الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب وتلوث الهوية المصرية (6)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يخطئ من يعتقد أن الحملات الإلحادية التى شنتها دوائر الاستشراق السياسى والخلايا الماسونية التى ساعدت على الترويج لنحلة الثيوصوفية فى المجتمع المصرى على وجه الخصوص، كانت تستهدف المسلمين فقط، بل كانت تستهدف الأقباط أيضًا أولئك الذين تعايشوا مع المسلمين ونعموا معًا برحابة وسماحة وألفة الخصال المصرية، ورفضوا كل أشكال التعاون مع الغرب الغازى بداية من الحروب الصليبية ومرورًا بالحملة الفرنسية وانتهاء بالاحتلال الإنجليزي. نعم إن الكنيسة الأرثوذكسية قد برهنت على أن ولاءها الأول للمشخصات المصرية التى تعيش فى وجدان معتنقيها وأن أى مظهر من مظاهر الخلافات بين المسلمين والأقباط لا يمكن اعتباره شكلا من أشكال الاضطهاد الملِّى بل هو وليد التعصب المذهبى المناهض لطبيعة الدينين المسيحى والإسلامي، الأمر الذى حال بين المتآمرين الغربيين ونشوب حرب طائفية فى مصر ذلك على الرغم من محاولاتهم الجادة فى نشر المذهب الكاثوليكى والبروتستانتى بين المسيحيين المصريين منذ أخريات القرن الثامن عشر عن طريق الإرساليات والمدارس الأجنبية، آملين من ذلك إيجاد ذراع لهم بين الأقباط لتزييف الوعى المصرى وتفكيك المجتمع. ولعل صحف الصهيونية مثل: (صحيفة إسرائيل ١٩٢٠)، (صحيفة الفجر ١٩٢٤)، (مجلة الاتحاد الإسرائيلى ١٩٢٤)، (جريدة الصوت اليهودى ١٩٣١)، (صحيفة الشمس ١٩٣٤)، (صحيفة المنبر اليهودى ١٩٣٦)، قد اضطلعت بهذه المهمة وعاونت أعلام المستشرقين الإنجليز والأمريكيين لإفساد العلاقة بين المسلمين والأقباط من جهة، وتحويل المؤمنين بالكنيسة الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية من جهة أخرى، فراحت منذ العقد الثانى من القرن العشرين تنشر بعض الأكاذيب عن وجود اضطهاد إسلامى للمسيحيين فى الصعيد والدلتا وأن هناك حملات تبشيرية مسيحية نجحت فى إغواء عشرات الشباب لترك الإسلام، أو حملات أخرى دعوية تحرض النصارى على الكفر بالمسيحية واعتناق الملة المحمدية، وأن هناك بعض الكتّاب المسيحيين قد ألفوا عدة رسائل عن تحريف القرآن الكريم وأساءوا للرسول، وأذاعت كذلك الأكذوبة الكبرى التى تخص الأقباط دون غيرهم بأنهم المصريون الحقيقيون وتصف المسلمين بأنهم أسباط وأحفاد القبائل العربية الغازية وأن المصريين لم يعتنقوا الإسلام إلا كرهًا، كما شجعت المسيحيين على تسمية أبنائهم بأسماء فرعونية (رمسيس، مينا، إيزيس). وعلى الجانب الأخر روجت هذه الصحف للعديد من فتاوى الجماعات الإسلامية التى تتهم المسيحيين بالكفر وتتوعدهم بعذاب جهنم فى الآخرة. 
ذلك فضلا عن جهود المبشر الأمريكى البروتستانتى صمويل زويمر (١٨٦٧-١٩٥٢م) الذى حاول التشكيك فى أصالة العقيدة الإسلامية ونقائها، وذلك فى العديد من مؤلفاته التى نشرها بين شبيبة المسلمين، نذكر منها: (عقيدة المسلمين فى الإله ـ العالم المحمدى اليوم ـ أخواتنا المسلمات ـ الطفولة فى العالم الإسلامى ـ محمد أو المسيح؟ ـ قانون الردة فى الإسلام). وراحت الصحف والمجلات تردد التوصيات التى انتهت إليها المؤتمرات التبشيرية تلك التى عُقد أولها فى حلوان عام ١٩٢٤ برعاية أمريكية، والثانى فى القدس فى العام نفسه، والثالث عام ١٩٢٨ فى القدس أيضًا، وكان الهدف الأساسى من عقدها هو توحيد جهود المبشرين لتنصير المسلمين فى مصر والعراق وتزييف هويتهم، وذلك عن طريق إقناعهم بالنموذج التركى العلمانى فى ميدان السياسة وترغيبهم فى العديد من المصطلحات والمفاهيم الغربية مثل: الروح القومية وتحرير المرأة والحداثة والديمقراطية، ونشر الفكر المسيحى بين حديثى السن عن طريق المدارس المجانية والخدمات الاجتماعية والصحية فى الريف والأحياء الفقيرة، وتشويه صورة الإسلام الراسخة فى عقول وقلوب الشبيبة الذين إذا ما تخلوا عما فى أذهانهم استطاع المسيح أن ينفذ إلى قلوبهم باعتباره رسول الإخاء والسلام والمحبة واعتبار الإسلام هو دين الإرهاب وسفك الدماء والعنف. 
والجدير بالإشارة فى هذا السياق أن أفعال المبشرين الإنجليز والأمريكان والإيطاليين والفرنسيين لم تجد تأييدًا من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل على العكس تمامًا فقد قوبلت الدعوة التبشيرية الغربية بالرفض والاستياء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنها تفتح باب الفتنة الطائفية بين المصريين وتتعرض لمقدساتهم بما يكرهونه وتأباه حرية الاعتقاد. وصرح أحد المثقفين ويدعى «كليم أبوسيف» (رئيس تحرير جريدة السياسة) ـ عقب الحملة التبشيرية التى قادها زويمر فى المساجد المصرية وبين حلقات الدرس فى الأزهر على وجه الخصوص ـ، قائلا: «لا تعتقدوا أيها المسلمون أن الأقباط فى مصر أقل استنكارًا لهذا الحادث منكم، فهم أحرص ما يكونون على الألفة والإخاء بينهم وبينكم». كما ألقى «فلينى فهمى باشا» بيانًا باسم الأقباط المصريين جاء فيه: «حرصًا على سلامة تلك الروابط المقدسة لم أجد بدًا من كتابة هذه السطور جهرًا فيها بأنه إذا كان المسلمون المصريون قد استنكروا أعمال أولئك المبشرين، فالأقباط المصريون أشد استنكارًا لتلك الأعمال ولا يقل أسفهم عنها من أسف إخوانهم، ولا تنقص رغبة هؤلاء فى حث الحكومة على العمل على منع أسبابها بصورة نهائية حاسمة». أضف إلى ذلك المقالات التى نُشرت على صفحات (البلاغ، والسياسة، والجهاد) بأقلام العقاد، والشيخ الأحمدى الظواهري. وقد لعب أساتذة الجامعة الأمريكية فى القاهرة دورًا ملحوظًا فى حركة التبشير بين طلابها المسلمين، وذلك فى فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وفُتحت أبواب مدارس الراهبات المسيحية الكاثوليكية أمام المسلمات الفقيرات لتعليمهن وتنصيرهن فى آن واحد ثم إيجاد لهن عمل مناسب. 
وللحديث بقية..