السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هلاوس سمعية وبصرية.. وإعادة لدغ الداخلية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان يا ما كان فى مصر زمان حينما يهل الشهر الكريم، تجتمع الأسرة حول مائدة الإفطار، وصوت الشيخ النقشبندى الملائكى حلقة اتصال بين الأرواح المتلهفة للغفران وبين الله فى عليائه والذى يحفنا ببركاته فرحًا بعبادة الطائعين.. ولا ينقطع صوت الإذاعة المصرية التى تتوالى ببرامجها الخفيفة المحببة والفوازير والمسلسلات الإذاعية، على كل المحطات كالبرنامج العام والشرق الأوسط وغيرهما.. ثم تنتقل الأسرة لتلتف حول التليفزيون، وكأن هناك ميثاقًا بين الإذاعة والوقت المحدد لها ثم مشاهدة التليفزيون، والتى تبدأ ببرامج الأطفال الجذابة «للصغار والكبار» والفوازير ثم المسلسلات التى تخلو الشوارع أثناءها، والتى تتنوع بين دينية وتاريخية تعلمنا منها الكثير فى صغرنا، وبين فكاهية ودرامية تسمو بالأرواح وتهذب الأخلاق، علاوة على مسلسلات الجاسوسية، أمثال «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة»، والتى ترسخ داخلنا حب الوطن وتقديسه واحترام أجهزة الدولة ورجالها الأوفياء فى الجيش والشرطة والمخابرات.. وعند انتهاء رمضان نكون فى حالة من الرضا بتنقية نفوسنا وابتهاج أرواحنا وزيادة علمنا وتفتح إدراكنا.. ومرت الأيام ونأتى إلى هذا العصر الذى أصبحت مشاهدة التليفزيون وبالًا على الأسرة المصرية، كم هائل من الأعمال الدرامية والتى يقال إن تكلفتها تعدت المليار جنيه.. والتى فقدت تدريجيًا أدنى ضوابط الاحترام لقدسية الشهر الكريم، بعرض مشاهد العرى والابتذال والألفاظ الخادشة للحياء، والبرامج التى تهدر الملايين وفى نفس الوقت تزيد البلاهة، بالإضافة إلى الحملات الإعلانية الأكثر خدشًا للحياء وضربًا لكل القيم، والتى تكمن خطورتها فى أن الأطفال يحفظونها عن ظهر قلب.. وبغض النظر عن التقييم الفنى والنقدى للأعمال الرمضانية، والذى من المفترض ألا يتم سوى بمشاهدة الأعمال كاملة.. ولكن كما يقال: «الجواب بيبان من عنوانه».. فيكفى أن نتجول لدقائق بين القنوات لنجد الألفاظ التى يعف اللسان عن ذكرها، والأعمال الدرامية التحريضية ضد الدولة أو التى تزرع الكآبة والأمراض النفسية.. أما الظاهرة الأكثر انتشارا هذا العام هى الترويج للدجل والسحر والشعوذة وعالم الجن والشياطين.. مع اتساع دائرة برامج العنف التى ترسخ الإرهاب وتصنع دواعش المستقبل، والتى تعتمد على الإثارة والتلذذ بمشاعر الخوف التى تنتاب الضيوف وصوت صراخهم المدوى، مثل: «حرائق رامز جلال»، وبرنامج «مينى داعش» وغيرهما!!.. فماذا ننتظر أن يكون حصاد هذا الكم الهائل من المواد المسممة التى تبث ليلًا ونهارًا سوى شخصيات مريضة وغير سوية نفسيًا.. وضمائر غائبة تتلذذ بأوجاع الناس ومصائبهم.. وعقول تائهة تعتمد على الغيبيات والضلالات.. ونفوس منزوعة القيم لاعتيادها على القبح والسوقية.. فما الهدف من العبث بعقولنا بنشر الخرافات والهلاوس السمعية والبصرية؟!.. وهل توحدت رؤية العديد من المؤلفين وكتاب السيناريو مصادفة أم باتفاق مسبق؟!.. وكيف يقبل فنانو مصر الكبار الاشتراك فى تلك الأعمال وهم من يعول عليهم الرئيس الوقوف بجانب وطنهم بعد تعرضه لسنوات عجاف.. فهل هذا ما يعبر عن استجابتهم لنداءاته المتكررة ومطالبته لهم بالقيام بدورهم؟!.. ولكن حب اقتناء المال واللهاث وراء الاختلاف والتنوع فى الأدوار جعل العديد من كبار فنانينا ينزلق إلى ما يهدم ويدمر.. وأصبح ضرب وزارة الداخلية ورجالها قاسما مشتركا فى أغلب الأعمال الدرامية، والتى تتناول رجال الشرطة وطريقة أداء عملهم بشكل مهين لا يحفظ كرامتهم، فماذا يريدون بأعمالهم التى يرسخون بها لتلك الصورة الذهنية السلبية التى تحرض على الذراع الأمنية للدولة.. كلما شاهدت تشويهًا لرجال الشرطة وإظهارهم كسذج وبلهاء أو مرضى نفسيين بتعاملهم الوحشى واللا آدمى أو اللا مبالاة فى إجراءات الضبط والقبض على المتهمين وأخذ العاطل بالباطل كما يقال، شعرت بأن النيران تأكل قلبى حزنا وغيرة على الداخلية ورجالها الشرفاء الذين يتحملون من أجلنا الكثير.. ولكن المؤسف هو رد فعلهم السلبى، فقد فوجئت بشكر وزارة الداخلية وإدارة العلاقات العامة والإعلام على حسن تعاونهم فى نهاية هذه المسلسلات!!.. وكأنهم راضون عما يقدم أو جاء بإذن مسبق منهم؟!.. وهنا أقول لهم كفاكم يا رجال الداخلية.. كفاكم يا سيادة الوزير التهاون فى حقوقكم.. فليس من المفترض أن نكون أكثر غيرة على الداخلية منكم؟!.. فلماذا الصمت على تلويث سمعة رجالكم واهتزاز صورتهم فى عيون الأطفال والكبار.. هل تتركونهم يعيدون ما حدث قبل يناير (٢٠١١) بفيلم «هى فوضى» وغيره.. ما يفعلونه ليس إبداعًا أو ثقافة أو حتى تسلية، إنها أفعال متعمدة ومع التكرار تأتى بما لا تحمد عقباه..لماذا تقبل وزارة الداخلية أن تلدغ من جحر مرتين.. لماذا لا تثور على استهدافها الممنهج وتطالب مجلس الشعب بوضع تشريع يجرم ما يحدث من استهداف لجهاز الشرطة الوطنية المتفانية.. فليبتعدوا بإبداعهم عن الشرطة ويبحثوا عن الجواسيس والجبناء والمتنطعين.. وكفانا ما نتحمله من ألفاظهم البذيئة والسوقية والإباحية ومحاولتهم لتغيير السلوك المجتمعى القويم ليسود الانحلال والشذوذ وقلة الحياء والدين!!.. فما يحدث ليس عشوائيًا بل هو عمل منظم لتغيير هويتنا وشحن نفوسنا بطاقة سلبية وطمس ما تبقى من عقولنا ونزع هويتنا من جذورها بصبر وبطء وثبات.. فحربنا الحقيقية يشنها أعداؤنا برءوس أموال مشبوهة لا نعلم مصادرها.. وإنتاج غزير ومسموم يستخدم أدواتنا وقنواتنا ومن يفترض أنهم مبدعونا.. ولكن إذا كانت الأموال التى يتم ضخها قد غيبت ضمائر بعض المبدعين وربما عقولهم!!.. فأين دور الدولة؟!.. ولماذا تترك لهم الساحة خالية ليعبثون بنا وبأبنائنا دون أدنى مقاومة؟!