السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

السلفية الجهادية.. كابوس تونس المتجدد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم إعلان تونس القضاء على الزعيم الجديد لجماعة " عقبة بن نافع" الإرهابية في ولاية القصرين قرب الحدود مع الجزائر، إلا أن معركتها مع "السلفية الجهادية"، لا زالت مفتوحة على جميع الاحتمالات، بل وقد تتكرر المواجهات الدامية، التي شهدتها البلاد في 2013 و2014، خاصة في جبل الشعانبي، الذي تتخذه الجماعات المتشددة، ملاذا لها.
فمعروف أن هذه الدولة، التي أطلقت الشرارة الأولى للربيع العربي، تشهد صراعا بين العلمانيين والإسلاميين، وتعاني أوضاعا أمنية هشة منذ الثورة التي أطاحت في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إذ سارعت جماعات سلفية جهادية لحمل السلاح، خاصة في المناطق الغربية على طول الشريط الحدودي مع الجزائر.
ولعل ما يزيد من مأزق تونس، أنها تعانى أوضاعًا اقتصادية متردية، إذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ الإطاحة بنظام بن علي، أن تعالج مشاكل الفقر فى البلاد، ما تسبب فى زيادة معدل البطالة، بحوالى ١٥.٦ بالمائة.
وبالنظر إلى الإحصائيات التى تقدر عدد العاطلين فى تونس بحوالى ٦٥٠ ألف شخص، من بينهم نحو ٢٥٠ ألفًا من خريجى الجامعات، فإن الجماعات الإرهابية لا تجد صعوبة فى استقطاب المزيد من الشباب فى صفوفها مستغلة فى ذلك ظروف الفقر والبطالة.
وكانت الأجهزة الأمنية في تونس أعلنت في 21 يناير أنها قتلت الزعيم الجديد لجماعة " عقبة بن نافع" الإرهابية في ولاية القصرين قرب الحدود مع الجزائر.
وقالت وسائل إعلام تونسية، إن القوات الخاصة قتلت بلال القبي، وهو مساعد لزعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبي مصعب عبد الودود، في كمين بولاية القصرين.
كما نقلت "فرانس برس" عن مصادر تونسية قولها إن القبي، وهو جزائري الجنسية، كان يحاول إعادة إحياء جماعة "عقبة بن نافع"، بعد الضربات، التي تلقتها في السنوات الأخيرة على يد القوات التونسية.
وتعتبر جماعة "عقبة بن نافع" من أخطر الجماعات الإرهابية في تونس وتتركز في جبل الشعانبي بولاية القصرين غرب تونس، قرب الحدود مع الجزائر، وهي تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
وفي 2017، تمكنت القوات التونسية من قتل الجزائري مراد الشايب زعيم جماعة "عقبة بن نافع"، وقادة آخرين بالجماعة، ما جعل خطر يتراجع نسبيا، كما تمكنت السلطات التونسية من توجيه ضربات لكتيبة جند الخلافة التابعة لتنظيم داعش.
ورغم ما سبق، فإن الخطر يبقى قائما، لصعوبة التضاريس في جبل الشعانبي، الذي يعد القمة الأعلى في تونس، إذ يبلغ ارتفاعه 1544 مترًا فوق سطح البحر، وتنتشر فيه مغارات وخنادق وغابات كثيفة ساعدت الجماعات المتشددة على التخفي والمناورة، بالإضافة إلى قرب الجبل من الحدود التونسية مع الجزائر، ما يساعد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على التحرك عبر الحدود بين البلدين، خاصة أن هذا التنظيم يتركز بشكل كبير في جبال شرق الجزائر.
وتتحصن جماعات تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي منذ ديسمبر 2012 في جبل الشعانبي، وقامت هذه الجماعات بزرع الألغام في الجبل، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الجيش التونسي، الذي يقوم بحملات عسكرية مكثفة في هذه المنطقة.
وفي 29 يوليو 2013، قام مسلحون بذبح ثمانية من أفراد الجيش التونسي في شهر رمضان، وإثر هذا الهجوم، شرع الجيش التونسي في قصف مواقع المسلحين بالجبل بالمدفعية والطائرات، إلا أنه لم يتمكن من القضاء عليهم. 
وفي 16 يوليو 2014، قتل ما لا يقل عن 14 جنديًا، وأصيب 20 آخرون في كمين نصبه المسلحون في جبل الشعانبي، وقالت وزارة الدفاع الوطني التونسية حينها، إن مجموعتين إرهابيتين هاجمتا بصورة متزامنة نقطتي مراقبة تابعتين للجيش في منطقة هنشير التلة، اندلع على إثرها اشتباكات، استخدم فيها المسلحون أسلحة رشاشة، وقذائف "آر بي جي".
وتبنت جماعة "عقبة بن نافع"، وهي تشكيل عسكري تابع لجماعة "أنصار الشريعة" السلفية الجهادية، الهجوم السابق، ونشرت حينها عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، بيانا قالت فيه ":جرت مواجهات مسلحة بين عدد من جند الطاغوت التونسي وعناصر من كتيبة عقبة بن نافع في جبل التلة في منطقة الشعانبي في ولاية القصرين، تم خلالها استعمال أسلحة ثقيلة، ما أسفر عن وقوع إصابات بليغة في صفوف عناصر عسكر الطاغوت".
ورغم أن تونس سمحت للإسلاميين بالنشاط العلني بعد سقوط نظام بن علي، إلا أنها واجهت المعضلة ذاتها، التي تحدث في معظم الدول العربية، إذ تنقسم السلفية إلى تيارين أساسيين: السلفية العلمية والسلفية "الجهادية".
ويقتصر نشاط السلفية العلمية على الجانب الدعوي، وتكون نشاطاتها مرخّصة، على عكس السلفية الجهادية، التي استغلت خروج عناصرها من السجون، بعد الثورة التونسية، وسعت لإعلان دولة إسلامية باستخدام العنف.
بدايات التأسيس 
تشكلت نواة السلفية الجهادية فى تونس فى الثمانينيات، حينما سافر المئات إلى أفغانستان للقتال ضد السوفييت، وبعد سقوط نظام طالبان فى أفغانستان، عاد هؤلاء إلى تونس مجددًا، وبعد ثلاثة شهور من سقوط نظام بن علي، ظهر تنظيم «أنصار الشريعة»، الذى أسسه سيف الله بن حسين وكنيته «أبو عياض».
وكان قد صدر عفو عام فى ٢٠١١ شمل كل المساجين فى تونس، من بينهم العشرات المتهمين بالإرهاب، على رأسهم أبو عياض.
وأسس تنظيم أنصار الشريعة عدة مواقع إعلامية واجتماعية منها صفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» وقنوات علي «اليوتيوب». ورفع هذا التنظيم فى بدايته شعارات الإصلاح الاجتماعي، ثم تبنى دعوات للقتال ومبايعة تنظيم القاعدة.
وقبل الثورة التونسية، وجهت أيضًا اتهامات لجماعات سلفية جهادية مرتبطة بالقاعدة، بالتورط فى الهجوم الذى استهدف فى ١١ إبريل ٢٠٠٢ «معبد الغريبة اليهودي» فى مدينة جربة فى جنوب شرقى تونس إبان نظام بن علي، والذى أسفر عن مقتل ٢١ شخصًا معظمهم من السياح الألمان. 
ويعود تاريخ معبد الغريبة اليهودى إلى أكثر من ٢٥٠٠ سنة، ويعتبر رمزًا للتعايش فى جربة، التى يقطنها مسلمون ويهود، وأظهرت التحقيقات التونسية وقوف تنظيم القاعدة وراء الهجوم، الذى نفذ عن طريق شاحنة محملة بالغاز. وفي ٢٠٠٦، تحصنت جماعة «أسد بن الفرات» السلفية الجهادية فى جبل «بوقرنين» بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، ودخلت فى مواجهات مع الجيش التونسى انتهى حينها بالقضاء عليها واعتقال بعض عناصرها.
وبعد ثورة ١٤ يناير، نفذت السلفية الجهادية هجمات ضد أضرحة صوفية، وقامت بحرق حانات، وفى ١٢ سبتمبر ٢٠١٢، هاجم عشرات من التيار السلفى الجهادى مقر السفارة الأمريكية بتونس، وذلك فى أعقاب بث الفيلم الأمريكى المسيء للرسول، والمعروف باسم «براءة المسلمين»، ما تسبب حينها فى حرق مقر السفارة الأمريكية ومقتل أربعة من المهاجمين، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين خلال مواجهات مع الشرطة.
ووجهت واشنطن حينها اتهامات للحكومة التونسية التى كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية، المحسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين»، بالتقصير فى حماية السفارة الأمريكية، كما انتقدت الأحكام التى صدرت فى ٢٨ مايو ٢٠١٣ ضد ٢٠ من منفذى الهجوم، بالسجن عامين مع وقف التنفيذ.
وفى محاولة فيما يبدو لامتصاص الغضب الداخلى والخارجي، قررت حكومة «النهضة» منع انعقاد المؤتمر الثالث للسلفيين فى مدينة القيروان «وسط» فى مايو ٢٠١٣، وفى ٢٧ أغسطس من العام ذاته، أعلنت السلطات التونسية تصنيف جماعة «أنصار الشريعة» السلفية الجهادية «تنظيمًا إرهابيًا»، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد زعيمها «أبى عياض».
حادثة «منوبة» 
وبالإضافة إلى الجماعات المسلحة فى جبل الشعانبي، فإن هناك عدة وقائع خاصة بالسلفيين تثير القلق حول مستقبل تونس، إذ حاولت جماعات سلفية متشددة أيضًا اختراق الجامعات التونسية، وهو ما ظهر بوضوح فى ٧ مارس ٢٠١٢، عندما اقتحم عدد من الطلبة المحسوبين على التيار السلفى كلية الآداب بمدينة «منوبة» فى غرب تونس، إذا قاموا بإنزال علم تونس من وسط ساحة الكلية، ورفعوا مكانه «راية سوداء» ترمز إلى الخلافة الإسلامية.
وذكرت وكالة «يونايتد برس إنترناشونال» الأمريكية حينها أنه تم الاعتداء على عميد الكلية، وعلى عدد من الطلبة، مشيرة فى الوقت ذاته إلى أن طلبة التيار السلفى تصرفوا وكأنهم يشاركون فى «غزوة».
وبدوره، قال عميد كلية الآداب بـ«منوبة»، الحبيب الكزدغلي، فى تصريحاته للإذاعة التونسية حينها، إن عددًا كبيرًا من الملتحين من خارج الكلية شاركوا فى هذا الاعتداء، رافعين رايات سوداء كتب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وفى تعليقها على ما سبق، وصفت الرئاسة التونسية حينها إقدام عدد من الطلبة المحسوبين على التيار السلفى بإنزال علم تونس من فوق بناية فى كلية الآداب بـ«منوبة»، واستبداله براية سوداء ترمز إلى الخلافة الإسلامية بـ «العمل الجبان، والجريمة فى حق الوطن».
ومن جانبها، وجهت أحزاب علمانية حينها اتهامات للحكومة التى كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية ويشارك فيها حزبان علمانيان هما: «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الذى ينتمى إليه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، و«التكتل من أجل العمل والحرية»، بالمعاملة اللينة مع «المتطرفين الدينيين». 
وبعد شهور من حادثة منوبة، وتحديدا، في يونيو 2012، أعلن وزير الداخلية التونسي الأسبق علي العريض، وهو قيادي في حركة النهضة الإسلامية، عن تفعيل قانون الطوارئ في مواجهة "السلفيين المتشددين".
ونقل التليفزيون التونسى عن العريض قوله حينها: «إن من يعتقدون أنه من الممكن الاعتداء، من دون التعرض لعقوبة، على مؤسسات سيادية مثل ثكنات قوات الأمن عليهم أن يدركوا أنه فى مثل هذه الحالات وكما ينص عليه قانون الطوارئ، يمكن استخدام الرصاص الحي».
وأشار العريض إلى وجود نوعين من السلفيين: أولهما من يريدون العيش بسلام ولا يسعون لفرض معتقداتهم على الآخرين، ونوع ثانٍ يريد فرض نمط حياة على المجتمع ولا يحترم القانون ويمارس العنف.
وجاءت تصريحات العريض بعد إعلان رئيس الوزراء التونسى الأسبق حمادى الجبالى أواخر مايو ٢٠١٢ أن التونسيين لا يستطيعون صبرًا على أعمال العنف من قبل «المتشددين»، وذلك فى إشارة إلى السلفيين الذين اعتدوا حينها على بعض الحانات ومراكز الشرطة فى «جندوبة» و«الكاف» فى شمال غرب تونس و«سيدى بوزيد» فى وسط البلاد.
ورغم أن حركة النهضة الإسلامية حاولت من خلال التصريحات السابقة امتصاص غضب العلمانيين، وطمأنتهم أنها لا تخطط لفرض أحكام الشريعة، إلا أن هناك من اتهمها بأنها لم تكن جادة في ردع الجماعات السلفية المتشددة، التي تسعى لإقامة دولة إسلامية، وذلك استنادا إلى تسجيل فيديو مسرب في نوفمبر 2012، على شبكة "الإنترنت"، ظهر فيه زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، وهو يقول في اجتماع مع سلفيين:"إن العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما في ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام"، داعيًا السلفيين إلى التحرك بحريّة بعدما أصبحت المساجد في أيدي الإسلاميين.
ولم ينف الغنوشي حينها صحة التسجيل المسرب، لكنه برر ما جاء فيه بأنه كان يسعى لإقناع السلفيين بالعمل السلمي والمشاركة في الحياة العامة، بعيدًا عن العنف".
"داعش" يدخل على الخط 
ولعل ما يزيد من مأزق تونس، أن تنظيم «داعش» دخل على الخط أيضًا، إذ كشفت شبكة «الأنباء» الإنسانية، المختصة فى تغطية الأزمات عبر العالم، والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أن تنظيم «داعش» الإرهابي، قام بتجنيد عناصر إرهابية فى صفوفه من تونس، واستجاب له عدد كبير من الشباب هناك، موضحة أن عدد الشباب التونسيين فى داعش بلغ ٨٠٠٠ في ٢٠١٧.
وحسب جريدة "الشروق" التونسية، هناك ٢٠٠٠ فتاة تونسية متزوجة من قيادات داعش، فيما كشفت وزارة الداخلية التونسية أواخر العام الماضى أن عدد العائدين من تنظيم «داعش» عقب خسارة التنظيم معاقله في سوريا والعراق، وصل ٦٠٠ شاب من أصل ٨٠٠٠ تونسي انضموا للتنظيم.
وتبدو تونس بالفعل في موقف لا تحسد عليه، فهي تواجه احتجاجات شعبية متكررة ضد الفقر والبطالة، فيما يستفحل خطر الجماعات المتشددة، خاصة في جبل الشعانبي.