الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"داعش" يهدد كل المسلمين بالذبح إذا لم يبايعوا "البغدادي": "تطبيقًا للقرآن والسنة"

فى كتاب جديد لفرع التنظيم بالجزائر

داعش
"داعش"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يسمى أئمة المسلمين بـ«علماء المشركين».. ويبرر القتل بنصوص لابن تيمية وابن القيم
ينكر أحاديث الرسول.. ويصف القياس بـ«الاجتهاد الباطل»
منذ أن أعلنت الدولة الإسلامية المزعومة عن نفسها، وبدأت تجتذب آلافا من الشباب المضللين لتحولهم إلى قتلة وإرهابيين ينشرون الموت والدمار أينما حلوا، تحت ادعاءات نصرة الدين وإقامة دولة الخلافة، والحكم بما أنزل الله، والجهاد ضد الأنظمة «الكافرة»، بعد ظهور تلك الجماعة الإرهابية واحتلالها لمساحات واسعة من الأراضى وتهديد سيادة الدول، تحركت قوى عالمية وإقليمية لمواجهة ذلك الخطر المحدق، وتم تجييش الجيوش، وتحركت البوارج وحاملات الطائرات للدخول فى حرب ضد هذه الجماعة، مرصد التكفير الذى أسسته دار الإفتاء المصرية لعب الدور الأكبر فى الاطلاع على «فقه داعش»، وكشف المرصد أن ذلك الفقه لا يعبر عن اجتهادات جديدة أخرجها أئمة التنظيم ومنظروه، بل إن الحقيقة المفجعة أنها خارجة من قلب كتب التراث التى تحويها مكتباتنا وتضمها أيدينا، عندما تطالع الفتاوى والأحكام التى استند إليها «داعش» فى عملياته ومذابحه، ستطالع أسماء مألوفة كابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب وابن باز وابن عثيمين وغيرهم ممن نعتبرهم فقهاء وعلماء.
آخر إصدارات التنظيم الإرهابى كتاب أصدره «أبو محمد معاذ الجزائرى»، فيما يسمى بـ«ولاية الجزائر»، الكتاب يحمل عنوان «القواعد الشرعية فى العذر بالجهل»، الذى ينفى الحجة الشرعية التى يستخدمها العديد من الفقهاء، وعلى رأسهم الفقه الحنفى، عن عذر الناس بالجهل، مدعيًا أن مبدأ «العذر بالجهل»، بدعة، وأن الأساس فى الحجة وجودها، وهى القرآن الكريم، ولا يعفى من لم تقم عليه الحجة، أو وصلته وجهل معناها، ويقول الكاتب الداعشى: «العذر بالجهل مسألة ابتدعها بعض الناس وتمثل تهديدا لكيان أمة الإسلام وتقوض أركانها».
ويغلق «فقيه داعش» الباب أمام أى اجتهاد للتبرئة أو الرحمة، فيقول: «إن من بلغه فقد بلغته الحجة وقامت عليه البينة، دون مراعاة لاختلاف مستوى الفهم ودرجة التعليم من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، ويستشهد بكلام محمد بن عبدالوهاب فى كتابه «الدرر السنية» «الجزء ١٠، ص ٩٣» الذى يؤكد فيه أن فهم الحجة ليس شرطا لإقامتها، فيقول: «فهمها نوع وبلوغها نوع وقد قامت عليهم وكفّرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها».
تكفير "المعين"
لا يمكن للتنظيمات الإرهابية، وفى مقدمتها «داعش»، أن تقوم بممارسة القتل واستباحة الأموال والأعراض، وغيرها من الأعمال الدنيئة، إلا باستخدام سلاح التكفير، فإلصاق صفة الكفر بشخص أو أمة أو نظام يتيح لتلك التنظيمات قتلهم وسلب أموالهم ومواجهتهم بالسلاح، وهو ما نراه اليوم فى مصر والعراق وسوريا وليبيا، فبدون سند من التكفير لا يستطيعون تبرير أفعالهم، وهو ما يحاولون تأكيده من خلال الكتب الفقهية. من بين هذه الأحكام التى تسهل لهم تبرير القتل، ما يعرف فى الفقه بـ«تكفير المعين»، ويقصد به إطلاق الكفر على شخص بعينه، وهو ما يترتب عليه الحكم بارتداده عن الدين وإباحة دمه، ويشدد الأزهر على عدم الإسراف فى ذلك، مستندًا إلى رأى الإمام الغزالى الذى يقول فيه: «يجب الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلًا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله خطأٌ، وترك ألف كافرٍ أهون من سفك دم مسلم»، ويقول أيضًا: «من أشد الناس غلوا وإسرافًا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين، وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا، ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتنا فهو كافر، فهؤلاء ضيقوا رحمة الله الواسعة على عباده، وجعلوا الجنة وقفًا على شرذمة قليلة من المتكلمين». اعتمد الداعشى فى التأكيد على أن الأصل جواز، بل ووجوب تكفير المعين بقول «عبدالله أبا بطين» فى كتاب «الدرر السنية» الذى سئل فى «الدرر السنية- ج ١٠ص ٤١٦ و٤١٧» عمن يرتكب شيئًا من المكفرات هل يجوز تعيينه بالكفر؟ فأجاب: «ما سألت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئًا من المكفرات، فالأمر الذى دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أنه كفر مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه، فمن ارتكب شيئًا من هذا النوع وجنسه فهذا لا شك فى كفره، ولا بأس أن تقول بمن تحققت منه شيئًا من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل...إلخ ».
وهاجم أبو محمد الجزائرى منهج الأزهر الذى يقول: «قول كفر وليس فلان كافرا»، بقول «الشيخ عبدالله وإبراهيم أبناء الشيخ عبداللطيف وسليمان بن سحمان فى الدرر السنية ج١٠ ص ٤٣٢: «وأما الجهمية وعباد القبور فلا يستدلون بمثل هذه النصوص (من صلى صلاتنا ونظائرها من النصوص النبوية) على عدم تكفيره إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام وما بعث الله به الرسل الكرام، لأن حقيقة ما جاءوا به ودعوا إليه وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، فمن خالف ما جاءوا به ونفاه وأبطله فهو كافر ضال، وإن قال لا اله إلا الله وزعم أنه مسلم».
علماء المشركين
لا يكتفى الدواعش بتكفير عامة الناس واستباحة الدماء والأموال، بل يذهبون إلى تكفير مخالفيهم من علماء الدين، فكل من خالفهم الرأى وإن استند إلى نصوص القرآن والسنة فهو كافر، ويطلق الدواعش على مخالفيهم من العلماء «علماء المشركين»، فالأزهر والفقهاء والأئمة بالنسبة إليهم كفار، لأنهم بحسب وصفهم يسهلون الكفر ويتغاضون عن صحيح الدين.
يقول فقيه داعش الجزائرى فى كتابه «المسألة الكبرى»: «وهى كشف الشبهة لعلماء المشركين الذين يقولون هذا شرك، ولكن لا يكفر من فعله لكونه يؤدى الصلاة والأركان الخمسة، فإذا كان الأنبياء لو يفعلونه- أى الشرك- كفروا فكيف بغيرهم، بل الأمر أعظم من ذلك بكثير، فإن الذى يُكَفِّر المسلم ليس عقيدة القلب خاصة؛ أى ليس الكفر منحصرًا فى الاعتقاد، بل لو وافق المشركين لأجل ماله أو بلده أو أهله، مع كونه يعرف كفرهم ويبغضهم فهذا كافر إلا من أكره».
شبهاتهم
ومن صفات «الفقه الداعشى» أنه لا يترك بابًا يستدل به غيره إلا سده بما توافر له فيه من الفقه والنصوص، حتى لا يترك بابا قد يتسلل منه الشك إلى عناصره، أو ينال من درجتهم التكفيرية الإرهابية، فأسس بابا فى الكتاب تحت عنوان «الرد على شبهات المخالفين»، أبرز ما أوردوه فيه القاعدة الفقهية التى تقول «لا اجتهاد مع وجود نص»، وعلى الرغم من أن العديد من العلماء أكدوا أن تلك القاعدة تقتصر على الأمور الرئيسية فى الدين كالصلاة والزكاة والحج التى لا تتغير بتغير الزمان، مستشهدين بما فعله عمر بن الخطاب حينما أوقف حد السرقة فى عام المجاعة.
إلا أن فقه داعش تجاهل تمامًا تلك الوقائع والاجتهادات، وقدسوا القاعدة الفقهية بما تتيح لهم توظيف النصوص، التى قد تكون نزلت فى ظروف وغايات مختلفة تمامًا من أجل تحقيق أهدافهم، فاستدلوا بقول «ابن القيم» فى «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» «ج٣ ص ١٠٠٢»: «والقياس إذا صادم النص وقابله كان قياسا باطلا، ويسمى قياسا إبليسيا، فإنه يتضمن معارضة الحق بالباطل وتقديمه عليه، ولهذا كانت عقوبته أن أفسد عليه عقله ودنياه وآخرته، وقد بينا فيما تقدم أنه ما عارض أحد الوحى بعقله إلا أفسد الله عليه عقله حتى يقول ما يضحك منه العقلاء».
ومن الشبهة لديهم أيضًا نص لابن عبدالوهاب، يناقض ما قدموه فى مسألة عدم التكفير بالجهل، يقول فيه: «وإن كنا لا نكفر من عبدالصنم....ﻷجل جهلهم»، وعلق الداعشى قائلًا: «يستدل بعض الضلال بمقولة متشابهة للشيخ محمد بن عبدالوهاب على إثبات أن الشيخ كان يرى بإسلام من أشرك بالله جاهلا»، ومن مما يستدل به هؤلاء الضلال قول الإمام محمد بن عبدالوهاب فى «الدرر السنية- ج ١ ص ١٠٤»: «وإذا كنا لا نكفر من عبدالصنم الذى على قبر أحمد البدوى وأمثاله، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}، معتبرين أن تلك المقولة قالها عبدالوهاب قبل أن »يؤمن».
وهكذا لم يسلم إمامهم «ابن عبدالوهاب» من مقصلة التكفير، فتطويع النصوص لخدمة أهدافهم فى القتل والإرهاب وتفكيك الدول، أهم من ابن عبدالوهاب وابن تيمية، ولن نندهش إذا ما قاموا بتكفير الصحابة والتابعين، فهؤلاء لا يدينون إلا بدين الذبح.