الانتماء لا يتحقق بالأفلام.. ربما كان هذا هو التعليق الأول الذي يتبادر إلى الأذهان بعد ما نشرته وسائل الإعلام من تصريحات تقول إن قناة «نايل سينما» بدأت فى إنتاج عدد من البروموهات التسجيلية حول الأفلام ذات المغزى الوطنى، والتى تهدف إلى تنمية تلك الروح وتعميقها وفقـًا لطبيعتها الحربية والوطنية مثل أفلام نصر أكتوبر وأيضـًا أفلام ملفات المخابرات المصرية الحربية.
إن كانت قناة «نايل سينما» ترى أن جهدها هذا يصب فى إطار تنمية روح الانتماء الوطنى لدى الشباب المصري، فهو استنتاج غير صائب وتصور مغلوط. إن السينما تعزز ما هو قائم ولا تخلقه، بمعنى أنه لا يجوز أن تكون الشاشة الكبيرة تتحدث عن شيء، فى حين أن الواقع مغاير لهذه الصورة أو تلك التصورات.
إن بروموهات فيلم «رُد قلبي»، الذى أنتجته شركة خاصة وهى «لوتس فيلم» المملوكة لآسيا، لم تعد تخاطب لغة العصر ولا مفاهيمه. دع عنك قصة «الريس عبدالواحد»، الذى يعمل «جنايني»، ونجليه «حسين» و«علي»، ويحب الأخير «إنجي» ابنة الأمير، قبل أن يصبح من «الضباط الأحرار». كان هذا الفيلم ابن عصره بكل ما فيه من ميلودراما لا تتفق مع كثير من التطورات التى طرأت على مجتمعنا.
من اللافت للنظر أن الأب المؤسس لتلك الصورة النمطية للضابط المثالى النبيل، الضابط السابق يوسف السباعي، كان فى واقع الأمر بعيدًا كل البعد عنها، فهو ابن الطبقة العليا القاهرية وكان عمه أبو زوجته باشا شغل منصب وزير قبيل الثورة، ومثله مخرج الفيلم عزالدين ذوالفقار، الذى انضم للكلية الحربية بفضل أصول عائلته القاهرية ميسورة الحال، التى كان الأب فيها ضابط شرطة.
إن معظم الأفلام التى تبرز الشأن الوطنى كانت تتحدث فى النهاية عن قصة رومانسية ذاب فيها موضوع الوطن حتى صار على الهامش. ولنتذكر فيلم «العمر لحظة» (إخراج محمد راضي، ١٩٧٨) أيضـًا ليوسف السباعي، وهو من الأفلام التى ستركز عليها «نايل سينما» كما أورد الخبر. فى هذا الفيلم نتابع حكاية البطلة «نعمت» صحفية، ولعبت دورها ماجدة وهى منتجة الفيلم فى الوقت ذاته، تكتب عن مجند بسيط مصاب بمستشفى، حين تتعرض لخيانة زوجية وتقع فى غرام مقدم جيش مصاب بالمستشفى نفسه. فى النهاية يموت الرجلان فى الحرب تاركين خلفهما قلوب نساء محبّة مكلومة.
الأمر نفسه ينطبق على فيلم «حتى آخر العمر» (إخراج أشرف فهمي، ١٩٧٥) ليوسف السباعى ونينا الرحباني. أما فيلم «الوفاء العظيم» (إخراج حلمى رفلة، ١٩٧٤) فهو بالأساس مجرد قصة رومانسية ساذجة حول التضحية لأجل الحب، ولكن يحدث أن البطلين من الرجال فيها ضابطا جيش. صفوت وعادل يتنافسان على حب فتاة جميلة يتيمة مات أهلها فى الحرب فى بورسعيد، وهى ولاء التى قلبها مع صفوت. يتزوجها عادل قبل أن يسافر للحرب، ثم فى النهاية يضحى بها لأجل زميل كتيبته صفوت الذى فقد ساقه فى المعركة، وبذلك تختلط التضحية لأجل الوطن بالتضحية لأجل الصديق والمحبوبة.
مرة أخرى وجدنا الرومانسية غالبة على موضوع الوطن فى فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبي» (إخراج حسام الدين مصطفى، ١٩٧٤)، المأخوذ عن رواية للأديب إحسان عبدالقدوس. فى الفيلم، يعود محمود ياسين مجندًا يُستدعى لأداء خدمته العسكرية، ثم يكتشف أن حبيبته تعرضت للاغتصاب على يد شخص صاحب نفوذ فى القرية، فينتقم منه ومن كل المعتدين خلال مشاركته فى حرب أكتوبر.
بعضها الآخر مُختلَفٌ عليه، فهل كان إبراهيم حمدى (عمر الشريف) بطل رواية إحسان عبدالقدوس «فى بيتنا رجل» التى تحولت إلى فيلم فى عام ١٩٦١، مناضلًا سياسيـًا أم رجل اغتيالات؟!
بغض النظر عن تصريحات السيناريست سيد فؤاد الجنارى المشرف على قناة «نايل سينما» التى قال فيها إن هذه الخطوة جاءت بناء على تعليمات من المخرج أسامة البهنسى رئيس قطاع القنوات المتخصصة، فإننا أمام رؤية قاصرة لفكرة تنمية الروح الوطنية وتعزيز مفاهيم الانتماء.
الانتماء أيها السادة لا يكون بعرض أفلام «عسل أسود»، و«العاصفة» و«ولاد العم».
الانتماء له طريق آخر نعرفه جميعـًا، إن شئنا ذلك.
