الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حوار مع مجذوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لست صوفيا حتى أقطع المسافة إلى ضريح شيخ العرب، لكنني قررت الذهاب.. أنا أفعل كل شيء شريطة ألا أكون مضطرا له، أكتب حينما أحب.. وأحب حينما أكتب.. لست متعصبا لشيء في الحياة سوى الكلمة.. لا يهمني الصراعات حولي ولا أشغل بالي بزيف الحياة، ليس لدي طموحات مادية ولا يغريني شيء ولا أتطلع إلى شىء، بل لدي قناعة غير مبررة بأنني أفضل من الجميع.. وعلى غير عادة النفوس نفسي راضية هذا كله ليس تصوفا ولا دافعا لأن أذهب إلى "البدوي"، لكن لك أن تصدق أولا تصدق شيئا ما جعلني أعد عدتي لذلك وواجهتني صعوبات تحول دون أن أتم الأمر لكنني أصررت على الذهاب.. لم أدخل المقام من الزحام لكنني سرت كثرا أتأمل جموع الناس.. أتعجب؟ أتساءل؟ أفكر في دافع كل شخص فيهم لأن يأت إلى هناك.. أصوات الميكروفونات في كل مكان.. وأمواج الناس تتتابع.. وأنا أشعر بالدوار.. مصر فيها كل شيء لكنه ليس موجها.. الناس تفعله بالفطرة.. هذا الشعب برغم حضارته العريقة الكبيرة كطين صلصال سهل تشكيله أو التأثير عليه، وخاصة من الجانب الروحي.. لذا لابد أن يكون هناك حارس عليه.. حقيقة أقررت بها رغم رفضي لها.. لكن حديث الأقلام والكتب غير حديث الشارع.. ورؤى النخبة بعيدا تماما عن الواقع.. الناس من فرط الطيبة يكونون مع من على صهوة الجواد حتى وإن كان جامحا.. وقفت أحادث نفسي وأشعر أنني لا أعي شيئا.. لا يعجبني شيء.. فإذ برجل كبير يقول: سمسمية يا بيه، ومع أنني لا أحب الحلوى أخذتها منه ووضعت يدي لأخرج له النقود فقال لي: مسامح في وهبتها! تعجبت من الكلمة! وقلت وأنا غير مشدوه له مسامح يا حاج، فإذ به يقول: يا بني إنت محير نفسك ليه..شايفك بتتفرج على الناس باستغراب.. أوعى تفكر إن حد فيهم عارف رايح فين ولا جي منين.. هي ماشية كده.. أصل الغلط مش من دلوقتي.. الغلط من زمان أوووي.. من ساعة ما ربنا نزل الصندوق من السما، استوقفتني العبارة وقلت في سري، أديني وقعت في مجذوب من مجاذيب الموالد، صندوق إيه ده يا حاج؟ جلس على الرصيف وطلب مني الجلوس بجواره ثم قال: "هو إنت لما بتكون مسافر مش بتلم حاجاتك وتاخدها معاك؟ قلت له آه طبعا.. قال: إحنا كلنا كنا في الجنة والدنيا دي سفر.. اعتدلت في جلستي ونظرت للرجل، فشعر باهتمامي فتبسم وقال: قولي الأول مسامح في وهبة السمسمية، بعصبية قلت له: قلت لك مسامح.. تبسم وقال لي: طيب بس طول بالك ثم تابع: شوف يا سيدي كلنا كنا في الجنة، ولما حصل اللي حصل وكلنا من الشجرة، قاطعته: قلت له معلوماتك غلط ياحاج سيدنا آدم اللي أكل من الشجرة، حرك رأسه بالنفي وقال: إحنا كٌلنا كًلنا.. كلنا غلطنا.. ولما صدر الأمر الرباني نزلنا بسرعة وسبنا الصندوق، وقفت وقلت: لا بقولك إيه يا حاج أنا بشطح بدماغي لوحدي فمش طالبة خالص.. أستأذنك.. وتحركت خطوات ثم عدت لأجلس مرة أخرى وأنا أقول: إنت عارف يا حاج لولا إيماني إن كل شخص له حكاية وإنه بالنسبة لي زي الكتاب لازم أقرأه مكنتش رجعت علشان أعرف حكاية الصندوق.. تبسم وقال: وهتخسر إيه لما تسمع وبعدين إنت وعقلك بقى ثم أكمل حديثه: الصندوق ده بقى يا أستاذ كان فيه كل حاجة أو زي ما تقول كده قدر كل واحد.. تعجبت وتبسمت وقلت له: إنت عارف يا حاج أنا مندهش إنت بتجيب الكلام ده منين.. ضحك وواصل حديثه: "لما نزلنا وسيبنا الصندوق.. ربنا نزله ورانا مقفول زي ما هو.. وعلشان ما اتعلمناش من درس الشجرة.. جرينا على الصندوق من قبل ما نعرف فين حاجة كل واحد.. وبقى اللي يطول حاجة ياخدها.. بعد فترة يا بني.. كل واحد فينا اكتشف إن خد حاجة غيره.. حبيبة غيره.. وظيفة غيره.. حظ غيره.. رزق غيره.. وعشان كده حصلت اللعبكة والتوهة وعدم الرضا، حديث الرجل برغم رفضي له في البدء إلا أنه لمس قلبي.. وبحماس شديد: قلت له: طب ومن رأيك إيه الحل؟.. تبسم في سخرية: الحل إن كل واحد خد حاجة مش بتاعته يرجعها تاني الصندوق ونبدأ من جديد.. ضحكت وقلت له: إنت كده بدأت تهزر.. رد وهو يستعد للانصراف: ربنا برضه عارف إن الحل ده إحنا مش هننفذه.. علشان كده كل حاجة هترجع إجباري.. بنفخة واحدة.. كل حاجة هترجع الصندوق.. والمرة الجاية هو اللي هيوزع بنفسه".