الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"إيلان كردي".. عالم قتلته "شارلي إيبدو"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أوباما يؤكد أن داعش لا يمثل تهديدا للولايات المتحدة الأمريكية.. والكونجرس يدعو لغلق جونتنامو الذى فتح عقب هجمات سبتمبر ٢٠٠١ لأنه يثير مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة.
وأوباما يرفض فكرة أن العالم يقود حربا عالمية ثالثة ضد الجهاديين.
وفى تصريحاتهم تبرز نواياهم.. فداعش الذى دعا الأمريكان لمحاربته فى سوريا والعراق وكل دول العالمين العربى والغربى أيضا بعد حادثة شارل إيبدو وتفجيرات فرنسا الأخيره، ودع العالم كله ضحاياه فى مشهد لن أنساه أبدا، اتحد فيه رؤساء دول العالم وفى مقدمتهم نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى المحتل.. لمحاربة الإرهاب.
أصبح العالم فجأة بلا إرهاب.. وأصبحت الولايات المتحدة هى الحصن الآمن.. وأصبحت داعش كيانا وديعا لا يستحق كل ما أثير حوله، ولمَ لا؟ فأمريكا تعلم جيدا متى تحرك داعش وأين..
والعشرات والآلاف من العرب الذين يقتلون بسبب تفجيرات داعش وغيره من الجهاديين لا سبيل لهم إلا الموت تقريبا..
لا ندعو أمريكا وحلفاءها بأى حال من الأحوال للذود عنا أو عن العالم.. بل ندعوها لكف أيديها عنا وعن التلاعب بمصائر الشعوب تحت مسمى فزاعة الإرهاب، فإذا كان الإرهاب لا يمثل اليوم خطرا على أمريكا فمن حق البلدان وحدها أن تقرر مصيرها دون وصاية أحد.. وكل واحد يخليه فى نفسه..
وإذا لم تكن داعش خطرا وإذا لم يكن الجهاديون خطرا فلماذا إذن كانت حربكم على أفغانستان؟ ولماذا كانت دعواتكم لضرب داعش فى سوريا والعراق؟ ثم ما موقف أمريكا راعى حقوق الإنسان؟ وما موقف الإنسانية من سخرية جريدة «شارلى إيبدو» من موت طفل.. فقط لأنه عربى سورى؟!!
لم تجد أسرته ملاذا للفرار من جحيم الإرهاب إلا البحر فمات الرضيع غرقا..
فلم ترحمه الجريدة التى وقف العالم كله متصديا للهجمات الإرهابية التى نالت منها فى يناير الماضى.. بل سخرت من الطفل «إيلان كردى» وصورته بأنه لو لم يمت غرقا لكان الآن يتحرش بالنساء فى ألمانيا. 
ولم تشفع مرارة تذوق الإرهاب للجريدة التى ذهب ١٠ من أبنائها العاملين بها ضحايا للإرهاب.. الطفل السورى الذى هرب من جحيم التفجير والقتل والتدمير.. لم يتحرك العالم ضد خسة الجريدة التى استحلت روح الطفل البرىء ولم ترحمه حتى بعد موته.. كما تحرك لأجلها من قبل.
وأنا أقول ارحموا أطفالنا ودعونا نربيهم بسلام ليكونوا علماء.. ليكونوا مخترعين.. ليكونوا مربين فاضلين.. فلم نكن نحن من زرع الإرهاب فى الدول لسرقة خيراتها والسطو على ثرواتها كما فعلت بلادكم من قبل والتاريخ والواقع يشهدان...
وإن لم يمت «إيلان» لأصبح عالما حين يكبر وما أكثرهم فى مجتمعاتنا العربية، حتى وإن حاربهم الاستبداد فى بعض الأنظمة العربية التى تخشى المفكرين والمبدعين.. فنحن شعوب لها الحق فى الحياة.. فهل تستطيعون يا رعاة الإنسانية أن تنظروا لنا من هذا الاتجاه..أم نحن من وجهة نظركم شعوب فقط محكوم عليهم بالإعدام؟!
إن من أهم المقررات الدراسية فى كليات الإعلام بمصر وفى كثير من الجامعات العربية مقرر التربية الإعلامية أو «Media literacy»، ورغم ذلك لا أحد يستفيد منه أو يطبقه فى وسائل الإعلام المختلفة مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو إلكترونية، وبشكل خاص فى الإعلام المتلفز الذى يحتل المساحة الأكبر سواء فى مجتمع المتلقين أو المشتغلين بالإعلام، بل دعونا نقول إن غياب هذه الثقافة المهمة فى بناء فكر الإنسان بشكل تنويرى لدى المتلقى والمرسل فى عالمنا العربى بوجه عام سبب مباشر لتراجع تأثير الميديا الإيجابى وانحرافها إلى مسارات سلبية وفرعية، وتجعل من الإعلام أداة للهدم وليس أداة للبناء!!. 
وسوف نوضح ذلك فى السطور القادمة من خلال أن الإعلام وسيلة مشروعة للمعرفة، حيث من حق المتلقى أن يعرف ويعلم ويتفاعل مع الأحداث، لكن هناك مساحة رمادية بين النور والظلام بين المعرفة والجهل بين الحق والباطل، ويحاول البعض جر الإعلام إليها للخروج كما ذكرنا عن مساره الطبيعى فى محاولة لتجميل الواقع على أساس أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، أو دعونا نقول تسجيل حالة من (اللاموقف) ومحاولة وصفها بالحيادية!!.
وإذا كان هذا مقبولا فى ظل مجتمع لا يقبل التعددية، فإن الأمر لا يمكن أن يقبل فى ظل التباينات السياسية والاجتماعية بالمجتمع وفى ظل التنافس بين الفضائيات وفى إطار ما يسمى عولمة الإعلام. 
ومن ثم، لا مكان لكلمة التعتيم فى الرسالة الإعلامية، وإذا كان القصد بالتعتيم عدم إلقاء الضوء على حدث وما قد يكشف فساد شخص أو مؤسسة، فإنى أقول إن مثل هذا الفعل يعتبر جريمة فى حق جماهير المتلقين وحق المجتمع، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. 
وما لا شك فيه أن الإعلام خاصة المرئى والمقروء يؤدى دورا مهما لمساندة الحق بغض النظر عمن هم أصحاب هذا الحق، وفى السياق نفسه فى ظل تعدد مصادر الأخبار، ووجود مصادر غير موثوق منها، ومن الأهمية بمكان التريث وتدقيق الخبر وإعمال قاعدة فى مدرسة الـ«BBC» (من الأفضل أن أكون الثانى وأقدم خبرا صحيحا على أن أكون الأول وأقدم خبرا كاذبا)، وقد تعلمنا أيضا أنه من الأفضل عدم إذاعة الخبر الذى تجلب إذاعته المشكلات، أو بعبارة أخرى المشكلات المترتبة على عدم إذاعة خبر غير موثوق منه أقل من المشكلات المترتبة على إذاعته دون تدقيق. 
وهنا تأتى مهمة المحرر المسئول، ويقاس نجاحه بقدرته على التمييز والاختيار بين مئات القصص الإخبارية يوميا، ويقوم بترتيبها حسب سلم أولوية خضوع الخبر للمعايير المهنية، وهى أن يكون الخبر جديدا وغير عادى ومثيرا وضخما ويهم المتلقى. 
بعد ذلك يلتزم المحرر بقاعدة أو قيمة المحاسبة بسؤال نفسه هل الحدث الذى يخضع للمعايير الإخبارية يفيد بأن يقدم قدرا واضحا من المعرفة والحقائق ويصبح من الصعب تجنب هذا الحدث أو التعتيم عليه؟ 
من هنا يمكن القول إن المكاشفة وتقديم الحقائق للمتلقى تساعد متخذ القرار على التعامل مع الواقع ودراسة خيارات مطروحة من الجانب الإعلامى، لكن ليس معنى هذا أن كشف مشكلة أو بؤرة فساد أننا وصلنا لآخر المطاف، بل العكس إن مثل هذا العمل يساعد المسئول على تصحيح مساره طالما أنه ليس طرفا فى هذه المشكلة أو متورطا فى ذلك الفساد!!. 
وفى الوقت نفسه يجب ألا يستخدم الإعلام لتصفية الحسابات بين الأشخاص، فقد أصبح المتلقى من الذكاء بحيث أضحى فى إمكانه التمييز بين المدافع عن الحقيقة والمدافع عن المواقف الشخصية، ونجد الأول لا يخاف فى قول الحق لومة لائم، بينما الثانى له مصالحه وأهدافه الخاصة، وعليه فقد أصبحت لدى المتلقى قدرة على التمييز بين من يستخدم الوسيلة الإعلامية للهدم والآخر الذى يستخدمها للبناء. 
ولا بد أن نشير إلى أن محتوى البرامج فى القنوات التليفزيونية والشبكات الإذاعية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر من القائمين عليها، فهناك من يتعامل فقط مع النصف الفارغ من الكوب، ويصر على النظر إلى الواقع من خلال منظار أسود، وفى اعتقادى أن هناك الكثير من القصص والأحداث فى مجتمعنا الذى يدعونا إلى الفخر والالتفاف حول علم الوطن، ليكون عاملا محفزا على العمل والإنتاج، بعبارة أخرى إن التوازن يظل القاعدة الذهبية لإنقاذ الرسالة الإعلامية والانتقال بها إلى آفاق التنوير وهو بيت القصيد!!. 
وهكذا يمكن القول إن إعمال العقل فى مواجهة الخرافات والتمسك بالعلم فى مواجهة الجهل يحقق هدف الرسالة الإعلامية فى بناء المجتمع، وهذا ينطبق على كل عالمنا العربى- بدون استثناء- ومن هذه النقطة يتم التخلص من الأمية الإعلامية، وبالتالى نصبح أمام آفاق جديدة من التنوير الفكرى والارتقاء بالذوق العام والحفاظ على قيم المجتمع العربى، من أجل بناء شخصية الإنسان العربى الواعى لمصالحه والمدرك لحقوقه والقادر على الإنجاز فى معركة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإذا تحقق ذلك من الطبيعى أن تسود المجتمعات العربية ثقافة إعلامية تحافظ على الاستقرار وتضيف للإطار المرجعى للمتلقى جديدا كل يوم، وتجعل من تعرضه اليومى للمؤثرات الإعلامية أو ما يسمى «Media Exposure» له مردود سليم يصب فى إزالة حقيقية للأمية بكل أشكالها!!.