السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يا أُمّة "اقرأ".. جهلنا أضحكَ الأمم!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا حدث لأمة اقرأ؟!.. الكلمة الأولى التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم، لتكون رسالة من رب العالمين بأنها البداية إذا أردنا الهداية، والبداية لكل شىء، إذا أردنا رفعة أمتنا وبلادنا.. فهل تمسكنا بالرسالة الإلهية أم أن التدهور الذي أصابنا بسبب تفريطنا فيها!!.. هل أصبحنا كما قال المتنبى في الشطر الثانى من أحد أبيات قصائده: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم».. وهو ما حدث بالفعل فقد ضحكوا من جهلنا واستطاعوا أن يحققوا فينا ما أرادوه!!.. رغم أننا أرض الحضارات التي تعلموا منها حين كانوا يعيشون في عصور الظلمات، ولكنهم استطاعوا أن يبثوا فينا الشعور بالدونية، ويفقدونا الثقة في أنفسنا وقدراتنا، ويغيروا قيمنا وطبائعنا وأخلاقنا، وأصبح انبهارنا بالغرب وتقليدنا الأعمى لهم هو ما يحركنا، ولكن ليتنا نقلدهم في تقدير قيمة الوقت والعلم والعمل، أو في الإتقان والنظام والحرص على أن نكون شعوبا منتجة وليست مستهلكة..ولكننا لم نأخذ سوى ما يبثونه لنا من سموم تستهدف احتلالنا، ليس بالمعنى القديم من خلال القوات العسكرية ولكن باحتلالنا ثقافيا بالقضاء على هويتنا وديننا ولغتنا.. سواء من خلال الإعلام بوسائله التقليدية وغير التقليدية، أو الفنون التي تبهرنا بنمط الحياة الغربية والحرية المطلقة، أو من خلال أنظمة التعليم الأجنبى التي انتشرت في بلادنا العربية بالمدارس والجامعات الأجنبية والدولية، والتي تتكالب الأسر العربية لإلحاق أبنائهم بها رغم ما يتكبدونه من مبالغ طائلة، ظنا منهم أنهم بذلك يستثمرون في أبنائهم!!.. ولكن آن الأوان لتقييم الحصاد، بعد أن شاهدنا ثمار التعليم الأجنبى بين أبناء أجيالنا وما يليها، والتي في الغالب لم تثمر سوى إتقان لغة أجنبية أو أكثر مع شبه فقدان للغة العربية، وزعزعة الإيمان بالثوابت الدينية وفقد الانتماء أحيانا!!.. في نفس الوقت أصبحنا في كل الدول العربية نقيس مدى رقى العلم والثقافة للأشخاص بمقدار إتقانهم للغات الأجنبية، وبالتالى أصبح الاهتمام بتعلم اللغات غاية تسعى إليها كل الأسر العربية، وأصبح استخدام المصطلحات الأجنبية في لغة الحديث أحد المظاهر التي يستخدمها البعض للتفاخر، أما التراجع الشديد في إتقان اللغة العربية ليس فقط بين الأطفال والشباب بل للأسف للكثيرين ممن يتولون وظائف مرموقة، وخاصة بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى التي يستخدمها الجميع وسائل لفضح المستوى اللغوى والتعليمى، حيث نرى كما هائلا من الأخطاء الإملائية التي تدل عن افتقار تام للغة.. فلم يعد تعلم اللغات وسيلة للمعرفة وفهم الشعوب واستقاء العلم أينما كان.. ولكن أصبح غاية في حد ذاته للوجاهة الاجتماعية، أو للحصول على عمل براتب مجزٍ في الشركات والبنوك الأجنبية!!.. دون أن نسأل أنفسنا: هل حققت أنظمة التعليم المختلفة ببلادنا ما ننشده من تطور أو نهضة حقيقية؟! أم أننا تراجعنا للخلف ولم نورث بلادنا سوى الخراب والدمار والتفكك!!.. فنحن في طريقنا لفقد هويتنا التي كانت تعد أحد أهم مصادر قوتنا، وكما أشار الصحفى والدبلوماسى الإنجليزى جنسن G.H.Jansenالذى قضى أكثر من عشرين عاما منغمسا في شئون العالم الإسلامى، أنهم أجروا بحوثًا عن أسباب قوة وصلابة العرب، التي مكنتهم من الوصول بفتوحاتهم حتى الهند والصين، فوجدوا أن أحد الأسباب كان في أسلوب التعليم!.. حيث كان الطفل يبدأ قبل سن الخامسة بتعلم القرآن وحفظه، فيزرع بداخله صلابة اللغة والخلق والإيمان والقوة، فتزيد القدرة على الجهاد للثقة في نصر الله.. لذلك حاول الاستعمار تغيير نظام التعليم بالقضاء على الكتاتيب تدريجيا، لأنها كانت أهم العوامل في الحفاظ على اللغة والدين والهوية العربية، وكان الأطفال يتعلمون القرآن من خلالها، ونرى منهم حملة للقرآن في عمر السادسة، لأن قدرات الطفل في التعلم تزيد في السنوات الأولى حيث يكون العقل لديه القدرة على امتصاص المعلومات التي يكتسبها، بينما تنكمش خلايا المخ بعد سن الثانية عشرة، ولا يستطيع الطفل بعدها تعلم اللغة بسهولة، وبالتالى كانت الكتاتيب تجعل الأطفال يتقنون التحدث بالفصحى بطلاقة، مع امتلاكهم كل أدوات النحو والصرف وعلوم اللغة..وبالتالى كان الحد الأدنى من التعلم للأطفال هو إجادة جزء لا بأس به من القرآن الكريم، وهو ما يمثل قاعدة ثقافية لا نجدها في مدارسنا الآن!!..فإذا كان عصر الكتاتيب انتهى، فعلى الدولة أن تستثمر نفس الفكرة بإنشاء ما يشبه الكتاتيب، واستغلال قدرة الأطفال على امتصاص المعلومات في السن المبكرة، لكى يتقنوا اللغة والدين، ولا ننسى أن الكتاتيب في مصر لم تكن مرتبطة بتعليم القرآن فقط، بل عرفتها مصر الفرعونية باسم «مدارس المعابد» والتي كانت متصلة بالمعابد الفرعونية وتمنح لطلابها شهادة «كاتب تلقى المحبرة»، كذلك كانت في العصر المسيحى تعلم الطلاب الكتاب المقدس والمزامير، فعلينا أن نبحث عن طريقة لاستعادة ما فقدناه من هويتنا، ونحترم لغتنا وعقيدتنا، ولا نترك المدارس الأجنبية والدولية تشكل وعى الأطفال كما يريدون دون رقابة.. ونتذكر أن اللغات الأجنبية في الأساس وسيلة وليست غاية، لكى ننقل العلوم ونطورها وننفتح على العالم، ولأن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم.