (١٩٦١) ولا بهزيمة عام ١٩٦٧ أمام إسرائيل. وأُضيفت لذلك عوامل الصراع على الزعامة بعد مصر بين العراق وسوريا. ثم كان هذا الانفصام بين المثقفين وأنظمة الحكم والشارع. إذ اكتفوا بالدعوة والعمل على ضرب الموروث الثقافى والدينى باعتبارهما عقبةً فى سبيل بلوغ التقدم.
وإلى ذلك جاءت السياسات الدولية لتفرغ الشعارات من مضمونها. كانت الولايات المتحدة فى النصف الثانى من الثمانينيات قد سلكت أسلوب المواجهة مع الاتحاد السوفييتى من أجل إسقاطه من حرب النجوم وإلى شن الحرب انطلاقًا من أفغانستان، والانفراد بالهيمنة. وإلى حرب أفغانستان انضمت الحرب على العراق عقب اندفاعه لاحتلال الكويت، فكانت القاضية على المشروع العربى المتصدع عبر عقدين وأكثر.
ولا شك أنّ الهول الذى بدأ بالحرب العراقية الإيرانية، ما زالت حلقاته تتتابع. إنما السؤال هنا ليس عن الأهوال، وإنما عن البدائل وإمكانياتها. لا يكفى الاستمرار فى رثاء النفس وشتمها والتحقير للذات إلى جانب ما يفعله العالم كله، ويفعله الفرس والترك!
نقول إنّ ما يحدث منذ مدة مهول وهائل. وقد فشل المشروع العربى فى مرحلته الأولى، لكن لا بديل عنه، لا بديل عن تجديد تجربة الدولة الوطنية والعربية. ولا بديل عن عمل عربى مشترك لاستنقاذ ليبيا والعراق وسوريا ولبنان واليمن! لكنّ هذا لا يعنى أن شعوب تلك الدول والبلدان لا تقاوم، فهى تفعل ذلك، وعلى رأسها الشعب الفلسطينى الذى ناضل الصهيونية على مدى مائة عام.
الانتقاد جائز بل ضروري. لكن دعاة تجديد المشروع العربى لا يستحقون اللوم ولا الشتم. أما آليات التجربة ومناهجها وإدارتها وأبطالها، فكل ذلك لا يمكن ولا يصح تكراره. هناك هذه القوة الدافعة فى الشباب، والتى تجدد وتتجرب كل يومٍ فى فلسطين وسوريا وغيرهما. وهم الكفيلون وسط الظروف الجديدة بتجديد التجربة وقيادتها.
نقلا عن الاتحاد الإماراتى.