الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عفوًا أيها القانون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى أعوام كثيرة مضت، شهدت مصر العديد من القوانين التى لم تفعّل كما ينبغى أن يكون.. فأصبحت إن صح القول «قوانين خارج النص».. وبعض هذه القوانين شهدت تعديلات كبيرة صاحبتها ضجة إعلامية غير مسبوقة.. ولكنها فى النهاية كأنها لم تكن.. أبرز هذه القوانين «قانون المرور» على الرغم من تهليل الناس له فى البداية خاصة بعد التعديلات الأخيرة إلا أن هناك العديد من الثغرات التى تحول دون تطبيق هذا القانون أبرزها «السير عكس الاتجاه» الذى تم تغليظ عقوبته بشدة، حيث نصت تعديلات قانون المرو ر الجديد على معاقبة كل من تعمد السير عكس الاتجاه بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.. والحقيقة أن هذه المادة لو تم تنفيذها بالفعل لسجن معظم سائقى الميكروباصات.. ولقلت الحوادث وهدأت الشوارع.. لكن هيهات.. فالمشكلة ليست فقط فى تنفيذ القانون الذى إن تم تنفيذه بحسم كما قلت سابقا سيؤدى إلى سجن عدد ليس بقليل، لأن الفوضى المرورية بشوارع مصر أصبحت داء يبحث عن دواء.. وإنما المشكلة الحقيقية فى المخالفات التى تأتيك وأنت نائم فى منزلك، فكم منا يشكو من وجود مخالفة سير ممنوع فى شارع ما، أو التحدث بالمحمول فى محافظة لم تخط قدمك فيها.. فمن أبرز المواقف الكوميدية التى حدثت مع صديقة لى أنها تفاجأت بكم من المخالفات التى لم ترتكبها لأنها باختصار لم تكن موجودة داخل مصر وقامت برفع سيارتها بالفعل قبل سفرها.. أنا نفسى جاءتنى مخالفات سير بسرعة شديدة بمحافظة السويس رغم أننى أخشى السير بسرعة من جهة، كما أننى لم أذهب بسيارتى للسويس أو لاى محافظة لأننى ضد السفر بالسيارة من جهة أخرى.. وأشياء كثيرة غير مقنعة تحدث تجعلك تفقد الثقة فى هذا القانون الذى لا ييطبق إلا على حالات بعينها تبعا للحالة المزاجية لعسكرى المرور الذى أصبح بدوره يهدد الناس بدفتر المخالفات على طريقة «إنت كمان بتقول صباح الخير طب خد مخالفة» لتجد نفسك فى نهاية العام عند تجديد الرخصة مطالبا بدفع كم من المخالفات غير المقنعة.
بند آخر فى قانون المرور يستوقفنى لأنه باختصار غير قابل للتنفيذ، وهو الانتظار الخاطئ، والغرامة سحب رخصة القيادة مدة لا تزيد على شهر. ورغم أنه من الطبيعى لأى قانون لكى يطبق أن يكون هناك بديل، بمعنى وجود أماكن لانتظار السيارات وفى حالة عدم وجود أماكن وهو ما نراه فى شوارع القاهرة بالفعل فليس من المفروض تطبيق القانون أو معاقبة المخالف بمعنى أدق، وهى حقيقة مؤكدة من عدد كبير من شيوخ القوانين. من أبرز بنود قانون المرور والتى لا تطبق أيضا مخالفة الامتناع عن نقل الركاب التى تصل إلى ١٥٠٠ جنيه، وطبعا فى مصر سائق التاكسى يشترط أن يكون المكان الذى تذهب إليه على سكته.. ومن المفارقة العجيبة أنه يغرم سائق التاكسى إذا طلب أجرا أكثر من المقرر أو فى حالة السير بالسيارة الأجرة معطلة العداد.. رغم أن معظم سيارات الأجرة الآن لديها عدادات تعطى قيمة أكثر من المقرر، ومن الواضح أنها يتم تتنظيمها بطريقة تعطى إحساسا للراكب أن قيمة المشوار كما يرى فى العداد، ولكن هى فى الحقيقة أقل بكثير. وهذا بالطبع نوع من التحايل والنصب. أما المخالفة الخاصة بنقل الركاب من غير مواقف الانتظار المخصصة فكانت غريبة بالفعل، لأننا لا يوجد لدينا محطات للاتوبيسات أو أى مركبة أجرة. الخلاصة.. أننا نبذل مجهودا ووقتا فى وضع قوانين وتعديل قوانين أخرى، وفى النهاية لا تطبق لأنها باختصار غير قابلة للتطبيق فى وقت، وأصبحت الفوضى تلعب دوا كبيرا فى حياتنا.. وإذا كنا نبغى بالفعل التغيير والتعديل فلابد أن نوفر البدائل التى تجعل الناس تنفذ القانون على الرحب والسعة. فوضع قانون ثم تعديله وفى النهاية تطبيقه شهرا ثم كأنه لم يكن، سيعطى انطباعا بعدم مصداقية القوانين.. وسيسمح للمواطن بأن يعترض إذا قام أحد بتنفيذها عليه يوما ما لأنه سيشعر بالاضطهاد.. دعونا نسلم أن القوانين معظمها يحتاج لتغيير بما يتناسب مع راحة المواطن وطبيعة الحياة. وإذا تم تطبيقها فلابد أن تكون على الكل دون استثناء حتى تحظى باحترام الجميع وتحقق المصداقية وإلا.. فالكل سيحمل شعار «عفوا أيها القانون».