رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل تكتفي موسكو بالعقوبات الاقتصادية على أنقرة؟ "2 ـ 2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تأكيدًا لما ذكرناه فى المقال السابق، عن حجم التعاملات الاقتصادية، وحجم الاستثمارات والتبادل التجارى بين موسكو وأنقرة، سيعتبر القطاع المصرفى خير دليل على ذلك، حيث تعد تركيا سوقًا مهمة للمصارف الروسية، إذ استحوذ مصرف روسى «آسبير بانك» عام ٢٠١٢ على ٩٠٪ من مصرف «دنييس بانك» التركى بصفقة قدرت بنحو ٣.٥ بليون دولار ويندرج المصرف التركى ضمن أكبر عشرة مصارف فى تركيا، ويخدم ٥.٤ مليون عميل، ويمتلك نحو ٥٠٠ فرع فى تركيا و٧٥ فرعًا خارجها ومع سريان العقوبات الغربية على روسيا، يعد التبادل الاستثمارى مهمًا جدًا بالنسبة للاقتصاد الروسى، فعلى سبيل المثال فى مجال الاتصالات تعمل مجموعة «ألفا جروب» الروسية، كما أن البليونير الروسى «أوليج دير باسكا» دخل السوق التركية، وقام بإنشاء مصانع للشاحنات الروسية «جازيل» بطاقة تسعة آلاف شاحنة سنويًا، كما تنشط مجموعة «ماجنيتا مورسك» الروسية للتعدين فى تركيا وفى المقابل تعمل حوالى ١٤٠ شركة تركية فى قطاعات البناء والاستيراد والمواد الغذائية، كما أن الطاقة تهيمن على مستوى العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فتركيا تعد فى المرتبة الثانية بعد ألمانيا فى استيراد الغاز الروسى، حيث تغطى الصادرات الروسية من الغاز لتركيا حوالى ٦٠٪ من احتياجات تركيا الذى يأتى عبر خط «السيل الأزرق» فى قاع البحر الأسود وعن طريق أوكرانيا، وعمومًا فقد أعلنت وزارة الطاقة الروسية أن صادرات الغاز إلى تركيا لن تتوقف نتيجة حادث إسقاط الطائرة الحربية الروسية، كما أن الشركة الروسية «لوك أوبل» تستحوذ على ٧٪ من محطات الوقود فى تركيا، ولا يقتصر التعاون بين البلدين فى مجالى الغاز والنفط، بل يمتد إلى الطاقة النووية، حيث وقعت شركة «أتوم ستروى أسكبروت» عقدًا منذ عام ٢٠١٢ لبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء فى تركيا بقيمة ٢٠ بليون دولار، تتكون من ٤ مفاعلات بطاقة تصل إلى ١٢٠٠ ميجا وات وقد اتفق الجانبان على بدء العمل فى الوحدة الأولى عام ٢٠٢٢، أما فى مجال السياحة، ففى العام الماضى زار تركيا ٤.٥ مليون سائح روسى، ونظرًا لتشابك العلاقات الاقتصادية وعمقها بين البلدين، فإن الإجراءات الروسية عقب إسقاط الطائرة لم تتجاوز سوى تهديد قطاع المنتجات الزراعية الواردة من تركيا، وإلزامها بالخضوع تحت ما يسمى بأسس المقاييس والصلاحية المتبعة فى روسيا وفى مجال السياحة أصدرت روسيا توجيهات لمواطنيها بعدم الذهاب إلى تركيا بحجة الأوضاع الأمنية على غرار ما تم اتباعه للسياح الوافدين إلى مصر بعد حادث الطائرة الروسية بشرم الشيخ، وقد تفهمت الشركات السياحية العاملة فى تركيا لهذا المطلب، كما أعلنت شركة «أنتاليا تورز» السياحية الروسية، وقف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا، وهذا الإجراء سيؤثر تأثيرًا مباشرًا على السياحة فى تركيا، أي ستكون العقوبات الاقتصادية الروسية على تركيا أمرًا محتومًا، ولكن فى حدود ضيقة بحيث لا تتجاوز تدمير العلاقات التاريخية الاقتصادية بين البلدين، خاصة المشاريع المستقبلية والطموح إلى الوصول لأعلى معدل للتبادل التجارى بين البلدين، وبسبب أن تركيا حتى الآن غير قادرة على الدخول فى المنظومة الاقتصادية فى دول الاتحاد الأوروبى، وأن روسيا تعانى من العقوبات الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية، ومن هنا ستكون المواجهات على مستوى آخر منها احتمال الرد العسكرى المباشر أو غير المباشر من جانب روسيا، ولأن الرد العسكرى المباشر سيكون له تكلفته العسكرية والمادية الباهظة، وسيكون فى مواجهة ضد حلف «الناتو» الذى تنتمى إليه تركيا، والذى أعلن بصراحة تأييده إسقاط الطائرة الروسية، كما أيدتها الولايات المتحدة خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» مع نظيره الفرنسى «فرانسوا أولاند» فى البيت الأبيض يوم ٢٤ نوفمبر عام ٢٠١٥، مؤكدًا «أن من حق تركيا أن تدافع عن سيادتها».
أما المواجهة غير المباشرة، هو أن تعتمد روسيا على اللعب بأوراق المنطقة، وروسيا مبدئيًا تعتبر تواجدها فى المنطقة شرعيا بناء على طلب الحكومة الشرعية فى سوريا، وهى حكومة بشار الأسد، ولذلك قد تستغل جهدها العسكرى المكثف، وتعمل على توجيه ضربات عسكرية قد تصل إلى سحق المعارضة العسكرية السورية المدعومة من قبل تركيا وقطر، حيث إن روسيا تعتبر جميع التنظيمات العسكرية التى تقاتل بسوريا تنظيمات إرهابية تتساوى فيها «جبهة النصرة» مع «داعش» مع «أحرار الشام».. إلخ وأن هذه التنظيمات تقوّض مؤسسات الدولة الشرعية، وتصدر الإرهاب إلى دول العالم بأسره، وأنه يستحيل إعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة، عن طريق الحل السياسى، إلا بعد سحق هذه التنظيمات العسكرية، وهناك ورقة ضغط ظهرت مؤخرًا حول قوات تركية فى شمال العراق بدون إذن من السلطة العراقية، وقد تقدم العراق بدعم روسى إلى مجلس الأمن لتطبيق المادة السابعة من قرار مجلس الأمن التي تتيح استخدام القوة ضد القوات المحتلة لسيادة دولة ما، وعلى الرغم من أن تركيا أصرت على موقفها ببقاء قواتها على الحدود العراقية، بحجة التخوف من تسلل عناصر إرهابية إلى بلدها، إلا أن المظاهرات التى خرجت فى شوارع بغداد، شكلت ضغطًا على حكومة أردوغان، هذا إلى جانب أن روسيا وضعت البارجة البحرية «روسيا» التى تحمل أهم أنواع الصواريخ بالعالم ضد الطائرات، قبالة شاطئ اللاذقية، وهى تهدد بإسقاط أى طائرة تركية فى حالة اقترابها من الحدود التركية السورية، أما على المحور الإقليمى، فروسيا تستمد دعمها من إيران والعراق، وإلى حد ما الموقف المصرى الذى يعتبر أن جميع التنظيمات العسكرية، تقبع فى خندق واحد مع داعش، بينما تعتمد تركيا على الدعمين القطرى والأمريكى مع الاحتماء بمظلة «حلف الناتو»، وستكشف لنا الأيام القادمة عن مدى قدرة موسكو على معاقبة أنقرة، وهل سيعود الدب الروسى إلى المنطقة مستعيدًا أمجاده السابقة؟