الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

سميرة موسى.. شمس العلم والنبوغ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشرقت شمس العلم في مثل هذا اليوم الثالث من مارس عام 1917 على قرية سنبو الكبرى بمركز زفتى بمحافظة الغربية، لتعلن عن ميلاد أول عالمة ذرة مصرية عربية لقبت باسم ميس كوري الشرق، وكذا أول معيدة في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حاليًا، التي أثارت الجدل بعلمها في حياتها وتركت لغزًا كبيرًا بعد رحيلها، الذي رجح البعض أنه عملية اغتيال منظمة من قِبل الموساد الإسرائيلي، إنها كوكب العلم في سماء مصر والعالم العربي الدكتور سميرة موسى.
"نبوغ مبكر"
تعلمت سميرة موسى منذ الصغر القراءة والكتابة، وحفظت أجزاء من القرآن الكريم، وكانت مولعة بقراءة الصحف، كما تمتعت بذاكرة قوية أهلتها لحفظ المواد العلمية بمجرد قراءتها.
من ظلال القرية إلى أضواء المدينة
انتقل والدها مع ابنته إلى القاهرة من أجل تعليمها، وليستثمر أمواله اشترى فندقًا بحي الحسين ليستطيع الإنفاق على الحياة الجديدة، وليساند ابنته في مشوارها العلمي؛ حيث التحقت بمدرسة "قصر الشوق" الابتدائية ثم "مدرسة بنات الأشراف" الثانوية الخاصة والتي قامت على تأسيسها وإدارتها "نبوية موسى" الناشطة النسائية السياسية المعروفة.
"تفوقها الدراسي"
حصدت سميرة موسى الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، فقد كانت الأولى على شهادة التوجيهية –الثانوي العام- عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفًا في ذلك الوقت؛ حيث لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.
كان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها؛ حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يتخرج فيها الأول، مما دفع ناظرة المدرسة "نبوية موسى" إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يومًا أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر بها معمل، ولشدة نبوغها أعادت صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.
"الحياة الجامعية"
اختارت سميرة موسى برغبتها الكاملة أن تواصل تعليمها بكلية العلوم، رغم مجموعها المؤهل لكلية الهندسة، حينما كانت أمنية أي فتاة في ذلك الوقت هي الالتحاق بكلية الآداب وهناك لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مشرفة، أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم. وتأثرت "سميرة" بأستاذها تأثرًا مباشرًا، ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضا بالجوانب الاجتماعية في شخصيته.
حصلت سميرة موسى على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها وعُينت كأول معيدة بكلية العلوم وذلك بفضل جهود الدكتور "مُشرفة" الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات الأساتذة الإنجليز.
"طريق الذرة"
حصلت سميرة موسى على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات، مما أهلها للسفر ضمن بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراة في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة.
وأنجزت الرسالة في سنتين وقضت السنة الثالثة في أبحاث متصلة وصلت من خلالها إلى معادلة هامة تُمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، ولكن لم تدوِّن الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها سميرة موسى.
"علاقتها بوطنها العربي"
كانت سميرة موسى تأمل أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط التقدم العلمي الكبير حينها؛ حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، فإن أي دولة تتبنى فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة فقد عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة.
أسست هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948، وحرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي، لذا نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، كما توصلت في إطار بحثها إلى معادلة لم تكن تلقى قبولًا عند العالم الغربي.
"الذرة وخدمة البشرية"
لم تكن أفكار سميرة موسى الذرية خاصة بالحروب وتصنيع القنابل النووية فقط؛ حيث كانت تأمل أن تُسخر الذرة لخير الإنسان من خلال اقتحام مجال العلاج الطبي حيث كانت تقول: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين". كما كانت عضوًا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة على رأسها "لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية.
"الخروج إلى النهاية"
سافرت سميرة موسى إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا لتدرس في جامعة "أوكردج" بولاية تنيسي الأمريكية ولم تنبهر ببريقها أو تنخدع بمغرياتها ففي خطاب إلى والدها قالت: "ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدءون كل شيء ارتجاليًّا.. فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئًا على الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب.
استجابت سميرة موسى إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1951، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضًا لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس من نفس العام، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق، قفز سائق السيارة واختفى إلى الأبد.
"أصابع الموساد الملوثة بالدماء"
أوضحت التحريات –حينها- أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارًا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها كانت تقول لوالدها في رسائلها: "لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة". وعلق محمد الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن – حينها - أن كلمة "حاجات كثيرة" كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكاليف.
وفي آخر رسالة لها كانت تقول: "لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان وسأستطيع أن أخدم قضية السلام"؛ حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة.
الكثير من الدلائل أشارت أن الموساد، "المخابرات الإسرائيلية"، هي التي اغتالتها، جزاء لمحاولتها نقل العلم النووي إلى مصر والعالم العربي في تلك الفترة المبكرة.