الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لصوص وقتلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أواخر ٢٠١٤، أجرت قناة «العربية»، ممثلة فى الزميل طاهر بركة، مقابلة بُثت على خمس حلقات مع بول بريمر، ضمن برنامج «الذاكرة السياسية». وبريمر، الذى عُين مندوبًا رئاسيًا أمريكيًا فى العراق بعد حرب ٢٠٠٣، بات يحظى بشهرة عربية ذائعة بوصفه الرجل الذى هندس «اجتثاث البعث» وطبقه، كما حل الجيش العراقى بقرار شهير وقعه بقلمه.
ومعروف أن الحل والاجتثاث، وبعدهما إعدام صدام بالطريقة الانتقامية الشهيرة، اضطلعت بأدوار بارزة فى تفجر الصراع الطائفى، وفى نشأة «داعش» تاليًا.
أما فى مقابلة «العربية» التى تناولت فى حلقتيها الأوليين اجتثاث البعث وحل الجيش، ففى أولاهما قال بريمر إن مئة قيادى عراقى معارض طلبوا من واشنطن، قبل حرب ٢٠٠٣، تخليص العراق من البعث لا من صدام وحده. ثم أضاف المبعوث الأمريكى أن الخطة، كما ظهرت بعد الحرب، شاءت أن يقتصر الاجتثاث على ١ بالمئة فقط هم قيادات الحزب العليا، إلا أن التنفيذ العراقى لها اتخذ منحى آخر.
وجدير بالذكر أن قيادات شيعية هى التى تولت التنفيذ بأكثر المعانى توسعًا وسخاء، حتى درج القول إن اجتثاث البعث غدا اجتثاثًا للسنة فى العراق. ولئن تردد اسم الراحل أحمد الجلبى بوصفه صاحب الفكرة، فقد تم تداول اسمه ككبش محرقة مذنب وسط آخرين منزهين.
أهم من ذلك ما ورد فى الحلقة الثانية على لسان بريمر من أن القادة الأكراد والشيعة اعترضوا على «إعادة استدعاء» جيش صدام وهددوا بالانفصال عن العراق فى حال تم ذلك.
لم يظهر بين سياسيى العراق وقادته من يكذب بريمر، لكنْ مع هذا، لم يُصحَّح الانطباع الشائع من أن ذاك المبعوث الأمريكى هو وحده من اجتث البعث وحل الجيش بمحض إرادته، فيما بقية العراقيين أبرياء تمامًا من دم العراق.
أما إعدام صدام يوم عيد الأضحى، وفى الكرادة، وعلى بعد أمتار من الاحتفال بزفاف نجل نورى المالكى، رئيس الحكومة آنذاك، فظل الحدث الأوحد الذى حالت فداحته الطائفية دون إلصاقه بالأمريكيين وحدهم.
فى الأحوال كافة، فبعض العراقيين هم من يحكمون بلدهم اليوم. وبعد سنوات على الجلاء الأمريكى عنه، وقبل أيام تحديدًا، أصدر مجلس نوابهم قانونًا يحظر البعث تمامًا، ويفرض العقوبات على مؤيديه ومروجيه، فيما أقر تشكيل محاكم خاصة للنظر فى «الجرائم» التى أوردها ذاك القانون.
أما الجيش، فبدل حله أعيد تكوينه بالطريقة التى نعلم، والتى اختُبرت إبان استيلاء «داعش» على الموصل. لكنْ، أيضًا قبل أيام، قرر رئيس الحكومة حيدر العبادى ضم ميليشيات «الحشد الشعبى» الطائفية «١٥٠ ألف مقاتل و٤٢ ميليشيا، وقرارها لقاسم سليماني» رسميًا إلى الجيش المعاد بناؤه. وهى الخطوة التى تقطع بأن المرغوب فى العراق جيش شيعى صافٍ، ولبلوغ هذا الهدف وجب حل الجيش ذى القيادة السنية الذى كانه جيش صدام.
كل ذلك يمر علينا مرور الكرام، فلا يعدل شيئًا فى التأويل الشائع من أن العراق ظل بألف خير إلى أن قدم الأمريكيون حاملين إليه الكوارث على أنواعها، لا سيما تعليمه الطائفية، والحال أن الأمريكيين مسئوليتهم مؤكدة وكبيرة، فى الحصار الذى سبق الحرب، وفى الحرب نفسها، وفى سجن أبوغريب، وفى قلة الإعداد لـ «اليوم التالى» التى تحدث عنها تقرير تشيلكوت، لكن مسئوليتهم الأكبر أنهم وثقوا بالنخبة العراقية هذه واحترموها وعملوا بموجب ما تسديه من نصائح. وهى، على ما بات واضحًا جدًا، عصابة قتل ولصوصية وفساد.
نقلا عن الحياة اللندنية