الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أخطاء مرسي السياسية.. عندما تتحول لمعركة أدبية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
معركة أدبية جديدة ساهم فيها خطاب مرسي الأخير في باكستان، نشبت بين الكاتب الروائي يوسف زيدان وبين المؤرخ الإخواني محمد إلهامي.. لا تزال رحاها دائرة في الأوساط الثقافية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
المعركة بدأت فور تعليق زيدان على خطاب مرسي بأنه يحتوي على 7 أخطاء علمية لا تليق بخطاب رئاسي، واصفًا مستشاري الرئيس والمسئولين عن كتابة خطبه بالجهل، وهو ما جعل إلهامي يرد على زيدان مفندًا اتهاماته السبعة في مقالة جاءت بعنوان “,”يوسف زيدان.. الحقد يولد الجهل“,”، والتي أثبت فيها بالأدلة والبراهين- من وجهة نظره- خطأ زيدان في ستة منها، ومعترفًا بخطأ واحد فقط وقع فيه الرئيس مرسي عندما قال: إن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس.
يوسف زيدان لم يقف مكتوف الأيدي بعد رد التهامي بالحجج والبراهين، فما كان من صاحب “,”عزازيل“,” إلا أن كتب مقالًا مطولًا واصفًا فيه مقدمة مقالة التهامي بأنها بدايةٍ غير موفقة، ينزُّ منها الخطأُ والخطل.
وأضاف زيدان: جعل الرجل عنوان المقالة “,”يوسف زيدان.. الحقد يولّد الجهل“,” فأحرق بذلك كل كلامه، من قبل أن يكتبه، وإلا فمن أين أتى بأنني أحقد على الرئيس؟ وبأنني جاهلٌ! ولم يعرف- وهو المسكين- أنني ما نافستُ يومًا رئيسًا ولا مرءوسًا على شيء، حتى أحقدُ على أي شخصٍ كائنًا من كان، ولمّا انتصب بمصر “,”مولد“,” الانتخابات الرئاسية، قاطعتُ المرحلة الأولى منها؛ بسبب ما أوضحته في مقالتي بالمصري اليوم آنذاك، وكان باختصار “,”كيف يقبل المرشحون الإقدام على وظيفة لا توصيف لها، ولا حدود لصلاحيتها“,”، وفي الإعادة استمسكتُ بالمقاطعة، وفاز مَن فاز، وندم مَن ندم، وتحسّر على المصير معظم المصريين، فما وجه اتهامي بالحقد؟ وكيف يجوز يا “,”إلهامي“,” اتهامي بالجهل بعدما اعترف العالمُ بأهمية أعمالي، وخصوصًا في التراث العربي الذي نشرتُ من مخطوطاته ما يزيد عن عشرين ألف صفحة.. لا بأس، لعل الأخ “,”المؤرخ“,” لا يعلم بذلك! أو لعله أراد جذب الأنظار إلى ما سوف يقول، فاختار هذا العنوان البائس، وهو يظن أنه يفعل الصواب، ثم بدأ السطر الأول من مقالته المسكينة بخطأ أفدح من عنوانها، فقال ما نصُّه: “,”كتب يوسف زيدان على صفحته على “,”الفيس بوك“,” رسالة يعلق فيها على خطاب الرئيس محمد مرسي في الهند.. إلخ“,” وهو لا يدرى بأن الخطاب كان في باكستان، وفي أكاديمية علمية، وفي مناسبة جامعية هي الاحتفال بمنح الرئيس دكتوراه فخرية في الفلسفة! ولو كان هذا الكلام قد قيل على “,”مصطبة ريفية“,” أو كان قائله يمثّل نفسه ما اهتممتُ أصلاً بتصويبه أو الردّ عليه، ولكنتُ قد استمعتُ لقول محمود درويش: دع كل ما ينهار منهارًا، ولا تقرأ عليهم أي شيء من كتابك.
وفي السطر الثاني من كلام الأخ “,”المؤرخ“,” يقول ما يندى له جبينُ العقلاء خجلاً، إذ اتهمَّ تصويباتي بأنها “,”تغرُّ الصغار والسطحيين“,” وأعقب ذلك بكذبٍ صريح، فقال: التعليقات التي تبكي حال الرئيس المصري الجاهل ومستشاريه الجهلة“,”.. مع أنني لم أصف الرئيس بذلك، ولا أحب أن يوصف به ما دام رئيسًا للبلاد، وإنما قلتُ ما مفاده أن الذي كتب الكلمة التي قرأها الرئيسُ جاهلٌ بتاريخ العلوم، وما كان له أن يقع في مثل تلك الأخطاء التي تلاها رئيسُ مصر على الملأ، في محفل أكاديمي يملؤه المتخصّصون.
واستطرد زيدان: من العجب العُجاب، أن الأخ المؤرخ “,”إلهامي“,” يقول عقب ذلك، ما نصُّه: “,”وقد عجزت أن أشاهد الفيديو؛ لأن الإنترنت عندي الآن لا يسمح بهذا“,”، وما علينا من ركاكة عبارته وقوله: “,”عجزت أن“,” فالأهم هنا أنه يتعرّض لأمرٍ لم يره، ويرد على تصويبات خطابٍ لم يكلّف نفسه بالاطلاع عليه، وهذا عندي عجيب، ثم ينهمك من بعد ذلك في الصخب الذي يظنه هو انتصارًا للرئيس، وهو لا يعلم بأنه يُساق إلى بحرٍ من المعرفة لا يجب أن يخوضه غير المهرة من السابحين، مهما كانوا من المسبّحين، فلا غرابة إذن في أن يغرق، ويُغرق، وهو لا يزال واقفًا على الشاطئ! فقد قال إن نُطق اسم “,”البِيروني“,” بطريق الخطأ، ليس من الخطأ، واستدل على ذلك بسفسطة تقول ما نصُّه: “,”إن هذا النطق هو ما أقره جمع العلماء والمؤرخين والرحالة، منهم: الصفدي (فوات الوفيات 8/91).. إلخ“,” ولم يعلم، وهو المسكين، أن كتاب الصفدى “,”خليل بن أيبك“,” عنوانه: الوافي بالوَفَيات.. أما كتاب “,”فَوَات الوَفَيات“,” فهو لابن شاكر الكتبي! وفي الكتابين، بحسب المخطوطات التي رأيتها (وهو بالقطع لم يرها) لم يرد الكلام مضبوطًا بالحركات، حتى نستشهد بذلك، ولو كان مضبوطًا على هذا النحو الخاطئ فهذا مما لا يجوز الاستشهاد به يا مؤرّخ لا يعرف عناوين كتب المؤرّخين، لكن، ولله الحمد، أقرّ أخونا المؤرخ “,”إلهامي“,” بأن نسبة اكتشاف الدورة الدموية للبيروني، هو بحسب كلامه: “,”خطأ بالفعل على الرئيس مرسي ومن كتب له الخطاب، وهو خطأ سيئ للغاية، فهذه المعلومة مشهورة بالفعل، خصوصًا وأن إنجاز ابن النفيس مشهور جدًّا.. إلخ“,”.
ويتابع يوسف زيدان قائلًا: يتعقّب الأخ المؤرخ، مفكّر الإخوان “,”محمد إلهامي“,” تصويباتي لخطاب الرئيس، فيقول استنادًا إلى إشارات بعض المؤرّخين القدامى (وهو يخطئ مجدّدًا، فينسب كتاب “,”فَوَات الوَفَيات“,” للصفدي) ويعتمد على قولهم بأن البِيروني اشتغل بعلوم الحكمة، فيخلُص من ذلك إلى أن الرئيس لم يُخطئ حين نسب للرجل النبوغ في “,”علوم الفلسفة“,”.. وعلوم الفلسفة، يا قوم، هي المنطق والميتافيزيقا “,”الفلسفة الأولى“,” وغير ذلك، وقد نبغ فيها آخرون كان يمكن لخطاب الرئيس أن يُشير إليهم، كالكندي والفارابي وابن سينا والأبهري والخَوَنجي والبغدادي وصدر الدين الشيرازي (مثلاً) أما البيروني، فقد نبغ في الرياضيات والفلك وتاريخ العقائد والصيدلة وأنواع الأحجار الكريمة، وكان عبقريًّا، لكنه لم يضع كتابًا واحدًا في الفلسفة، لكن المدافع بالباطل عن خطاب الرئيس، يقفز من توهُّماته إلى القول بعبارة حاسمة قاصدًا التعريض بي عند مَن لا يفهمون: “,”ترى ما شعور الأستاذ المتخصص الذي ثبت- ليس فقط جهله- وإنما ثقته بالجهل ونصيحته به؟!! وماذا يكون الحال إذا كان الباحثون المتخصصون الذين شابت رءوسهم في بلادنا بهذا المستوى.. إلخ“,” حسنًا، شعوري سأخبرك به في كلمة واحدة.. “,”الرثاء“,” ثم يفعل الأخ المؤرّخ ما هو أعجب، فيقول ما نصُّه: “,”زعم يوسف زيدان أن كتاب جورج سارتون اسمه “,”دراسة في تاريخ العلم“,” وليس “,”مقدمة لتاريخ العلم“,”، ومن الفاضح المؤسف أن عنوان الكتاب بالإنجليزية هو “,”Introduction to the History of Science“,” أي أن الترجمة الحرفية له هي “,”مقدمة لتاريخ العلم“,” كما قال الرئيس مرسي!!.. إلخ“,” فيجعل تصويبي هو كلام الرئيس، وكلام الرئيس الخطأ هو كلامي، وهذا قمةُ المغالطة، والجرأة على الناس بالباطل، وقلب للحقائق بما يناسب أصحاب الأهواء، ثم يختتم الفقرة بقوله، من دون خجل: “,”يا فضيحة العلم!!“,”.. ولن أفعل مثله، فاختتم هذه الفقرة بقولي: بل، يا فضيحتكم أمام العالمين؛ لأن كل افتضاح لكم، يا أخي الإخواني، هو افتضاحٌ لكل المصريين ستر الله علينا جميعًا، وأخرجنا بفضله من هذه الورطة التي جرّأت علينا القاصي والداني، والوضيع والرفيع، حتى قال ملك الأردن بالأمس: رئيس مصر الحالي رجلٌ سطحي!، وقالت رئيسة الألمان أمس الأول: الإخوان سوف يدمرون الحضارة المصرية التي عمرها سبعة آلاف عام!.
وأضاف زيدان: ينعى علىّ الأخ الإخواني، بلسان العِيّ، أني قلت: إن ابن الهيثم لم يبرز في علم الطب أو يعلّم الدنيا التشريح، حسبما قال الرئيس، ويورد لإثبات اشتغال ابن الهيثم بالطب نصًّا من كتاب “,”ابن أبي أصيبعة“,”، وهو الكتاب الذي انتقدته في دراساتي السابقة، التي لم يرها مؤرّخ الإخوان، وأوردت كثيرًا من الشواهد على أن كتابه “,”عيون الأنباء“,” مليء بالأخطاء.
ثم يستدرك المؤرخ الإخواني فيقول ما نصُّه: “,”غير أن الأمانة العلمية تقتضي أن نقول بأن بروز الحسن بن الهيثم لم يكن في الطب والتشريح بل في الهندسة والبصريات فعلاً، لكن إلى حد أن يقال “,”ليس له إسهام“,” هكذا ببساطة، وبلهجة الواثق المتمكن، فهذا أمر يخرق القدرة على الاحتمال بالفعل.. إلخ“,” وأقول له: تحلّى بالاحتمال قليلاً يا أخي، فسوف أخبرك بما لم يصل لأسماعك من قبل :هناك اثنان من العلماء يحملان لقب ابن الهيثم، أحدهما رياضي والآخر فيزيائي، وبحوث د. رشدي راشد في التفرقة بينهما معروفة في أنحاء العالم، ولا يجوز في كلام الرئيس سواءً قصد الرياضي منهما أم الفيزيائي أن ينسب لابن الهيثم أمام جمع من العلماء أنه علّم الدنيا التشريح.. فهذا خطأ، وخلطٌ وتخليط، وهو ما يؤدي إليه الاعتماد على “,”ويكيبديا“,” التي يظن الجهلاء أنها مصدر من مصادر المعرفة، فيهرعون إليها غافلين عن أن الحابل يختلط فيها بالنابل، ولذلك لا تتسامح الجامعات المرموقة مع الطالب الذي يستقي معلوماته منها.. الطالب، فما بال الأمر مع الأستاذ والرئيس! لقد مللتُ من كتابة هذه المقالة، ولذلك اختتمها إجمالاً بأن الكيمياء كانت علمًا معروفًا من قبل “,”جابر بن حيّان“,” بقرون، ولا يصح القول بأنه مؤسسها، وكذلك فإن “,”ابن خلدون“,” عرّف علم العمران البشري، الذي سيكون لاحقًا بمثابة مقدمة مبكرة لعلم الاجتماع الذي وضع تعريفه علماؤه الغربيون من أمثال إميل دوركايم.
وفي النهاية أقول للذي يرد بالنيابة عن الرئيس، وللرئيس، ولمن كتب له الكلام الخاطئ: لستُ عدوكم، ولا أحب أن أكون، ولولا غيرتي على اسم مصر وحرصي على تصويب هذا الهرج، ما كنتُ قد اهتممتُ بهذا الأمر الذي كان يجب عليكم أن تشكروني عليه، لكنني في خاتمة المطاف لا أريد منكم جزاءً ولا شكورًا.. وحسبي الله، وهو أرحم الراحمين من جهل الجاهلين.