السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القضية الكردية «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثت فى المقال السابق عن العلاقات العربية الكردية ووضحت مدى قوتها وأكدت أنها علاقات تاريخية وقوية لا يستطيع أحد إنكارها أو الجدال حولها. واليوم أؤكد فى هذا المقال أيضًا على أننا كعرب نحب الأكراد ونحترمهم ونرفض دائمًا استغلال الغرب للعنصر الكردى داخل الدول العربية والتركية والإيرانية. فالدول الغربية والقوى العالمية هى المستفيد الأول من طلب الأكراد الاستقلال، ومن حدوث اضطرابات بين الأكراد وحكومات وشعوب الدول التى يعيشون فيها، وذلك من أجل رغبتهم فى استمرار الحفاظ على حالة التوازن التى توفر لهم استغلال العنصر الكردى واستخدامه كورقة ضغط حال حدوث أى خلاف مع أى دولة من الدول الأربع التى يعيش فيها الأكراد.
ولا نستطيع أن ننكر أن الدول الأربع سوريا والعراق وتركيا وإيران قد ساهمت بشكل كبير فى استغلال القوى الغربية للعنصر الكردى واستخدامه كورقة ضغط عليهم حال حدوث أى خلاف مع الدول الكبرى، فلقد اتبعت هذه الدول الأربع فى فترات مختلفة عن بعضها سياسة خارجية ضيقة الأفق، ربطت فيها سياسة دولها الخارجية بالقضية الكردية، وجعلتها محور هذه السياسية، الأمر الذى اعتُبر وقتها تقزيمًا لسياستها الخارجية، وضيق أفق لدبلوماسييها، إذ قدمت إلى الدول الكبرى العنصر الكردى على طبق من ذهب لتستغله وقتما تشاء، بل كانت هذه الدول نفسها تستغله أحيانًا إذا توترت العلاقات السياسية بينها كما كان هو الحال فى عصر الرئيسين التركى «سليمان دميرل» والسورى «حافظ الأسد». 
بالطبع لا يمكن لهذه الدول الأربع إهمال القضية الكردية، لكن كان لا يجب أن تربط سياستها الخارجية كلية وفقًا لهذه القضية، بل كان يجب أن تتعامل بمرونة مع الدول التى لها رأى مختلف مع رأيها فى هذه القضية التى كانت وتيرتها وتوترها فى تفاوت دائم بين صعود وهبوط حسب التطورات الداخلية لكل دولة من الدول الأربع على حدة. لكن هذه الدول بعصبية وضيق أفق سياسى جعلت الغرب يعتبر العنصر الكردى نقطة ضعف لديها، الأمر الذى سيسهل عليه استخدامهم وقتما يشاء، كما أن طرح قضية الأكراد من قبل بعض القوى الخارجية والمنظمات الدولية الكبرى كالاتحاد الأوروبى وقت خلاف لهم مع إحدى الدول الأربع أشاع فى الأفق أن الأكراد يوافقون على هذه الممارسات، حتى وإن كان هذا غير صحيح ويرفضه الأكراد، لأنه يعود بالضرر عليهم ولا يجلب لهم نفعاً.
وسبحان مغير الأحوال فعالم السياسة هو عالم المصالح والمتناقضات والمتغيرات المستمرة، فعلاقات الجوار والتاريخ والمشترك الثقافى والمصير المشترك لم تستطع أن تجمع الدول الأربع فى أى وقت من الأوقات، لكن المشكلة الكردية هى التى جمعت هذه الدول الآن، بل صنعت هذه الأزمة معجزة كبرى وحققت توافقًا فى الآراء لم يحدث منذ عام ٢٠١١ بين النظامين السورى والتركي. كذلك العلاقات الاقتصادية القوية التى تربط بين إيران وتركيا والطموح الاقتصادى التى تسعى الدولتان لتحقيقه فيما بينهما لم يستطيعا أن يجمعا بينهما فى كثير من الملفات الخارجية بل كانا على النقيض تمامًا فى قضايا كثيرة مثل موقفهما من النظام السورى ومن الحشد الشعبى ومن معركة تحرير الموصل من يد تنظيم داعش الإرهابي. الأمر نفسه بين أنقرة وبغداد، ففى حين كانت العلاقات قوية ومتماسكة إلى أقصى درجة بين أنقره وكردستان العراق كانت متدهورة بين حكومة بغداد وتركيا بسبب مشاركة تركيا فى تحرير الموصل رغمًا عن حكومة بغداد، ووصل هذا الخلاف درجة التراشق بالألفاظ على الشاشات بين أردوغان والعابدي. بل إن حكومة بغداد كانت قد اتهمت تركيا بانتهاك سيادة العراق وعدم الحفاظ على علاقات حسن الجوار معها وطالبتها بسحب جنودها من الأراضى العراقية، بل وصل الأمر أن طلب وزير خارجية العراق اجتماعًا استثنائيًا لوزراء خارجية العرب فى الجامعة العربية، وطالبوا فيه تركيا بسحب قواتها من العراق دون قيد أو شرط. الآن انقلبت الصورة وصار أردوغان يتحدث باسم حكومة بغداد فى مؤتمره الصحفى الأخير مع الرئيس الإيرانى «روحاني». إنها السياسة. وللحديث بقية إن شاء الله.