الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

طيور الظلام تحلق فوق عاصمة النور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنا من عشاق باريس.. هذه المدينة الساحرة التى لا تسمح لقلبك أن يأخذ قرارا آخر غير حبها والحنين إليها.. وهو ما جعلنى أشعر بحزن كبير وأنا أتابع الهجمات الإرهابية الأخيرة التى وقعت فيها.. وأشعر أيضا بوجع شديد لما تعرض له الضحايا من أذى وغدر وهو موقفى تجاه أى إنسان يتعرض للأذى أيا كانت ديانته أو جنسيته أو اعتقاده.
وآخر زيارة لى لعاصمة النور كانت شهر إبريل الماضى.. وقد لاحظت وقتها أن الجيش موجود فى الشوارع والميادين.. ويقف ضباطه فى بعض إشارات المرور بجانب الشرطة.. كما أن الجيش كان يتواجد بكثافة فى الأماكن الأثرية والمزارات السياحية مثل «برج إيفل، كنيسة نوتردام، كنيسة القلب المقدس، متحف اللوفر، الحدائق والمتنزهات الشهيرة مثل حديقة لوكسمبورج».. كان المشهد متوترا وغريبا وهو ما جعلنى أسأل عن سبب هذا الترقب والخوف.. 
وعلمت وقتها من أصدقاء مصريين يعيشون بفرنسا.. أن الدولة تشهد تهديدات من تنظيم «داعش».. وأنهم بانتظار ضربة إرهابية جديدة وقوية من التنظيم ولكن لا يعرفون متى وأين؟
وأنهم يعلمون جيدا أن هجوم «شارلى إبدو» لن يكون الأخير..
ولذلك فإن درجة الاستعداد كانت «اللون الأحمر».. وهى الدرجة القصوى للاستعداد والاستنفار الأمنى والعسكرى.. وظهور قوات الجيش فى المطارات من الداخل والخارج كان واضحا للغاية.. وعلمت حينها أن فرنسا تعانى بشدة من انضمام عدد من الفرنسيين إلى داعش.. وهذا يسبب لهم ترقبا وخوفا شديدا.
ومن خلال حديث دار بينى وبين شاب جزائرى يعيش فى باريس.. علمت منه أن له صديقا فرنسيا يعمل سائق تاكسى، وهو فرنسى الأصل وليس له أصول عربية أو إسلامية، وهو يعرفه منذ سنوات طويلة ويعرف عائلته، ومنذ عام تقريبا فوجئ به يقول له إنه «دخل الإسلام» وأصبح مسلما.. قال لى الشاب الجزائرى بصراحة شديدة أنا فرحت بهذه الخطوة وقلت إن الله أراد له الهداية وأنعم عليه بالإسلام، رغم أننى لم يكن يفرق معى ما هى ديانته ولكننى كنت سعيدا حقا بإسلامه، وبعد ذلك بشهور قال لى أنه ترك بيت أهله وأصبح يعيش بمفرده، وهذا شيء عادى جدا فى فرنسا وتصورت أنه يريد أن يستقل بحياته، وخاصة أن عمره أصبح ٢٣ عاما ولكنى المفاجأة أنه قال سببا مختلفا تماما. 
فقد قال إنه ترك أهله لأنهم سوف يتعرضون لعذاب الله لأنهم كافرون! ويكمل الشاب الجزائرى حديثه ويقول.. بصراحة صدمت بشدة وناقشته فى ذلك وأعربت له عن حزنى أن يحكم على أهله بالكفر، وقلت له من حقك أن تكون مسلما ولكن ليس من حقك أن تكفر غيرك، ولكنه تحول إلى شخص آخر وقال لى إنه قطع صلته بكل أصدقائه ومعارفه لأنهم غير مسلمين وبالتالى كفار، وأنه الآن بدأ حياة جديدة ويشعر أنه ولد من جديد وكل ما يعرفهم ويصادقهم مسلمون فقط.. وكان قد أطلق لحيته وتغير شكله وتبدلت هيئته تماما.. وقد قابلته منذ أسبوعا فقط من جديد بعد أن اختفى شهورا لم يحادثنى فيها، فقد اتصل بى وطلب مقابلتى وعندما التقيت به قال لى أنه يستعد الآن لترك باريس، وأنه سوف يسافر إلى العراق لنصرة دين الإسلام، وسألته «لمن ستذهب فى العراق؟» رغم أننى كنت على يقين من أنه سوف ينضم لداعش.. فقال إن العراق بها قوما يدافعون عن الإسلام ويطلق عليهم «جيش الله» وأنه سوف ينضم لهم، وطالبنى أن أذهب معه قائلا لى «أنت اسمك محمد وبحق اسمك هذا تعالى معى إلى جيش الله، حتى تدخل الجنة وتدافع عن النبى محمد»، صدمتى اشتدت وقد أصبح مظهره أسوأ من زى قبل، فهو شاب عيناه زرقاء وشعره أصفر ولكن كل هذا اختفى، خلف عبوس وجهه الدائم ولغته الحادة ولحيته الكثيفة ولغته العدوانية العنيفة، أصبح شخصا آخر غير الذى عرفته منذ أعوام طويلة، لدرجة أننى قلت فى نفسى «ليته لم يدخل الإسلام».
وقلت له لن أذهب معك لأن هؤلاء إرهابيون يذبحون الناس بدون حق والله لم يكلفهم بتنظيم جيش باسمه، فقال لى إن من يحارب الإسلام هو الإرهابى ومهمة المسلم أن يخلص الحياة من غير المؤمنين بدين الله.. قلت له إننى لن أذهب معه وأننى أخشى عليه من هذا الطريق الأسود، وأن عليه أن يراجع نفسه فقال لى إنه اتخذ قراره بشكل نهائى وقريبا سيكون فى العراق. 
الشاب الجزائرى كان حزينا ومصدوما وهو يسرد لى قصة صديقه الفرنسى، وقال لى إنه أيضا له أصدقاء مصريون يدعونه أحيانا لمظاهرات فى باريس لنصرة «محمد مرسى» والإخوان ولكنه يرفض، وأن الإخوان فى باريس يدفعون بسخاء لمن ينضم لهم ويشارك فى مظاهراتهم، وهذا إن دل على شيء.. فهو يدل على أن الإرهابيين أصلا يعيشون فى فرنسا لا يتم استيرادهم من الخارج، ومنفذى الهجوم على مجلة «شارلى إبدو» العام الماضى، أثبتوا ذلك بعد أن تبين أن أصولهم عربية مسلمة، ولكنهم يحملون الجنسية الفرنسية ويعيشون فى فرنسا، ولكن طبعا ما يتم تداوله الآن حول العثور على جواز سفر سورى، بجوار جثث منفذى الهجمات الأخيرة فى باريس والتى يطلق عليها «١١ سبتمبر أوروبى» قد يعطى مؤشرا إلى غير ذلك.. إلى أن الإرهابيين قادمون من الخارج، وخاصة أن شهود العيان قالوا إن محتجزى الرهائن كان يصيحون «إن هذا ردا على ضرب فرنسا لداعش فى سوريا» بجانب صيحاتهم «الله أكبر» وهم يقتلون الرهائن.. ولكن الفرنسيين أنفسهم يعلمون جيدا أن الجناة يعيشون بينهم.. ودائما ما تشير أصابع الاتهام إلى رعايا دول المغرب العربى «تونس، الجزائر، المغرب» باعتبار أنهم أكبر الجاليات هناك وخاصة أبناء الجزائر.. كما أنهم يعلمون أيضا أن إحدى مشاكلهم الكبرى خلال الفترة الماضية كانت انضمام بعض الفرنسيين إلى تنظيم داعش.. وأنهم عجزوا عن إيجاد حلول لمواجهة ذلك أو حتى الحد منه.
ويقول بعض الخبراء العسكريين فى فرنسا عقب الهجمات.. عبر الصحف والقنوات التليفزيونية، إن تنظيم «الذئاب المنفردة» الذى كان يشار إلى ضلوعه فى القيام بالعمليات الإرهابية فى فرنسا من قبل، مثل «شارلى إبدو» واحتجاز رهائن فى متجر يهودى وإطلاق الرصاص على أحد المصانع، لم يعد له وجود فى الهجمات الأخيرة لأنها تعد عملية نوعية منظمة للغاية، وقامت بها سبع مجموعات فى أوقات متزامنة وقاموا بسبع هجمات فى أحياء متفرقة بالعاصمة الفرنسية، ومنها التفجيرات حول الاستاد والذى كان بداخله رئيس الجمهورية نفسه «فرانسوا هولاند»، وهو يعد تهديدا صريحا أيضا للرئيس بإمكانية قتله فى أى زمان ومكان. 
وأن هذه الهجمات لم يقم بها الذئاب المنفردة مثل الهجمات الإرهابية السابقة.. بل لمجموعات مدربة جيدا ومنظمة.. وخاصة أنها حدثت فى وقت الأمن فيه يعد فى أعلى درجات الكثافة والاستعداد فى باريس، بسبب التحضير للمؤتمر العالمى للتغيرات المناخية والذى يطلق عليه «قمة المناخ» والذى من المقرر أن يقام بعد أسبوعين فقط فى ٢٩ نوفمبر إلى ١١ ديسمبر فى العاصمة الفرنسية.. ويحضر فيه ٦٠ رئيس دولة وأكثر من ٢٠٠ وفد من مختلف دول العالم.. وعلى الرغم من ذلك حدثت الهجمات رغم هذه الكثافة الأمنية والإجراءات الشديدة. ورغم أن الفرنسيين شعب ودود للغاية، إلا أنهم يشعرون بكراهية شديدة تجاه العرب والمسلمين من قبل، وزادت هذه الكراهية بعد أحداث «شارلى إبدو».. فهم يشعرون أن أى مسلم هو إرهابى فى داخله ولو جاءت له الفرصة لأصبح قاطعا للرءوس، وطبعا بعد هجمات باريس الأخيرة والتى وصل عدد الضحايا فيها إلى ١٥٢ قتيلا و٢٠٠ جريح سوف يمقتون المسلمين أكثر ويشعرون بالعداء الشديد تجاههم.. وهو الأمر الذى سوف يضر بشدة بالعرب والمسلمين الأبرياء الذين يعيشون فى فرنسا بشكل خاص وأوروبا كلها بشكل عام. 
وبصراحة شديدة لديهم كل الحق الآن فى كراهية الإسلام والمسلمين، فهم بالنسبة لهم الآن قتلة وإرهابيون أراقوا دماءهم وأزهقوا أرواحهم بلا رحمة.. وصحيح أننا نقول إن الاسلام بريء من هذه الأفعال وأن الإرهاب لا دين له ولا وطن، ولكننا على يقين أننا لو كنا مكانهم لن نقبل تبريرا أو أى كلام من ماركة «هم حاجة والإسلام حاجة» لأن القتلة فى الآخر مسلمون.. وقد أسعدنى ما قاله لى صديق إيطالى يعيش فى باريس إنهم لا يخشون العرب والمسلمين لأنهم يرونهم قتلى أيضا بأيدى هؤلاء الإرهابيين.. أتمنى أن يكون هذا هو موقف الغرب جميعا، ولكن أعتقد أن من يستوعبون ذلك منهم هم فى الأغلب نادرون.