رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أبكار السقاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يجهل العديد من المصريين تاريخ وسيرة قامة مصرية تنويرية عظيمة تقف بكتاباتها إلى جوار رواد التنوير العربي خاصة في مجال تجديد الفكر الديني أمثال طه حسين والشيخ علي عبدالرازق وسلامة موسى، ولا أدري لماذا توجد حالة من الاستبعاد والتجاهل والنسيان للعديد من المفكرين ورموز التنوير.
الباحثة الكبيرة أبكار السقاف تلك المفكرة الاستثنائية في تاريخنا، يمنية الأصول، مصرية النشأة والتكوين ولدت في 1913 وتوفيت في العام 1989 بعد أن تركت لنا كنوزًا من الفكر المستنير في عشرة كتب تجاوزت كل الخطوط الحمراء في عصرها بمراحل.
لعل غياب الأضواء عن كتبها وتجاهل الصحف لها قد أنقذها بشكل أو بأخر من براثن طيور الظلام المترصدين لأي فكر جديد ومحترم يثير العقل الكسول، ولكن لعل هذا السبب أيضًا جعلها لا تدخل دائرة الضوء فيبحث عنها عشاق الكتب المصادرة وذات الضجة.
وفي هذا السياق لا يمكننا أن ننكر فضل الأديب مهدي مصطفى الذي أسس مجلة العصور الجديدة ونشر كتابًا عن حياة أبكار السقاف كما نشر بعض من كتبها فكانت هذه المجلة وتلك الكتب طريقًا لمعرفتنا بهذه المفكرة الرائدة ونحن على في بدايات الألفية الثالثة وبذلك تم تحطيم هذا التجاهل الذى حوصرت به أبكار السقاف في حياتها وبعد مماتها ولو بصورة صغيرة.
كان والد أبكار السقاف السيد محمد سعيد السقاف أحد كبار السياسيين في اليمن أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان كثير الترحال إلى أن استقر في جمهورية مصر العربية ومن ثم كانت نشأت أبكار السقاف والذي تزامن مع صخب الحياة السياسية والثقافية في هذا الوقت وقد أثمرت رحلتها مع الكتابة عشرة كتب تعد بكل المقاييس الفكرية اضافة نوعية إلى المكتبة العربية، ومن بينها على سبيل المثال كتابها الضخم المعنون بـ (نحو آفاق أوسع) والذى أصدرته عام 1945 وكانت حينذاك في الثانية والثلاثين من عمرها، وتناولت أبكار السقاف في مؤلفاتها موضوعات لم يكن من السهل نشرها في الدولة المصرية في الخمسينات من القرن الماضي وقد رفض معظم الناشرين مساعدتها إلى أن وافقت مكتبة الأنجلو المصرية على نشر الجزئين الأول والثاني من كتابها " نحو آفاق أوسع " إلا أن الرقابة صادرت النسخ المطبوعة.
وعلى الرغم من عدم انتشار كتبها بصورة كبيرة أتهمت أبكار السقاف بالكفر من قبل متشددين وما زال هؤلاء يهاجمونها حتى بعد وفاتها بما يزيد عن الربع قرن من الزمان.
كان لديها كتابًا آخر ينم على مدى وعى وإدراك تلك الكاتبة لجذور الصراع العربى الإسرائيلى وتقدم من خلاله رؤى تعوض المزاعم التاريخية التى استندت إليها الصهيونية العالمية في تأسيس الدولة اليهودية بعنوان (إسرائيل والأرض الموعودة) والذى أنجزته في أواسط الستينيات من خلال حصولها على منحة تفرغ وكانت أول امرأة تحصل على مثل هذه المنحة لإنجاز مؤلفها.
هناك كتب لم تنشر لها حتى الآن وهى حصيلة اطلاع واسع تفاعل مع عقلية تتميز بالخصوبة الشديدة ينبغي علينا إعادة نشرها والإطلاع عليها في إطار مواجهة الفكر الظلامي.