رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غالي شكري.. مرة أخرى "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونواصل مع غالى شكرى فى كتابه «العلمانية الملعونة» لنتابع كيف حاول الرجعيون إجهاض العلمانية، واعتبارها مستحقة لوصمها بالكفر واللعنة.
ويقول: فى أحد برامج التليفزيون المصري، ويدعى لقاء العلماء راح أحدهم (أفصح عن اسمه فى مقال آخر وهو محمد عمارة) يربط بين الإسلام وحركة التحرر الوطنى فى مصر المعاصرة فقال إن «وحدة الهلال والصليب» شعار دينى وإن «الدين لله والوطن للجميع» شعار إسلامي، فالإسلام يقر فى كل نصوصه وأصوله بأن الدين لله وحده، وانتهى إلى أن هذين الشعارين لثورة ١٩١٩ المصرية لا علاقة لهما بالعلمانية التى يسبغها البعض على قادة هذه الثورة ومشروع هذه الثورة ودستور هذه الثورة، ثم استشهد بإدانة سعد زغلول لكتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم».. ويضيف: «ليس من شك أن الهلال والصليب من الرموز الدينية ولكن هل نستطيع حقا أن نطلق عليهما مصطلح الشعار الدينى؟».
وليس من شك أيضًا، أن الأديان جميعًا تقر بأن الدين لله والوطن للجميع، ولكن هل نستطيع حقًا أن نقرأ هذا التعبير باعتباره مصطلحًا إسلاميًا؟ لو أن ذلك كان صحيحًا لكانت ثورة ١٩١٩ من إنجازات الإسلام السياسي، وهى كما نعلم على النقيض تمامًا فقد كان حزب الوفد تحت قيادة سعد زغلول ومن بعده مصطفى النحاس حزبًا علمانيًا صريحًا، كما كانت ثورة ١٩١٩ من إنجازات الإسلام السياسي، وهى كما نعلم على نقيض تماما، فقد كان حزب الوفد تحت قيادة سعد زغلول ومن بعده مصطفى النحاس حزبًا علمانيًا صريحًا، كما كانت ثورة ١٩١٩ مشروعًا ديمقراطيًا ليبراليًا تدخل العلمانية فى صميم طموحاته، لكن المشكلة ليست فى ثورة ١٩١٩ ولا فى الوفد، وإنما المشكلة فى بعض الذين يتعسفون مع أنفسهم ويرهقون الناس بمحاولاتهم المستمرة للتوفيق بين الزيت والماء، أو بين الماء والنار، فقد كان الإسلام السياسى صريحًا فى القول بأن ما نسميه نحن «النهضة» بدءًا من عصر محمد على ورفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسى وبطرس البستانى وعبدالرحمن الكواكبى ومحمد عبده وشبلى شميل، إلى طه حسين والعقاد وسلامة موسى وفرح أنطون ولطفى السيد حتى توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومحمد مندور ولويس عوض ليست هذه النهضة بمختلف تفريعاتها وتنويعاتها وتياراتها إلا تغريبًا فى تغريب وأشبه ما تكون بالثورة المضادة للإسلام، لأن هؤلاء «النهضويين» هم جميعًا علمانيون ملاحدة وانطلاقًا من هذا المفهوم الدعائى تحولت العلمانية تحت الضغط الديماجوجى والإكراه الغوغائى إلى مصطلح كريه، مرفوض ومدان، ولكن ما العمل، وهناك شعبية لبعض الانتفاضات العظيمة فى تاريخنا الحديثة والمعاصر كالثورة العرابية وثورة ١٩١٩؟ لا بأس فى هذه الحالة من تبرئة هذه الانتفاضات وتقديم روادها فى إطار الإسلام السياسي، (ص٧١)، ثم يحسم غالى شكرى أمره ويوضح أن «العلمانية ليست أيديولوجية، إنها إحدى وسائل المساواة بين البشر لا يمكن عزلها عن مجمل النظام. فالصين بلد علمانى وفرنسا دولة علمانية وتونس دولة علمانية، ولكن ما أبعد كل منها عن الأخري، كونفيوشيوس يختلف عن الكاثوليكية، (ص٧٨)، ويختتم غالى شكرى الكتاب بفصل كامل عن الوحدة الوطنية عنوانه «ثقافة الوحدة الوطنية»، وكالعادة يبدأ غاضبًا: «ليست الوحدة الوطنية مناسبة من المناسبات يتبرع لها بعض الكتاب والسياسيين ببعض الكلمات الحماسية الجميلة ولا هى «موضوع» من الموضوعات التى يتوافر عليها المفكرون والخبراء من حين لآخر، وإنما الوحدة الوطنية جزء لا يتجزأ من الهوية القومية، أكبر من كل المناسبات وأعمق من كل الموضوعات وأبقى من أى حماس، إن الوحدة توصيف لشكل الوطنية ومحتواها فهى ليست وحدة دينية أو مذهبية، وإنما هى وحدة الوطن والمواطنة، ومن ثم فإنها تخص مختلف عمليات الانتماء الوطني»، ثم «أقول «عمليات الانتماء» لأن الانتماء ليس مجرد الميلاد على أرض ما، أو التجنس بجنسية أهلها، وإنما هو ارتباط الفرد أو الجماعة ارتباطا واعيا أو غير واع بمصير هذه الأرض وأهلها، كذلك يتميز الانتماء الوطنى عن الانتماءات الروحية والعرقية، كالانتماء الطائفى أو السلالي، الوافد أو الأصيل مع ملاحظة أن الأصالة العنصرية من الأوهام الشائعة فليس من دماء نقية فى أى مكان من العالم. (ص٩٩) وبعد أن يستفيض غالى فى إيضاح ماهية ومحتوى الوحدة الوطنية يقول فى حسم: «وهكذا فإن الوحدة الوطنية ليست مناسبة من المناسبات ولا موضوعًا من الموضوعات فهى لا تحتاج إلى الدعوة لها كأنها سلعة فكرية أو سياسية من المعروضة على أرصفة الطرقات، إنها جزء لا يتجزأ من هويتنا القومية فى شكلها ومحتواها، (ص١٠١)»، ويمضى بعد ذلك قائلا: «إذا كانت القاعدة الصلبة للوحدة الوطنية من التاريخ والجغرافيا السياسية هى «روح» الوطن والأمة، فإن سطح الوحدة الوطنية من التماسك الاجتماعى هو الجسد، وليس هناك انقسام رأس بين الجسد والروح دائما هناك اقتسام أفقى لبعض مغانم الجسد على حساب الروح».
ثم يقول ليثير الدهشة: «ليس هناك انشقاق بين أهل مصر بسبب الاختلاف فى الدين، ولكن هناك تشققات فى الجسد الاجتماعى المصرى تصل أحيانا إلى درجة التقيح الذى يهدد الروح، أما القاعدة الوطنية الراسخة ليست بمعزل عن الجسد الاجتماعي.. وهى تتعرض للهزات الأرضية كلما تعرض التماسك الاجتماعى للبراكين والزلازل» (ص١٠٩).
ويبقى أن نتذكر أن لغالى كتابات أخرى تستحق أيضًا، الاهتمام والدراسة.